صندوق النقد الدولي وكولومويسكي.. كيف أصبح زيلينسكي "زعيم المستنقع"

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي
نسخة للطباعة2020.05.19

يوري فيشنيفسكي - محلل سياسي

النتيجة السياسية الرئيسية لأعمال البرلمان خلال الشهر الجاري كانت تشكيل قطبين واضحين في البرلمان يفصل بينهما مستنقع.

تضمن جدول أعمال الجلسة البرلمانية غير العادية التي انعقدت في 13 أيار/مايو 26 بندا. غير أن واحدا منها كان أهم بكثير من جميع البنود المتبقية مجتمعة؛ وهو المسمى بالقانون "المناهض لكولومويسكي"، أي مشروع القانون رقم 2571-د "بشأن إجراء تعديل على بعض القوانين التشريعية في أوكرانيا وتطوير بعض آليات تنظيم النشاط المصرفي"، الذي ينبغي أن يجعل مستحيلا عودة مصرف "بريفات بنك" إلى أصحابه السابقين، إيهور كولومويسكي وشركائه.

مصير "بريفات بنك"، هو من العوامل الهامة بالطبع و المؤثرة على استقرار النظام المصرفي في أوكرانيا، خصوصا في الظروف الحالية، مع تعاضد جائحة الفيروس التاجي و الأزمة الاقتصادية، حيث أن انهيار "بريفات بنك" سيؤدي إلى كارثة مالية و اقتصادية، ستطال جميع أنحاء البلاد. 

تعززت أهمية القانون "المناهض لكولومويسكي" بشكل أكبر بعد أن سمّى صندوق النقد الدولي و المنظمات المالية الدولية الأخرى إقرار هذا القانون شرطا رئيسيا لمنح القروض لأوكرانيا. و المنطق هنا واضح تماما: لماذا نساعد دولة تدمر نفسها.

بالإضافة إلى أن كولومويسكي صار شخصية سلبية للغاية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان التخلي عنه في الواقع شرطا لموقف واشنطن الإيجابي تجاه الحكومة الأوكرانية الحالية و تجاه فولوديمير زيلنسكي تحديدا. و توقفت على هذا الأمر خصوصا إمكانية حصول أوكرانيا على ضمانات القروض الأمريكية، التي طلبها زيلنسكي قبل شهر من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.

لذا، ليس من المستغرب، رغم  أن 158 نائبا كانوا المبادرين رسميا  لعقد الجلسة البرلمانية غير الدورية، أكد زيلنسكي بشكل خاص على اهتمامه الشديد بإقرار القانون رقم 2571-د. و لقد جاء شخصيا لحضور الجلسة  (بدلا من تسجيل الفيديو التقليدي) و وجه كلمة إلى نواب الشعب، فقال: "أريدكم، أن تدعموا  مشروع القانون هذا، الذي يجب أن يحمي الاقتصاد الأوكراني و أن يساعد أوكرانيا في الوقت الحالي خصوصا".

على ما يبدو، أراد زيلينسكي  أن يقطف من اعتماد هذا القانون  ليس المكاسب المالية فقط، بل و تحقيق مكاسب سياسية أيضا، معتبرا مسودة القانون رقم 2571-د من بين "القوانين التاريخية الهامة، الذي يجب أن يوحد البلاد ككل و يوحد جميع الأحزاب".

من المعروف أن زيلينسكي قلق للغاية بخصوص شعبيته. و يقنعه  آندري يرماك و غيره من الشخصيات الأخرى من حاشيته بالبحث عن الخلاص من خلال محاولة الأخذ على عاتفه دور مصالح الأمة و موحد البلاد. لذا قرر استخدام القانون رقم 2571-د لتحقيق هذا الهدف.

غير أن المحاولة لم تكن ناجحة جدا، فالتصويت على هذا المشروع لم يوحِّد إطلاقا نواب الشعب. إذ حصل على 270 صوتا و كان هذا كافيا لاعتبار القانون معتمدا بالكامل في قراءته الثانية، و لكن من الواضح أن هذا ليس كافيا للحديث عن إجماع برلماني كامل. بل على العكس، انقسم البرلمان الأوكراني، من خلال موقفه من هذا القانون بوضوح إلى ثلاثة أجزاء. و ظهر هنا زيلينسكي ليس في دور الموحد الرائب للصدع و إنما في دور مستنقع يفصل بين قطبين، لهما مواقف متبلورة.

القطب المؤيد لكولومويسكي

هو القطب الأول، معادي لأمريكا بكل تأكيد و معادي لصندوق النقد الدولي  و موالي لكولومويسكي و لروسيا. من هذا اليوم يمكننا أن نؤكد بكل ثقة أن هذه الكلمات "معاداة أمريكا" و "معاداة صندوق النقد الدولي" و "موالاة كولومويسكي" و "موالاة روسيا"  أصبحت كلمات مرادفة.

شكل هذا القطب حزبي "المنصة المعارضة من أجل الحياة"  و"باتكيفشينا"، الذين لم يقدما و لا حتى صوت واحد  لصالح القانون رقم 2571-د (في حين أن غالبية أعضاء هاذين الحزبين، أي 29 من أصل 44 نائبا ل"المنصة المعارضة من أجل الحياة" و 13 من 24 نائبا لـ"باتكوفشينا"، صوتوا ضد هذا القانون)، و أيضا تيار  "من أجل المستقبل" (ثلاثة أصوات مؤيدة، صوتان ضد، مع امتناع الباقين، الذين لم يصوتوا أو تغيبوا عن الجلسة).

