نظريا، لدى أوكرانيا مصالح كثيرة مع الطلاب الأجانب. وبحسب بيانات وزارة التعليم الأوكرانية فإنه بفضل هؤلاء الطلاب، وعددهم يبلغ نحو 53.5 ألفا، تملأ ميزانية أوكرانيا بنحو 800 مليون هريفنة سنويا (100 مليون دولار).
ولكن هذه الأرباح التي تحصل عليها أوكرانيا لا تضمن بالضرورة حياة سعيدة لهم، وتعتبر المنظمات المعنية بحقوق الإنسان أن الطلاب الأجانب يعانون غالبا من أعمال وعلميات نصب واحتيال قبل الوصول إلى الجامعة.
فغالبا يأتي الطلاب إلى أوكرانيا بمساعدة أشخاص أو شركات وسيطة، تعدهم حل معظم مشاكلهم المحتملة. وأسباب هذا الخيار واضحة، حيث لا تضع كثير من الجامعات معلومات على مواقعها بالإنجليزية أو بأي لغة أجنبية أخرى، وهكذا يكون من الصعب على الطلاب الأجانب أن يعلموا ما هي المستندات المطلوبة، وإلى أين يجب إرسالها.
وبالإضافة إلى ذلك يقول موظفو مركز "بلا حدود" الحقوقي إنه من شبه المستحيل التأكد من إخلاص عمل وكيل الطلاب، بل إن بعض الوكلاء لا يعرفون الوضع الحقيقي في أوكرانيا.
ولهذا السبب يمكننا أن نتخيل من خلال قراءة مواقع بعض الشركات التي تقوم "بتجنيد" الطلاب أن أوكرانيا هي إحدى دول الاتحاد الأوروبي، وأن الطلاب أثناء عطلتهم الصيفية يستطيعون زيارة السويد والمملكة المتحدة للتدريب. طبعا، هذه المعلومات تزيد صورة أوكرانيا جمالا في عيون الأجانب، ولكن عندما يأتون للدراسة يواجهون واقع مختلفا تماما.
صعوبات تبدأ من المطار
ومع ذلك لا يزخرف الوكلاء مستوى "الراحة" فحسب، بل يقومون بالخداع المالي كذلك. فيبدأ مسلسل الاحتيال منذ نزول الطلاب من الطائرة. ومن بين العمليات الاحتيالية "التقليدية" رفع أسعار النقل من المطار إلى سكن الطلاب.
تقول أولينا بوندارينكو وهي مساعدة في مركز "بلا حدود" لوكالة الأنباء الألمانية "Deutsche Welle": "منذ عدة سنوات دفع طلاب جامعة الطب للوكيل 200 دولار مقابل خدمة نقلهم من مطار دونيتسك إلى مدينة لوهانسك، وارتفع هذا المبلغ في العام 2010 إلى 2000 دولار".
وتضيف: تبدأ المشاكل حتى في المطار، فمثلا في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 اتصل شاب سوداني بموظفي "بلا حدود"، وقال إنه كان محتجزا في مطار بوريسبيل بالعاصمة كييف لمدة 5 أيام، وقضى الوقت هناك في غرفة صغيرة ضيقة ليس بها سرير. وطوال هذه الفترة لم يعط أكلا ولا ماء.
وأبلغ هذا الشاب ضباط الحدود بأنه قد وصل إلى أوكرانيا للدراسة في جامعة خاركيف للطب. ولكنه لم يتمكن من إخبار جامعته بما حدث بسبب عدم إعطائه فرصة استخدام هاتف أو إنترنت. ثم تم ترحيله إلى السودان. أما إدارة الجامعة فلم تفعل شيئا لحل هذه المشكلة.
وقد يواجه الأجانب المزيد من المشاكل بعد وصولهم إلى مكان الدراسة، التي وعدوا أن تكون بالإنجليزية، ثم يتضح أنها بالأوكرانية أو الروسية فقط.
ولا يتقن رؤساء أقسام شؤون الطلاب الأجانب بالجامعات في بعض الأحيان الإنجليزية، ولا يستطيعون أن يساعدوا الطلاب. ولهذا السبب يوقع الطلاب الأجانب عقودا باللغة الأوكرانية حتى دون فهم مضمونها.
