ما كان تدهور العلاقات بين أنقرة وموسكو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا مسألة وقت نظرا لتضارب مصالحهما العميق.
هذا ما لم يتردد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إبدائه علانية، حتى من خلال زيارته إلى كييف وتحيته لحرس الشرف بعبارة "المجد لأوكرانيا!"، وهي أكثر من رسالة رمزية لموسكو. حرارة المواجهة في العلاقات التركية الروسية ارتفعت خلال الشهر الأخير بشكل كبير، وفورا في عدة اتجاهات، في الشمال الغربي من سوريا، وفي ليبيا.
كانت نقطة التحول الرسمية في نهاية يناير، بعد شن القوات الروسية غارات جوية على أهداف مدنية في إدلب، و هي آخر معاقل المعارضة المعتدلة المدعومة من قبل أنقرة، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 30 مدنيا.
في 3 فبراير، أعلنت وزارة الدفاع التركية أن مدفعية قوات بشار الأسد استهدفت القوات التركية في مناطق تمركزها، ما أدى إلى مقتل أربعة جنود أتراك و جرح تسعة، رغم تأكيد الوزارة أنها أعلمت الأطراف بإحداثيات مواقعها لتجنب الاشتباك.
ردت القوات التركية جوا وبرا على الفور، وقصفت 46 هدفا لقوات الأسد. أعلن أردوغان للصحفيين، قبيل توجهه إلى كييف للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن القصف التركي قتل ما بين 30 و35 جنديا سوريا.
و قال: "تركيا لا تنوي إنهاء العملية في إدلب. أولئك الذين يختبرون صبر تركيا من خلال الاستفزازات الدنيئة في إدلب يدركون خطأ ما يفعلون".
هدد أردوغان مطالبا موسكو بالتوقف عن دعم الديكتاتور السوري؛ ومؤكدا على أنه لا يمزح، ثم دفع بمئتي دبابة إلى منطقة ريحانلي (ولاية هاتاي في تركيا) على الحدود مع إدلب. وقد أكدت دمشق أن الدبابات عبرت الحدود متجهة نحو قوات الأسد.
يبدو أن أردوغان بعد الذي حدث غاضب بعض الشيء، وقد وجه الزعيم التركي بالفعل إنذارا إلى بوتين، وهو يقصد بالدرجة الأولى القوات الروسية والمرتزقة المنتشرة في سوريا؛ خصوصا وأن الرئيس التركي يكن "حبا" خاصا للأخيرة. مدركا خطورة تدخل المرتزقة الروسية، إذ راح أردوغان يفضحها بحماس، بما في ذلك في ليبيا، حيث يقاتل مرتزقة الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" إلى جانب قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر.
أكد الرئيس التركي في ديسمبر عزمه إرسال قوات لمؤازرة حليفه السراج منافس حفتر، ما أقلق موسكو إلى حد كبير.
يبدو أن فولوديمير بوتين وقع في الفخ التركي، الذي وضعه أردوغان بعناية كعنصر من عناصر مخطط ارتقاء بلاده إلى رتبة لاعب إقليمي رئيسي ضمن الحدود المرسومة (غير الرسمية بالطبع) للإمبراطورية العثمانية، التي يعمل الزعيم التركي على إحياءها منذ سنوات عديدة، تارة من خلال الاستثمارات والعقود المربحة، وطورا من خلال الاتفاقات الدولية المريبة، وفي حين آخر، بواسطة القوة العسكرية.
على ما يبدو، لعبت أنقرة في سوريا سلسلة أخرى من الحركات الهادفة إلى إبعاد الروس والإيرانيين. شنت تركيا في أكتوبر من العام الماضي عمليتها العسكرية الثالثة في سوريا، التي أطلقت عليها إسم "ربيع السلام".
لم ترغب الولايات المتحدة في التدخل، رغم استهداف قوات الدفاع الذاتي الكردية الحليفة لها. فلقد وافق دونالد ترامب في الواقع على إجرائها، مؤكدا أنه لن يعيق تحرك الجيش التركي، بل وسحب الجزء الأكبر من القوات الأمريكية.
هرع الروس لملئ الفجوة المتشكلة، وأنقرة لم تمانع. وها هم الأتراك الذين سيروا دوريات مشتركة مع الأمريكيين في منبج راحوا يسيرونها مع الروس.
ظنت موسكو بسذاجة أن الطريق نحو آبار النفط السورية صارت مفتوحة أمامها، والتي أعطى البرلمان السوري بعض حقولها لشركتين على علاقة بـ "طباخ" بوتين يفغيني بريغوجني، الذي يعد راعيا لكل من "فاغنر" و "صيادو أولغا".
ولكن، لسوء حظهم، لم يرحل جميع الأمريكيين، إذ بقي بعضهم لحماية حقول النفط في شمال شرق سوريا. هؤلاء العناصر تحديدا منعوا العسكريين الروس من الوصول إليها (يبدو أنهم من عناصر "فاغنر")، و أجبروهم على التراجع فارغي الوفاض.
حدث كل هذا بالتوازي مع قصف إدلب، ما أدى إلى نمو التصعيد في العلاقات بين روسيا و تركيا، الذي تبلور في غارات سلاح الجو التركي.
يجب على بوتين الآن الرد بطريقة أو بأخرى. ولكن مهما كان رده، أضحى الكرملين في وضع غير مريح. فإذا خرج الروس من الصراع مع الأتراك تاركين إدلب والأسد و مصالحهم، سيكون ذلك خسارة كبيرة لمكانتهم، وإضعافا عظيما لشأنهم في سوريا.
أما إذا أعطت موسكو الضوء الأخضر للتصعيد، فليس من المستبعد حدوث اشتباكات على الأقل بين عناصر "فاغنر" والقوات التركية، بما في ذلك في ليبيا.
الخيار الثالث يدور حول محاولة للاتفاق، ولكن حتى هذا سيسيء لسمعة الكرملين، حيث سيتعيّن عليه تقديم شيء بالمقابل لأنقرة.
في مختلف الأحوال، شهدنا كيف تلقى بوتين طعنة في الظهر....
المقال يُعبر عن رأي الكاتب ولا يعتبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس"
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - الإعلام المحلي
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022