القطب المناوئ لكولومويسكي

هو القطب الثاني، و على العكس من الأول، يؤيد أمريكا دون جدل  و يؤيد صندوق النقد الدولي  و مناهض لكولومويسكي و روسيا. تشكل هذا القطب من حزبين، الذين طالبا من البداية (أي منذ 30 أذار/مارس، عند التصويت على القانون رقم 2571-د في قراءته الأولى) تبني القانون "المناهض لكولومويسكي" فورا و بالكامل، دون قراءة ثانية. و هما حزبي "التضامن الأوروبي" و "الصوت" (و لقد دعم هذا القانون اليوم 23 من أصل 27 نائبا في حزب "التضامن الأوروبي" و 18 من 20 نائبا في حزب "الصوت").

نؤكد أن هذه الأحزاب لم تتعب من التذكير بفرادة مواقفها. على سبيل المثال، وصف رئيس البرلمان السابق والنائب الحالي عن حزب "التضامن الأوروبي" آندري باروبي، في مقابلة مسائية مع "القناة المباشرة"  قصة القانون "المناهض لكولومويسكي" بأنه "عملية احتيال كبيرة لزيلينسكي و فريقه".

وذكّر بما حدث في البرلمان في 30 أذار/مارس. "حيث كان معلوما منذ البداية أننا لن نحصل على أي قرض واحد من شركائنا الدوليين في حال لم يعتمد هذا القانون. و لقد استعد الجميع لاعتماد هذا القانون. أذكر ذلك اليوم عندما كنا جالسين في البرلمان الأوكراني، و بما أن الحجر الصحي  كان قد بدأ، أعلن أننا سنعتمد جميع القوانين بالكامل لتقليل وقت المكوث في القاعة. وعندما بدأنا إقرار القوانين، جرى بالفعل اعتماد معظم القوانين على الفور و بالكامل.  

فجأة، عندما وصلنا إلى القانون "المناهض لكولومويسكي"، أعلن رئيس البرلمان الأوكراني: أننا نعتمده كأساس.  في ذلك اليوم كان من الممكن التنبؤ بجميع الإجراءات اللاحقة. عندما اعتمدنا القانون كأساس فقط، وليس بالكامل، كان من المتوقع أن يقدم أناس كولومويسكي، ولقد تنبأت في ذلك اليوم بأنهم سيقدمون  10 آلاف تعديل. و لقد أجروا فعلا أكثر من 16 ألف تعديل. و عندما تحدث زيلنسكي لاحقا في كلماته المصورة عما سماه بـ"القوى الظلامية" التي تحول دون اعتماد هذا القانون، كانت هذه "القوى الظلامية" من حزب "خادم الشعب". الغالبية العظمى من مؤلفي التعديلات هم من الأشخاص الذين احضرهم زيلينسكي إلى البرلمان الأوكراني".

كما نرى، أن باروبي ورفاقه ينكرون بشكل قاطع الدور الموحِّد لزيلينسكي و يؤكدون بكل قواهم أن زيلينسكي، حليف كولومويسكي، فكر في خدع الجميع. وفقًا لكلام باروبي، اعتمدت الخطة على أن صندوق النقد الدولي سيعتبر مشروع القانون أساسا لبادرة حسن نية، وبناء عليه، سيقدم القرض، و من ثم سيشرحون له أن هناك حجر صحي و عدد هائل من التعديلات، أدت بالتالي إلى استحالة إقرار القانون. قال باروبي: "هذه مغامرة كبيرة، صممت لخداع شركائنا الغربيين، لكنها لم تنجح" ، ما اضطر زيلينسكي إلى تنظيم تبني هذا القانون بالكامل.

من الصعب الآن أن نقول لأي مدى سيتمكن حزب "التضامن الأوروبي" و حزب "الصوت" من إيصال فرادة موقفهما إلى الأوكرانيين. و لكن يمكننا، على ما يبدو، أن نقول أنهم أوصلوا موقفهم الواضح إلى صندوق النقد الدولي و وزارة الخارجية الأمريكية.

مستنقع زيلينسكي

و في المستنقع بين هذين القطبين كان هناك حزب "خادم الشعب" و مجموعة "الثقة" وغير الحزبيين. هكذا صوت 200 من أصل 248 نائبا من "الخدم" لصالح اعتماد القانون رقم 2571-د (وضغط خمسة منهم على زر "ضد") ، و 16 من أصل 17 عضوا في مجموعة "الثقة"  و 10 من أصل 22 نائبا مستقل (بما فيهم رئيس البرلمان و نائبه الأول، في حين أن اثنين صوتا ضد). هذا المستنقع تحديدا، و بإشارة من زيلينسكي،  منع اعتماد القانون "المناهض لكولومويكسي" في 30 أذار/مارس كأساس وبالكامل ، بينما اليوم، و من جديد بإشارة  من زيلينسك، مرر القانون بالكامل.

يمكن اعتبار تشكيل هذه التركيبة البرلمانية، المكونة من قطبين متينين بينهما مستنقع، النتيجة السياسية الرئيسية لجلسة 13 أيار/مايو الإستثنائية. و الأمر المثير للشغف  هو في كم عدد نواب المستنقع الذين سيبقون مخلصين لزيلينسكي  خلال الأشهر القادمة و عدد الذين سينجذبون نحو القطبين.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس - الإعلام المحلي

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022