فيادوسيا مدينة تاريخية تقع في جنوب شرق إقليم شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا على البحر الأسود، وتعود بداية تاريخها لنحو 2500 عاما مضت وفق باحثين ومؤرخين.
وكانت تسمى بين القرنين 13 و15 بمدينة "كفا"، وميناؤها كان واحدا من أهم المراكز التجارية، ليس في القرم وحوض البحر الأسود بل في العالم، لأنه كان يربط شرق آسيا والهند بغرب أوروبا.
ولفت د. أمين القاسم الباحث في تاريخ القرم إلى أن الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة زارها في العام 1377م ووصفها بقوله: "ووصلنا إلى مدينة الكفا، وهي مدينة عظيمة مستطيلة على ضفة البحر. وطفنا بالمدينة فرأيناها حسنة الأسواق، ونزلنا إلى مرساها فرأينا مرسى عجيبا به نحو مائتي مركب ما بين حربي وسفري صغير وكبير، وهو من مراسي الدنيا الشهيرة".
وأشار إلى أن نحو 80 ألف مسلم كانوا يقطنون المدينة، مشكلين فيها الأغلبية، بينما يسكنها اليوم 70 ألف نسمة معظمهم روس وأوكرانيون، ونسبة المسلمين فيهم لا تتجاوز 5 %.
مسجد يتيم
ويعد مسجد مدينة فيادوسيا واحد من أبرز المعالم الأثرية الوطنية للمدينة، وهو بالنسبة للتتار المسلمين في القرم (وأعدادهم تقدر بنحو 500 ألف نسمة) رمز للهوية وأصالة الوجود الإسلامي في الإقليم الذي كان ولاية تتبع لدول الخلافة العثمانية في أجزائها الشمالية.
ويصفه بعضهم "بالمسجد اليتيم" لأنه المسجد الأثري الوحيد المتبقي في المدينة، بعد أن كان فيها نحو 70 مسجدا، و28 كنيسة، وكنيسين يهوديين، وفق باحثين ومؤرخين أيضا.
وتحدث د. أمين القاسم عن المسجد فقال: كان أكبر مسجد في القرم. بدأ بناؤه في العام 1623م وانتهي العمل به في العام 1638م، وهو مبني على الطراز المعماري العثماني، فكان يشبه مساجد مدينة إسطنبول التركية، وكان يسمى "مسجد المفتي".
ووصف القاسم بناء المسجد آنذاك فقال: كان مستطيل الشكل، مبني من الحجر الأبيض والأحمر، وفيه منارة واحدة تقع في جهته الغربية، وهو الأثر الإسلامي الوحيد تقريبا الذي بقي من مساجد مدينة فيادوسيا.
وأشار القاسم إلى أن أوليا شلبي رحالة تركي شهير زار المدينة في العام 1665م، ووصف جمال المسجد وأبوابه وسجل الكتابات التي حفرت على جدرانه باللغة العربية.
طمس معالم
وقد تعرض المسجد خلال القرنين الماضيين لمحاولات عدة لطمس معالمه الإسلامية وتغيير هويته من قبل القيصرية الروسية ثم الاتحاد السوفيتي الشيوعي، الأمر الذي يدفع التتار المسلمين لاعتباره شريكا لهم في مآسي طمس الهوية والتهجير التي تعرضوا لها خلال القرنين الماضيين.
يقول القاسم: تم هدم أجزاء واسعة من مبنى المسجد على مراحل، كان آخرها في العام 1834م، ثم شوهت الكثير من نقوشه الإسلامية وحول إلى كنيسة للأرثوذكس في العام 1872م تحت اسم كنيسة القديس أوليكساندر نيفسكوفا، وهي الكنيسة التي هدمت في ثلاثينيات القرن العشرين لتحول إلى كنيسة للأرمن الكاثوليك.
وفيما يشبه الاعتراف بإسلامية المبنى، قررت السلطات السوفيتية في العام 1975م ترميمه، فأعيدت إليه بعض معالم العمارة الإسلامية التي طمست فيه، وأزيلت منه بعض إضافات الكنيسة.
لكنه بقي متحفا أثريا لا يسمح للمسلمين بممارسة تعاليمهم فيه حتى العام 1998م، بعد 7 أعوام من انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال أوكرانيا، فعاد ليسمى مسجدا، وأصبحت تقام فيه صلاة الجمعة، ثم سمح بالصلوات الخمس اليومية فيه، وهو حاليا يتبع للإدارة الدينية لمسلمي القرم.
ويقول الحاج أمير علي أبلاييف مفتي الإدارة: "المسجد شاهد على حقبة تضمنت مختلف ألوان الطمس والاضطهاد، وشريك للتتار في مآس تخللتها، ولا تزال آثارها باقية. وهو لا يزال معلما يزوره التتار، ويشجعهم على التمسك بدينهم وهويتهم مهما عظمت المحن وطال أمدها".
أوكرانيا برس + الجزيرة نت
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022