محمد صفوان جولاق – رئيس التحرير
في ساحة الاستقلال بالعاصمة كييف تلاحظ شبها كبيرا بين الاحتجاجات التي تشهدها وما شهدته وتشهده ثورات دول "الربيع العربي"، تشعرك أن روح الاحتجاج ولسان المطالب قاسم مشترك بين الشعوب على اختلافها واختلاف آمالها.
فمع أيام الاحتجاج الأولى في أوكرانيا، أعلنت المغنية الأوكرانية روسلانا، وهي صاحبة أفضل أغنية أوروبية عام 2004، أنها ستحرق نفسها إن لم توقع الحكومة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي، ما يذكر بالتونسي بوعزيزي مشعل فتيل ثورات الربيع العربي.
وللمطالبة برحيل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، يهتف المحتجون الأوكرانيون بكلمة "هيت"، التي تعني "ارحل"، وهي كلمة اشتهرت بين الثوار العرب، وفسروها بالعامية ليفهمها الحكام، لكنهم لم يستجيبوا كما لم يستجب يانوكوفيتش.
وكوسيلة طريفة تعتبر عن العزم والإصرار، يجثي العشرات من المحتجين، ثم ينهضون ويكررون القفز في أماكنهم فجأة، ما يذكر بوسائل السوريين في التظاهر والتعبير، وخاصة في مدينة حمص.
ولا تغيب الطرائف والنكات عن المشهد في أوكرانيا أيضا، ففي الساحة مكان خصص لاستعراض الصور الكاريكاتورية الساخرة والغاضبة من النظام، ومجسمات تسخر من يانوكوفيتش، بالإضافة إلى طرائف ونكات يحملها بعض المحتجين، تماما كما فعل المصريون في ثورة 25 يناير.
وللدين ورجالاته أدوار أيضا في احتجاجات أوكرانيا، فهم بين المحتجين ومن أبرز المتحدثين لإثارة الحماسة والحث على الثبات، كما أن الكنيسة أصبحت ملجأ للمحتجين بعد أن فضت قوات مكافحة الشغب الساحة في 30 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
لكن المصور الأمريكي دالتون بينيت يشير ساخرا إلى فرق لا يدركه الأوكرانيون، ويعرفه هو بعد أن عمل في ليبيا ومصر وسوريا مؤخرا، يكمن في أن دقائق فقط من التجمع كافية لتتحرك الدبابات والطائرات في بعض البلدان السابقة، وليعتقل المشايخ، ولتدك البيوت والمساجد التي يلجؤون إليها.
حراك الشباب
أدوار الآباء وكبار السن تتراجع لتقتصر غالبا على الدعم فقط، فالطلاب والشباب هم أساس الحراك هنا في أوكرانيا أيضا، ولولاهم لما استمر الاحتجاج ربما، في ظل ضعف القاعدة الشعبية النسبي لأحزاب المعارضة.
الطلاب والشباب يشكلون لجانا وينصبون خياما لخدمة المحتجين، كإطعامهم وتدفئتهم وعلاجهم، إضافة إلى جمع التبرعات وتسجيل أسماء المتطوعين، كما أن لهم مركزا إعلاميا خاصا بهم ومتحدثين باسم "ثورة اليورو ميدان"، كما يصفون حراكهم.
فياتشيسلاف واحد من هؤلاء الطلاب، وهو أيضا راهب في إحدى الكنائس الكاثوليكية، قدم من مدينة لفيف غرب البلاد منذ أيام الاحتجاج الأولى، يقول إن المشترك بين الأوكرانيين والعرب هو الشعور بالظلم بحق الآمال والنفس، ما دفعهم للخروج حبا في وطنهم، ورغبة في حياة أفضل.
أما ماريا فمحامية مبتدئة، قالت إن عملها في الميدان هو توثيق الانتهاكات التي تحدث بحق المحتجين، وإطلاع وسائل الإعلام عليها، كما تساعد في تحضير وتوزيع وجبات الطعام والمشروبات الساخنة.
وعلى أحد الشوارع المؤدية إلى الميدان، يقف سيرهي ملثما على أحد الحواجز الضخمة التي نصبها المحتجون لمنع قوات الشرطة من الدخول وفض الاحتجاج، فهذه مهمته الرئيسية إلى جانب نقل وتقطيع الأخشاب للتدفئة.
وبالإضافة إلى جميع هؤلاء، تحدثنا إلى الكثير من النشطاء في الميدان، الذين يؤكدون عزمهم البقاء، صبرهم على البرد وسوء الظروف، حتى تحقيق مطالبهم، بتوقيع الشراكة مع أوروبا، كخطوة عملية على طريق التحامل معها، وتطبيق معاييرها الاجتماعية والقانونية.
أوكرانيا برس - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022