مع الشاعر عمر أبو ريشة في القرم جنوب أوكرانيا

2012.06.29

كتبها: د. أمين القاسم - القرم

انطلقت بي الحافلة الكهربائية (الترولّيبوس) من مدينة سيمفروبل عاصمة جمهورية القرم إلى مدينة ألوشتا على ساحل البحر الأسود؛ فتحت كتابي قارئا لكتاب "تاريخ دولتي المرابطين والموحدين" للدكتور علي الصلابي، سابحا بخيالي متأملا كيف أن صفاء العقيدة الإسلامية رفعت همة هؤلاء المسلمين سكان الصحراء وألهبت مشاعرهم، ونورت عقولهم ليحملوا الدين الإسلامي الحنيف إلى أعماق أفريقيا السوداء، وليحموا مسلمي الأندلس قرونا من الاضطهاد الصليبي الحاقد...

إن نفسا ترتضي الإسـلام دينا *** ثـم ترضى بعـده أن تستكينا

أو تـرى الإسلام في أرض مهينا *** ثم تهوى العيشَ نفس لـن تكونا

في عداد المسلمين العظماء

تجلس إلى جانبي فتاة سمراء نحيفة متصيّدة النظرات نحو كتابي، ثم تسألي بعد أن رأت ملامحي الشرقية:

- عفوا أيها الشاب، أأجنبي أنت؟.

- نعم!.

- تتحدث الروسية؟.

- لا بأس، وأنت من أين؟.

- أنا قرمية تترية، أدرس التاريخ في جامعة القرم الوطنية - قسم التاريخ.

وانطلقت مسترسلة: أنا أجدادي الذين نشروا العلم والحضارة في هذه الأرض، وفي أجزاء من أوكرانيا وروسيا لمدة تزيد على الأربع قرون، وكانت إمارة موسكو تدفع الجزية السنوية للقرم، وأجدادي الذين صدوا الهجوم الليتواني البولندي على الأراضي الأوكرانية، بنوا الحصون والقصور والمزارع والمكتبات والحمامات، ومنهم خرج العلماء والفقهاء والقضاة الذين تبؤوا مناصب في اسطنبول ومكة والقدس.

رن هاتفها المحمول، لأعود لكتابي متفكرا في كلامها ونزعتها القومية المندفعة، مستذكرا قصيدة الشاعر الكبير عمر أبو ريشة (1910 - 1990)، التي كتبها أثناء رحلته بالطائرة إلى تشيلي، إذ جلست بجانبه حسناء أسبانية، تحدثه عن أمجاد أجدادها القدامى العرب، دون أن تعرف جنسية من تحدث، فجاشت عواطف شاعرنا ليقول بعدها:

وثبتْ تَستقربُ النجم مجالا *** وتهادتْ تسحبُ الذيلَ اختيالا

وحِيالي غادةٌ تلعب في *** شعرها المائجِ غُنجًا ودلالا

طلعةٌ ريّا وشيءٌ باهرٌ *** أجمالٌ ؟ جَلَّ أن يسمى جمالا

فتبسمتُ لها فابتسمتْ *** وأجالتْ فيَّ ألحاظًا كُسالى

وتجاذبنا الأحاديث فما *** انخفضت حِسًا ولا سَفَّتْ خيالا

كلُّ حرفٍ زلّ عن مَرْشَفِها *** نثر الطِّيبَ يميناً وشمالا

قلتُ يا حسناءُ مَن أنتِ ومِن *** أيّ دوحٍ أفرع الغصن وطالا ؟

فَرَنت شامخةً أحسبها *** فوق أنساب البرايا تتعالى

وأجابتْ : أنا من أندلسٍ *** جنةِ الدنيا سهولاً وجبالا

وجدودي، ألمح الدهرُ على *** ذكرهم يطوي جناحيه جلالا

بوركتْ صحراؤهم كم زخرتْ *** بالمروءات رِياحاً ورمالا

حملوا الشرقَ سناءً وسنى *** وتخطوا ملعب الغرب نِضالا