بقلم: محمد صفوان جولاق - رئيس التحرير
يجلس رفعت مسليموف (85 عاما) بين أبنائه وأحفاده محدثا إياهم عن مأساة التهجير الذي تعرض له تتار إقليم شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا أواسط القرن الماضي، وعن سعادتهم بالعودة إلى الوطن مع نهايته، حاله كحال العجائز الفلسطينيين الذي يروون للأبناء والأحفاد حكايات النكبة وآمال العودة.
وتصر فاطمة عبد اللايوفا (80 عاما) على سكن منزلها المتآكلة جدرانه، فهي تعتبره جزءا من حياتها، وسعادتها ببقائه واقفا بعد عودتها من المهجر لا تعادلها سعادة، وهي بذلك أيضا كغيرها من أمهات فلسطين، اللواتي تشبثن يدا بالشجرة والحجر، وقلبا بالوطن.
تاريخ متطابق
آلاف الكيلومترات تفصل بين القرم وفلسطين، لكن تاريخا متطابقا في كثير من التفاصيل يجمع بينهما، ويؤكد التتار أن المستقبل سيكون متطابقا أيضا.
هجر التتار من قبل النظام السوفييتي في 18 أيار/مايو 1944 بدعوى الخيانة في الحرب العالمية الثانية إلى دول آسيا الوسطى وشمال روسيا في ظروف سيئة قضت على مئات الآلاف منهم، وصودرت أراضيهم وبيوتهم لتوزع على طبقة الكادحين من عرق "السلاف" الروس آنذاك.
وبالمقابل بدأت النكبة في 15 أيار/مايو 1948 ليقتل الفلسطينيون على أراضيهم ثم يصبحوا شتاتا، ولتوزع أراضي الكثيرين منهم على المهاجرين إلى فلسطين من يهود العالم.
واللافت أن مساحة الإقليم وطبيعته الجميلة تشبه إلى حد كبير مساحة فلسطين وجمالها، كما أن الإقليم كاد أن يكون (نظريا) مكان تأسيس "إسرائيل" بدلا عن فلسطين، بعد أن اجتمع فيه قادة العالم (روزفلت وتشرتشل وستالين) في مؤتمر مدينة "يالتا" 1945 لإقرار تقسيم العالم.
فعندها اتفقوا (نهائيا) على فلسطين كوجهة لليهود، بعد إلغاء خيارات (شكلية على ما يبدو) كانت موجودة، كالقرم أو جزء من كندا أو أوغندا، والمعروف طبعا أن فلسطين اختيرت وجهة لليهود قبل ذلك بعشرات السنين (وعد بلفور وما سبقه من تحركات وأحداث).
إصرار
وقد امتلأت سنون مأساة التتار ونكبة الفلسطينيين بمظاهر متطابقة من حب الوطن والإصرار على التمسك بالعودة إليه.
يقول مسليموف إن التتار حكوا للأبناء والأحفاد قصصا وذكريات من القرم، لغرس حبه في قلوبهم والتطلع للعودة إليه، فلم يكونوا أقل تطلعا للعودة من الآباء والجدود.
وقال إنه لم يكن يخل بيت للتتار في المهجر من صور جبال القرم ومساجده التي هدم معظمها، وخاصة مسجد مدينة "بخش سراي" (قصر الحدائق)، كما لا يخل بيت فلسطيني من صور لمسجد الأقصى وقبة الصخرة.
وتحتفظ عبد اللايفا بوثاق ملكية بيتها قبل التهجير، وبمفتاحه القديم معلقا كرموز، فالوثائق لم تعد تصلح وقفل البيت قد بدل، لكنها ترى فيهما دليلا على مرحلة مأساة انتهت بعودتها، تعرضها وتقص حكاياتها على كل من يزورها.
وتقول إن بيتها تحول بجدرانه وما تبقى فيه إلى متحف يشهد على جانب من مأساة التهجير، وجوانب من الإصرار على العودة.
سيعود الفلسطينيون
وفي حين لا تزال عودة الفلسطينيين مرتبطة بالأمل، بدأ التتار مشوار عودتهم إلى الوطن مع استقلال أوكرانيا في 1991، ويؤكد بعضهم أن التاريخ سيعيد نفسه بعودة الفلسطينيين مع إصرارهم، ولو بعد حين.
يقول مسليموف إن إخواننا الفسطينيين سيعودون كما عدنا، فنحن اشتركنا معهم بالحزن وعدالة القضية والإصرار، حتى قدر لنا الله العودة وكنا أضعف من أن نتخيلها، وهم سينالونها رغم كل ما يعترضها.
وعما بعدها يقول ناصحا إن على الفلسطينيين أن يفكروا من الآن بما بعد عودتهم، لأنه سيعودون حتما، وعليهم تأسيس حياتهم من الصفر كما فعلنا ولا نزال، من بناء بيوت ومدارس ومساجد وغيرها.
وبابتسامة تعكس بساطتها تقول عبد اللايفا إنها ستزور الفلسطينيات بعد عودتهن، لتعلمهن وتتعلم منهن فنون طبخ المأكولات الشعبية التترية والفلسطينية، وتتحدث وإياهن عن سنين البعد ومرارتها.
أوكرانيا برس
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022
التعليقات:
(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")