كتبها: د. أمين القاسم - القرم
تقع مدينة يفباتوريا على ساحل البحر الأسود جنوب اوكرانيا وغرب شبه جزيرة القرم، أسست قبل الميلاد، وحكمها المسلمون لأكثر من ثلاث قرون وسموها " كِزلِف" أو "كوزلوف"، نسبة المسلمون في المدينة 12%، بقي فيها اليوم الكثير من المعالم الإسلامية كالحمام التركي والتكية الدرويشية وجمعة جامي وهو أشهرها.
وقد ذكر الرحالة الروسي فيليب فيودر الذي زار يفباتوريا عام 1855م أنه " في المدينة كنيستان (أرمنية ويونانية)، ومعبدان يهوديان، وتسعة عشر مسجدا منها جامع الخان الضخم".
المسجد الجامع أو جامع الجمعة أو مسجد الخان يقع في قلب مدينة يفباتوريا، ليس ببعيد عن شاطئ البحر، ويعتبر أهم الآثار المعمارية الإسلامية الباقية من عصر النهضة في القرم، وهو أضخم مساجد القرم مساحته 518م2بناه المعماري الحاج سنان باشا (1489-1599) على غرار مسجد أيا صوفيا في اسطنبول بدأ بناءه عام 1552 أيام الحاكم القرمي الخان دولت كراي حكم بين (1550-1557)، وأنهاه أيام الخان القرمي محمد كراي عام 1564م.
وقد وصف المسجد الرحالة التركي الشهير أوليا جلبي (1050-1616م)- والذي زار مدينة كزلف عامي 1666-1667م- وصف جمال المسجد وضخامته وقبابه ومقايسه وبين أن إحدى المنارتين مهدمة دون ذكر السبب... ولكن المؤرخون يرجحون تعرض المدينة لعواصف ورياح عاتية أدت إلى سقوط المنارة.
وقد كانت مكتبة المسجد تحوي عدد من الوثائق والفرمانات التي كان يمنحها السلطان العثماني لخانات القرم لإقرارهم كحكام لإقليم القرم وماجاوره، وكانت هذه الوثائق تقرأ على الناس في المسجد ثم تحفظ في مكتبته، وأشار الرحالة الروسي أنطولي ديميدوف خلال رحلته إلى القرم عام 1837م إلى وجود هذه الفرمانات في المسجد، والتي تخص ثماني عشر خانا قرميا.
وصف المسجد
عمارة المسجد على الطراز العثماني وهو مبني من الحجارة البيضاء، وسقفه يزينه 11 قبة كانت قديما مطلية بالرصاص والآن بالحديد والزنك وفي سطها قبة كبيرة يحملها أربع أعمدة كبيرة تقسم المسجد إلى ثلاث اقسام: مركزي بعرض 11.5م، واثنان جانبيان بعرض 4.65 م.
وللمسجد طابق علوي للنساء له أروقة تشرف على الطابق السفلي.
كما وللمسجد منارتان رشيقتان احداهما وقعت قبل عام 1665م، والأخرى في عام 1836م، وفي عام 1985م أعيد بناء المنارتين بطول 35م .
كما أن المسجد محاط بالنوافذ المقنطرة الجميلة والمحمية بشباك حديدية مزخرفة مجمل عددها 56 نافذ، ففي الجهة الجنوبية يوجد ستة نوافذ موزعة على ثلاث صفوف من النوافذ وفي الجهة الشمالية ثمان نوافذ.
أما المحراب الحجري المرتفع ذو المشكاة المثلثة والمزينة بالمقرصنات فيقع في وسط الجهة الجنوبية فهو بارتفاع 4.5 م مخطوط عليه تاريخ 979 هـ أي 1570 أو1571م، وحجارته مزخرفة بشكل جميل على طريقة التركية.
وفي صحن المسجد توجد نافورة ماء جميلة من الحجارة البيضاء كان يستخدمها المصلون للوضوء.
وفي ساحته أيضا قبور ثلاث قواد مصريين (الفريق المصري سليم فتحي باشا وأمير ألاي علي بك ورستم بك ) وهم من أبطال الضباط المصريين الذين خاضوا حرب القرم إلى جانب الجيش العثماني 1853-1855م.
وكان المسجد يحوي في خزاناته حتى عام 1927م مصحف مخطوط خط بتاريخ 1414م، أي قبل بناء المسجد ب 138 سنة، ولكن المصحف فقد ليظهر لاحقا في أحد متاحف مدينة سان بطرسبورغ.
وذكر رحالة القرن الثامن والتاسع عشر الذين زاروا القرم أن المنطقة المحيطة بالمسجد كانت تضم سوق على النمط الشرقي فيه الصائغ والحلاق و الخباز والقصاب وغيره. وأيضا حمام مبني بطريقة هندسية جميلة كان يستخدمه المصلون والعامة من الناس.
وقد زار المسجد القيصر الروسي نقولاي الثاني (1868-1918م) عام 1916م.
وحسب الوثائق التي تعود إلى عام 1917م كان المسجد يملك من الأوقاف الكثير من الأراضي في منطقة يفباتوريا.
وقد خضع المسجد لعدة ترميمات بين عامي 1757-1764م على يد الخان أرسلان كراي ثم في القرن التاسع عشر وعامي 2001-2002م.
أهمل المسجد من قبل السلطات الشيوعية بين عامي 1944-1962م، وحول عام 1985م إلى متحفا تحت اسم "متحف تاريخ الأديان والإلحاد".
وقد استعاد المسلمون المسجد عام 1991م.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022