الحياة بعد الأزمة.. ما الذي ينتظرنا في الأشهر القادمة؟

نسخة للطباعة2020.03.31

أوليغ مالينكوف - شريك في صندوق TA Ventures - مؤسس مشارك في شركة Concepter

نعاني اليوم من أسوأ أزمة منذ القرن العشرين، والأمر لا يقتصر على الفيروس نفسه فقط، بل وعلى العواقب التي ستضرب الاقتصاد العالمي.

في نفس الوقت، تبدأ أزمة الطلب، التي تتجلى في انخفاض الاهتمام بالسلع والخدمات غير الضرورية جدا والعرض، حيث أن وتيرة الإنتاج انخفضت بشكل ملحوظ بعد أن راحت المصانع تعمل بشكل متقطع. بالتالي، تعاني من كل هذا الاقتصادات العالمية المصدرة والمستوردة. 

وفقا للتوقعات، قد تصل البطالة في الولايات المتحدة إلى 30% (للمقارنة، وصلت بين 2007-2009 إلى 10.2% وخلال فترة الكساد الكبير إلى حوالي 24.5%)، و قد ينخفض إجمالي الناتج المحلي إلى النصف.

بالإضافة إلى الصناعة، أثر الفيروس أيضا بشكل كارثي على السياحة، إذ تخسر أستراليا وحدها مليار دولار شهريا بسبب القيود المفروضة على التواصل مع الصين، و ماذا يمكننا أن نقول عن الوجهات الأخرى، التي يصل عددها إلى المئات؟.  تعمل الرحلات الجوية بين الولايات المتحدة و أوروبا بلا ركاب تقريبا، حتى لا تفقد المسارات المفتوحة لها. فوفقا للقواعد الأوروبية، إذا لم تستخدم شركة النقل أكثر من 80% من المسارات، ستعطى للمنافسين الأكثر استقرارا.

الرحلات الداخلية أيضا تلغى واحدة تلو الأخرى، حتى أن شركة "دلتا" تعرض تأجيل التذاكر مجانا للقيام بأية رحلة أخرى خلال العام. يلاحظ وضع مماثل في سوق الإيجارات القصيرة الأمد. فبسبب انخفاض الطلب بشكل كارثي هبطت الأسعار. في باريس، التي كانت أسعار المساكن فيها تاريخيا واحدة من الأعلى، وصار من السهل اليوم المبيت لليلة واحدة مقابل 50 أو 70 دولارا. يمكن أن نتصور ما الذي ينتظر هذه القطاعات في الأشهر المقبلة، ربما الركود التام والأمل في برامج المساعدة الحكومية. التي قد تصل مدفوعاتها إلى عشرات المليارات من الدولارات.

ستؤثر عواقب الفيروس حتى على تلك النشاطات التي تجري 100% عبر الإنترنت. هل أنت مدون في إنستغرام وتكسب من عمليات الترويج الإعلاني و بيع المنتجات المادية؟. 

نظرا لغياب قنوات إعلانية بديلة، سيكون من الممكن مشاهدة طفرات قصيرة المدى من النشاط، وستعيد العلامات التجارية توجيه جهودها من مصادر البث التقليدية نحو مصادر جديدة، وسيتحول هذا مع مرور الوقت، بسبب المنافسة المتنامية، إلى استنفاد للقنوات و كفاءاتها. ليس هذا إلا مسألة وقت.

كيف يمكن تخطي الأزمة؟

تعالوا لنتذكر كيف تخطت البشرية الأزمات وتفشي الأوبئة في السنوات الماضية:

1. الالتهاب الرئوي غير النمطي سارس في هونغ كونغ (2002)

العواقب في هونغ كونغ: أدى إلى وفاة 286 شخصا في جميع أنحاء العالم، ونمو ملحوظ  في إجمالي الناتج المحلي لهونغ كونغ من +5% في منتصف عام 2002 إلى الركود بنسبة 10% في أوائل عام 2003. رغم أن إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الفعلي لم يتغير.

الانتعاش: بحلول منتصف عام 2003، ارتفع نمو إجمالي الناتج المحلي من -10% إلى الحد الأقصى التاريخي + 25% ليعود في النهاية إلى مستويات ما قبل الأزمة (+ 5%). ارتفع إجمالي الناتج المحلي الفعلي لهونغ كونغ من 360 مليار دولار بسرعة إلى 440 مليار دولار خلال عامين.

