كيف تستخدم روسيا الجائحة لصالحها؟

نسخة للطباعة2020.05.18

بافلو كازارين - إعلامي أوكراني

جائحة الفيروس التاجي ليست مرضا فحسب، بل وعذرا ايضا؛ والأنظمة المختلفة تستخدم هذا العذر لتحقيق أهدافها الخاصة.

على سبيل المثال، حصل رئيس الوزراء المجري خلال الجائحة على صلاحيات غير مسبوقة. منحه برلمان البلاد فرصة إلغاء الانتخابات والاستفتاءات وتعليق العمل بالقوانين ومعاقبة وسائل الإعلام. 

المعارضة المجرية ممتعضة وتشتبه في محاولة السلطة اغتصاب الحقوق. تقوم مخاوفها على أن وضع الطوارئ السابق، الذي أدخل في هذه الدولة خلال "أزمة الهجرة" قبل خمس سنوات، لم يقم أحد في نهاية المطاف بإلغائه.

المجر ليست وحيدة في هذا المضمار. روسيا تحاول أيضا وبنفس الطريقة استخدام الجائحة العالمية لحل مشاكلها المحلية. اقترح الرئيس الروسي في مؤتمر الفيديو الذي عقده قادة دول مجموعة العشرين إلغاء العقوبات الدولية، بحجة أنها تمنع تبادل الأدوية و الغذاء والتكنولوجيا خلال مكافحة الوباء.

الاستشهاد بـ"سابقة كوسوفو"

و الكرملين ليس وحيدا، إذ يدعمه كل من جعلته موسكو خلال "السنوات الخيّرة" من ضمن جماعات الضغط الخاصة بها داخل أوروبا. فمثلا، أعلن المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر أن القرم المضموم إلى روسيا لن يعود إلى أوكرانيا، واقترح رفع العقوبات المفروضة على الدولة المحتلة.

هذا البيان ليس مفاجئا، إذا ما تذكرنا أن شرودر قد انتخب في عام 2017  رئيسا لمجلس إدارة "روسنفت". سيرته الذاتية الواضحة توصّف كيفية عمل الفساد السياسي. أحد كبار السياسيين السابقين في دولة ما يصبح عضوا في مجموعة الضغط في دولة أخرى، ويحصل على راتب عال من خلال بيع عدم الاستقرار المغلّف بـ"عملية السلام" لوطنه السابق.

رفع العقوبات والاعتراف بضم القرم يمثل تحديدا عدم الاستقرار، لأن هذه الخطوات تدمر نهائيا كل ما بُنيت عليه أوروبا في حقبة ما بعد الحرب. أوروبا تلك التي تمثل إحدى دولها الرائدة وطن غيرهارد شرودر السابق.

يحب محامو موسكو الاستشهاد بـ "سابقة كوسوفو"، لكن المشكلة في أن حتى الصرب أنفسهم غير مستعدين دائما للموافقة على الوصف الروسي للواقع.

أذكر أنني سافرت إلى القرم في آذار/مارس 2014، وأن طائرة الخطوط الروسية "إيل 96" ذات الثلاثمائة مقعد العاملة على خط القرم لم يكن فيها مقعد شاغر. جلس أمامي فرنسيون وخلفي إيطاليون وعلى يساري صربي وعلى يميني بحار من سيفاستوبول، نزل عن متن سفينته في كوراكاو، و بعد علمه بأحداث القرم، ها هو منذ أسبوع يحاول الوصول إلى منزله كيفما كان.

تحدثت يومها طوال الرحلة مع الصربي، وهو بخلاف الرئيس الروسي، كان متتابعا، وتحدث طويلا عن أنه و زملائه في طريق مسدود، قائلا: "نحن دائما مع روسيا القوية، لأن روسيا القوية ستساعد دائما صربيا، ولكن كيف يمكننا دعم فصل القرم عن أوكرانيا، إذ أننا سنؤيد بذلك استقلال كوسوفو".

طُبعت تلك القصة في ذاكرتي. كان هذا مثالا توضيحيا على أن علاقة الأسباب والعواقب تميز الشخص الواعي عن شخص من العصر الحجري أتقن استخدام الأجهزة الحديثة وأدوات المائدة، لأن شمولية الرؤية العالمية والقدرة على فهم العواقب والعمل الصحيح مع المقارنات يجبر الناس على اللعب وفق القواعد.

نظمت السياسة العالمية الحديثة لكي تحتوي على حدود مختلفة للممكن. يسمح في بعض الأحيان رسم حدود جديدة على الخريطة،  في الحالات التي اكتسبت فيها منطقة ما أسبابا كافية للمطالبة بالاستقلال، لكن محو الحدود القائمة من الأمور الممنوعة.

بشكل أبسط، من وجهة نظر الممارسة الدولية، أصبح ظهور بريدنيستروفيه أو أبخازيا أو أوسيتيا الجنوبية أو كوسوفو على خارطة العالم أمرا مألوفا للغاية. سيوافق البعض على هذا وسيعارضه آخرون، ولكن في مثل هذه الحالات لا يجري إطلاقا أي حديث عن حالة استثنائية.

غير المقبول ليس إنشاء دول جديدة، وإنما توسيع الدول القائمة. عندما ينتزع من إحدى الدول ويضم إلى أخرى، مثلما حدث مع القرم. إذا أمكن لروسيا أن تفعل ذلك مع شبه الجزيرة، فهذا يعني أنه من الممكن لأي كان و في أي مكان أن يكرر ذلك. 

يظهر هنا مرة أخرى أن القوة أهم من القانون وأن الأعذار التاريخية أهم من الحدود القائمة وأن الدبلوماسيون يتركون الساحة للعسكريين مهددين علنا بمجزرة عالمية ذات طابع محلي.

لو قامت روسيا قبل ست سنوات بجعل القرم "دولة غير معترف بها"، لكان لدى فلاديمير بوتين أسباب أكثر للاستشهاد بمثال كوسوفو، ولكانت حينها هاتان القصتان متشابهتين تقريبا، ولكن ليس الآن وفي هذا ربما المشكلة الأكبر لروسيا وقيادتها. لا يمكن الاستياء من الواقع عندما لا تفهمه، فهذه مشكلتك وليست مشكلة الواقع.

قبل ست سنوات، أدرك ذلك جيدا رفيق السفر الصربي. لكن الزعيم السابق لألمانيا والزعيم الحالي لروسيا  يرفضان ذلك تماما. 

واليوم، بذريعة الجائحة العالمية، يحاولان إعادة كتابة قواعد اللعبة بأثر رجعي، وهي ليست المحاولة الأولى وليست الأخيرة.

لكنها إذا نجحت في العالم الذي نعرفه، ستدمر أساسا عالميا آخرا...

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس - الإعلام المحلي

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022