بقلم: محمد صفوان جولاق - رئيس التحرير
لا أستطيع أن أتخيل حجم ما يعانيه المواطن الفلسطيني ضرار أبو سيسي في سجون الاحتلال الإسرائيلي الآن، فهو بذلك يشارك الآلاف من الفلسطينيين معاناة الحرمان من الوطن والأهل والحرية في تلك السجون، وليس من عاش كمن سمع، ولعل الكلمات لن تعبر عن حجم تلك المعاناة المستمرة منذ عقود مهما حاولت.
لكني أستطيع أن أتخيل تلك المشاعر التي عاشها ضرار أبو سيسي في آخر أيام حريته قبل عام، عندما قدم إلى أوكرانيا التي عاش ودرس فيها عدة سنوات، وتزوج منها ليرتبط بها في حياته كلها.
ربما كانت السعادة تغمر قلبه وقلب زوجته بعد غياب دام نحو 15 عاما عن الأقرباء والذكريات في أوكرانيا. غياب في الوطن الأول فلسطين، وتحديدا في غزة، التي ذاقت ولا تزال طعم ظلم الاحتلال وقسوته.
ربما كان ضرار سعيدا بأنه سيخرج بنفسه وزوجته وأطفاله – وإن كان ذلك مؤقتا – من جحيم الحرب والضغط على النفوس في غزة، إلى أوكرانيا الأمن والأمان والسلم والاطمئنان.
ولعل أكثر ما كان يشغله هو المرور على جميع الأماكن التي تركت بصمات في ذاكرته كطالب في مدينة خاركيف التي درس فيها، ولقاء من بقي من أساتذته وزملائه وأصدقائه في الجامعة وخارجها.
لكن القدر شاء أن يبدد السعادة ويقتل الأحلام والأماني، ويحولها إلى حزن وشقاء عرفه أبو سيسي في معظم حياته كفلسطيني في ظل الاحتلال.
ربما لم يخطر بباله أن يد الغدر والظلم الإسرائيلي ستمتد إليه على بعد آلاف الكيلومترات من فلسطين، في موطنه الثاني وموطن زوجته الأول، في أوكرانيا المستقلة المستقرة.
قبل عام من الآن، امتدت اليد الإسرائيلية إلى أبو سيسي لتختطفه من أوكرانيا فجأة في قطار كان يستقله ليلا من خاركيف إلى العاصمة كييف، وكأن لسان حالها يقول إن أهدافي حل لي أينما كانوا وحيثما حلوا أو ارتحلوا.
قبل عام من الآن، انتهكت إسرائيل حرمة السيادة الأوكرانية على أرضها لأول مرة ربما، وانتهكت كما تفعل يوميا حرمة الحق الفلسطيني بالأمل في مستقبل أفضل، وكذلك حقوق الإنسان بالحرية والأمن والأمان.
اختطفت إسرائيل أبو سيسي لتحقق معه حول إعادة الحياة إلى محطة كهرباء قطاع غزة التي كان يديرها بعد أن دمرتها آلة الحرب الإسرائيلي في العام 2006.
واتهمته كعادتها بالانتماء إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تعتبرها حركة "إرهابية" رغم أنها انتخبت قبل سنوات بالأغلبية من قبل شعب "يحب السلام" باعتراف بعض قادتها.
يا لسخرية ما حدث وما يحدث، ويا لهذا العار الذي لحق بأوكرانيا لأول مرة، وبالإنسانية مرة أخرى...
التزمت أوكرانيا ولا تزال الصمت على قضية الاختطاف دون أي تحرك أو تحر يذكر، رغم أن الاختطاف حدث على أراضيها، والتزم العالم ولا يزال أيضا الصمت إزاء جريمة إسرائيلية جديدة بحق الفلسطينيين، سواء على أرضهم أو خارجها.
الهيبة والسيادة والقوانين والحقوق الأوكرانية والدولية جميعها تقف عاجزة أمام العنجهية والغطرسة الإسرائيلية دونما حراك أو حتى تعليق مقنع، فالحرمة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني سلعة رخيصة كاسدة لا تثير اهتمام وقلق الكثيرين في العالم الحر الديمقراطي المزعوم، على ما يبدو.
عام مضى وزوجة وأطفال أبو سيسي الأربعة ينتظرون عودته، ويحلمون بأن يدخل عليهم من الباب يوميا مجددا، كأي أب، في أي أسرة، في أي مجتمع طبيعي آمن.
عام مضى خسر فيه ضرار حتى الآن أكثر من 30 كيلوغراما من وزنه، وتفاقم سوء حالته الصحية بسبب أمراضه المختلفة التي يعاني منها، بحسب أقاربه ووسائل الإعلام.
عام مضى ولا يزال قابعا في زنزانة منفردة لا يستطيع في حجمها الصغير الوقوف أو التمتع براحة الجلوس أو الاستلقاء، يتعرض فيها وخارجها لمختلف أنواع التعذيب دون أن يقدم للمحاكمة بتهم واضحة صريحة.
ليست قضية اختطاف ضرار أبو سيسي من أوكرانيا قضية شخصية تتعلق به فقط وانتهت عنده، بل هي قضية تخص كل فلسطيني، سواء أكان منتسبا لحركة أو مستقلا، فإن لم تتهمه إسرائيل بالإرهاب والمعاداة، اختطفته أو استهدفته لأنه يحب وطنه ويعمل لصالحه وصالح شعبه، في فلسطين أو غيرها.
وما أبو سيسي إلا مثال على ذلك الفلسطيني، لأنه ساهم بإعادة الحياة إلى محطة كهرباء القطاع، ولعل هذا هو السبب الرئيس الذي خطف ويعذب لأجله، في ظل غياب أي تهم أخرى.
لكن فلسطين ليست قضية الفلسطينيين فقط، ومصلحتها ليس محط اهتمامهم فقط أيضا، فلسطين هي التاريخ والحاضر والمستقبل لكل عربي ومسلم وحر في هذا العالم، هي قضية عربية إسلامية إنسانية، وأنى ليد الغدر والظلم أن تطال كل من يحب فلسطين قولا وفعلا...
أوكرانيا برس
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022
التعليقات:
(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")