2. 2H2N2 "الإنفلونزا الآسيوية" (1958)

العواقب في الولايات المتحدة: 116 ألف وفاة في الولايات المتحدة ، وركود 10% في بداية عام 1958، حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي الفعلي بمقدار 100 مليار دولار.

الانتعاش: نمو اقتصادي بنسبة 10% بحلول منتصف عام 1958، في حين نمى إجمالي الناتج الفعلي بمقدار 350 مليار دولار خلال بضع سنوات.

3. الإنفلونزا الإسبانية (1918)

العواقب في الولايات المتحدة الأمريكية: 675 ألف وفاة (بلغ مجمل الموبوئين في جميع أنحاء العالم 500 مليون شخص، ووصل عدد الوفيات من 17 إلى 50 مليون وفقا للمصادر المختلفة). انخفاض النمو من 10% إلى 0%. في حين لم يتغير في الواقع إجمالي الناتج المحلي الفعلي.

الانتعاش: استمر الركود الاقتصادي بعض الوقت، ليليه نمو و من ثم انهيار مرة أخرى خلال فترة الكساد الكبير.

نلاحظ من هذه الأمثلة أن الأوبئة تؤثر بشكل كبير على اقتصاديات الدول، رغم أن الركود يتحول إلى نمو سريع نسبيا بمجرد أن تتوفر إمكانية القضاء على بؤرة التفشي.  

جميع الهزات الاقتصادية دون استثناء تتميز برسم بياني له شكل حرف V، أي أنها عمليا تعود دائما إلى قيمها السابقة.

زمن اقتصاد جديد

كقاعدة عامة، تستعيد الدول ذات الاقتصادات الأقوى مواقعها الأولية بسرعة أكبر، و لكنها بالرغم من ذلك، تتعرض  لتغيرات هيكلية في الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي. 

خبرتنا و نظرتنا إلى هذه الأزمات تتغير، حيث نروح ننفق المال ونستخدم الخدمات بشكل مختلف. 

هكذا، على سبيل المثال، في الصين إبان السارس، توجه الناس  للشراء عبر الإنترنت في كثير من الأحيان مفضلين عدم الذهاب إلى المتاجر  المعتادة. الكثيرون يربطون بين النمو الانفجاري لموقع Alibaba مع ظهور فيروس العام 2002. كما و ظهرت بعد  أزمة 2007-2008 Airbnb و Uber وWhatsApp، الشركات التي لا يمكننا أن نتخيل حياتنا اليوم من دون منتجاتها وخدماتها.

تلغى اليوم أكبر المؤتمرات الدولية في كل مكان،  في أوستن (تكساس) ألغي SXSW، الذي يشارك فيه 400 ألف شخص. رغم أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تنتظر هذا الحدث كل عام، بدءا من عام 1987. اقتصاد هذه المدينة يعتمد إلى حد كبير على هذا الحدث. هل هذا الوقت الأنسب لأن تحل التكنولوجيا محل الوجود المادي للإنسان؟

أعاق الإفراط الزائد في تنظيم الأنظمة تطور الطب، ما أدى إلى خلق حاجز مناعي لدخول الشركات الجديدة. من بدأ العمل منذ بضع سنوات على رقمنة الرعاية الصحية  لديه اليوم إمكانية جيدة لتسريع إطلاق منتجاته في السوق العالمية والوصول إلى ملايين الأشخاص.  

شهدت التجارة الإلكترونية (e-commerce) طوال هذا الوقت نموا سريعا، رغم أنها ما تزال تستحوذ على عُشر إجمالي المبيعات فقط. ستسرع الأزمة إلى أقصى حد ممكن هذا التحول، وستؤثر على جميع الأنشطة الصغيرة والمتوسطة. ليس لدينا حتى الآن معطيات حول كيفية تأثير هذا على الأنشطة المرتبطة ماديا بمكان معين، على سبيل المثال، صالونات التجميل أو نوادي اللياقة البدنية.

ولكن هناك شيء واحد معروف بالتأكيد، هو أنه سوف تتغير مع هذه الأزمة القوانين الاقتصادية التي نتبعها. 

من الممكن أن تغلق الكثير من الشركات المعروفة لنا في المستقبل القريب. لذا، بدلا من بيع الأقنعة بأسعار مضاعفة، يجب علينا أن نجد السبيل لإرضاء العادات البشرية المتشكلة حديثًا في عصر ما بعد فيروس كورونا، وهي كثيرة.

قناة "أوكرانيا برس" على "تيليغرام": https://t.me/Ukr_Press

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس - الإعلام المحلي

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022