هل تتعاون تركيا مع أوكرانيا في مواجهة روسيا؟

نسخة للطباعة2020.03.10

صفوان جولاق - رئيس التحرير

على مدار 6 أعوام مضت، قفزت العلاقات الأوكرانية التركية إلى مستويات متقدمة في مجالات شتى، ولعبت الأزمة الأوكرانية مع الجارة روسيا دورا كبيرا في هذه العلاقات.

تتربع تركيا حاليا على رأس شركاء أوكرانيا الاقتصاديين بعد إغلاق حدود وأسواق روسيا أمام بضائعها، بحجم تجارة بلغ نحو 4.8 مليار دولار في 2019، ويتطلع الجانبيان إلى أن يبلغ 10 مليارات مع دخول اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ، كما تنتشر فيها 600 شركة تركية، تعود على الاقتصاد الأوكراني بنحو 2.5 مليار دولار سنويا.

بعد العام 2014 أصبحت تركيا من أبرز الدول استثمارا في أوكرانيا، وشركات الطيران الأوكرانية والتركية تنفذ كل أسبوع أكثر من 200 رحلة؛ ونحو 1.5 مليون سائح أوكراني يزورون تركيا سنويا، مستفيدين من إلغاء نظام تأشيرت الدخول بين البلدين.

شريك سياسي

ولأنها تعتبر القرم جزءا من إرثها التاريخي، وتتار القرم جزءا من مكونها القومي بحكم العرق واللغة، سارعت أنقرة إلى رفض ضم القرم من قبل روسيا في 2014، وأكدت على ذلك مرارا وعند كل مناسبة، كان آخرها زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى كييف في 3 فبراير الماضي.

ثم وقفت تركيا في مقدمة الدولة المؤيدة لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والداعمة لإصلاحاتها على هذا الطريق.

كل هذا -بطبيعة الحال- لم يعجب موسكو، التي ساءت علاقاتها مع أنقرة مرارا خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة بسبب الأزمة السورية.

تعاون عسكري

ومما لا شك فيه، بحسب خبراء ومحللين، أن القواسم المشتركة بين البلدين تعدت حدود السياسة والاقتصاد والمجتمع معا، مع تنامي حجم التعاون العسكري بين كييف وأنقرة، الذي يشكل سببا آخر لبقاء التوتر بين الأخيرة وموسكو.

زيارة أردوغان الأخيرة كانت مؤشرا واضحا على ذلك، فلأول مرة، أعلنت تركيا منح أوكرانيا 50 مليون دولار "كمساعدات عسكرية صريحة"، وأعلنت قبل ذلك شركة "أسيلسان" للصناعات الدفاعية التركية عزمها فتح مكتب لها في أوكرانيا وباكستان.

وخلال الزيارة، وقع وزير الدفاع الأوكراني مع وزير الخزانة والمالية التركي اتفاقا حكوميا مشتركا حول "التعاون العسكري المالي" بين البلدين، ودار حديث عريض حول التعاون في مجال صناعة واستيراد طائرات "أنتونوف 178" العسكرية، و"تحقيق الأمن في منطقة البحر الأسود"، التي تنامى فيها نفوذ روسيا بعد ضم القرم.

هذا بالإضافة إلى اقتراح تركي بتزويد أوكرانيا بغاز بحر قزوين عبر تركيا وبلغاريا، بما يعزز استقلال سوق الطاقة الأوكرانية، الذي كان ولا يزال أبرز أوراق الضغط الروسي على كييف.

طعنة في الظهر

وهكذا، اعتبر الكاتب الروسي فلاديسلاف هيرمان أن زيارة أردوغان الأخيرة كانت "طعنة في الظهر"، مشيرا في هذا السياق أيضا إلى تحيته حرس الشرف الأوكراني بعبارة "المجد لأوكرانيا"، التي باتت تثير غضب الروس بعد 2014.

ربط الكاتب مباشرة بين الزيارة والتوترات مع روسيا في سوريا وليبيا معا، معتبرا أن أردوغان سعى في أوكرانيا إلى خلق توازنات تعزز موقفه في مواجهة روسيا.

لكن الخبير الأوكراني أوليكساندر بوهومولوف - رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في كييف، يعتبر أن "التوجه التركي أكثر اندفاعا وجرأة، لأنه بلغ (أو يجب أن يبلغ كما يقول) حد تشكيل حلف عسكري بحري، يجاري الهيمنة الروسية على منطقة شمال البحر الأسود بعد ضم القرم، ويضمن حرية وأمن مصالح البلدين في المياه الإقليمية، وفي هذا رسالة إلى روسيا أيضا".

ويشير في هذا الإطار إلى مخاوف تركية أوكرانية من تعاظم النفوذ العسكري الروسي على الحدود الشرقية الجنوبية لأوكرانيا، والشمالية الجنوبية لتركيا.

حرب إدلب

وفيما يتعلق بالحرب في إدلب، يرى بوهومولوف أن أوكرانيا لم تعد في معزل عنها، وإن أرادت ذلك، لأنها تعتبر روسيا دولة معتدية بحكم الدستور، ولأن تعاونها مع تركيا لا يفسر إلا في هذا الإطار.

ويستشهد الخبير على هذا بالتصعيد الأخير في شرق أوكرانيا، مشيرا إلى أنه جاء دون مبررات، ولكن بالتزامن مع التصعيد في إدلب، مضيفا: "الآن اتفق بوتين وأردوغان مجددا حول إدلب، وستتراجع حدة التوتر في أوكرانيا".

رسائل التصعيد في شرق أوكرانيا موجهة إلى الداخل الأوكراني وتركيا والغرب على حد سواء، ومفادها أن "دعمكم لتركيا في سوريا سيقابل بتصعيد -وربما حرب- في خاصرتكم الإقليمية"، بحسب خبراء.

تعاون حذر

وهنا، تخرج أصوات أوكرانيا تطالب بالحذر، وتعتبر أن وزن تركيا وأوكرانيا ليس قابلا للمقارنة في مواجهة روسيا، وإن اشتركتا العداء العلني أو الخفي لها.

يقول إيليا كوسا الباحث الأوكراني في مركز "المستقبل" للدراسات: "ننظر إلى الظروف. تخصص تركيا الأموال لدعم أوكرانيا، لا من أجل مواجهة روسيا، بل لدفع عملية الإنتاج المشترك في المجمع الصناعي العسكري، وهو ما نحتاجه".

وتابع: "تصريحات صدرت حول بعض "الاتفاقيات المجهولة"، المتعلقة بالتعاون في البحر الأسود، وهي أولوية في سياستنا الخارجية، حيث أن تركيا هي شريكنا الطبيعي هنا، ويجب القول إنه من الواضح أنه بدون أي تقدم فيما يتعلق ببناء أسطول عسكري قوي، لا يمكننا أن ندعي التعاون على نطاق واسع مع تركيا لحماية حركة الشحن في البحر الأسود؛ لأنه إذا استولت روسيا على المنطقة كليا، فستكون النتيجة مؤلمة وسيئة".

يعتبر كوسا أن أوكرانيا أضعف مع أن تدخل مع تركيا في حلف عسكري يجاري روسيا، وأن التعاون العسكري الاقتصادي أنفع لها في المستقبل القريب.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

الجزيرة

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022