لا تستعجلوا دفع التكاليف
وليس هذا الأمر والوحيد الذي يفسد مزاج الطلاب فحسب، بل عليهم أن يتحملوا المصاريف الكبيرة أيضا.
وصلت في تشرين الأول/أكتوبر 2009 مجموعة طلاب من أفريقيا للدراسة في جامعة "تاراس شيفتشينكو" بالعاصمة كييف، وكانت رحلتهم منظمة بشركة "Carrefour Event"المغربية، التي كانت تقول إنها ممثل رسمي للجامعة.
ولكن بعد وصول الطلاب إلى أوكرانيا اضطر كل منهم إلى دفع 20 ألف هريفنة (2500 دولار) إضافية للجامعة، التي لم تحصل على النقود من الشركة الوسيطة.
وحدثت مشكلة مماثلة مع مجموعة طلاب من تونس، وصلوا إلى أوكرانيا للدراسة في الجامعة الوطنية للطيران بالعاصمة كييف أيضا.
ويقول أندري كريجانوفسكي عميد شؤون الطلاب الأجانب في الجامعة: "نعم، فعلا، كنا نتعامل مع ذلك الوسيط. ولكن في السنة الماضية حدثت في تونس الثورة، فتم الدفع في البداية بأقساط، وبعد ذلك انقطع الدفع إطلاقا. لجأنا إلى السلطات الأمنية ولكن الوكيل اختفى من أوكرانيا".
وينصح كريجانوفسكي الطلاب الأجانب بالاتصال بالجامعة مباشرة، مشيرا إلى أن ذلك يمكنهم من التأكد بأنهم ليسو مضطرين لدفع نفقات الدراسة مرة ثانية في منتصف العام الدراسي.
الخلافات مع الجامعة والترحيل
وفي حالة وجود الخلافات بين الطالب والجامعة، فمن المتسحيل له تقريبا أن يدافع عن حقوقه.
تقول المحامية غالينا بوتشيفا: "يرتبط الوضع القانوني للطالب بالمدينة التي توجد فيها جامعته، ولا يستطيع أن يغير مكان دراسته دون سماح الجامعة بذلك. وإذا وقعت الحادثة، لا ترجع الجامعة للطلاب مستنداتهم، مثل التأمين والشهادة وتذكرة العودة".
وحسب إحصائيات مركز "بلا حدود" فإنه في السنوات الأخيرة لجأ إلى المحكمة طالبان فقط للطعن في قرار يقضي بترحيلهم.
ويقول المركز إن المواطن النيجيري كينيت أونودجيت، الذي درس في جامعة لوهانسك للطب اجتاز امتحانا بإحدى المواد الدراسية، ثم سافر إلى وطنه لقضاء العطلة، وعندما رجع إلى أوكرانيا تبلغ أنه تم طرده من الجامعة.
واضطر الشاب إلى الاستماع إلى هذه المادة الدراسية مرة أخرى، وبعد ذلك تابع دراسته في الجامعة.
وبعد أن دفع تكاليف دراسة السنة الدراسية في الجامعة، قدم جواز سفره لتمديد التأشيرة، لكنه حصل على ختم الترحيل.
وطلب كينيب المساعدة من المحامين، و في النهاية اعترفت المحكمة بأن كان قرار ترحيله مخالفا للقانون.
وحدثت الحالة المماثلة للطالبة بيأنتوسا تادي كولومبي من الكونغو، فقد وصلت إلى كييف للدارسة في الكلية التحضيرية.
جاءت إلى أوكرانيا وهي حامل، وأرادت أن تعلق دراستها بعد نهاية الفصل الأول، ولكن بعد أن قدمت جواز سفرها لتمديد مدة صلاحية التأشيرة حصلت على الرفض أيضا. ولهذا السبب لم تستطع تسجيل طفلها في أوكرانيا.
واتجه محامو "بلا حدود" إلى المحكمة، واعترفت الأخيرة بأن قرار ترحيلها مخالف للقانون. ولكن لم يتم تمديد فترة إقامتها في أوكرانيا للفصل الدراسية الثاني حتى الآن.
لا توجد في أوكرانيا اليوم منظمات تتخصص في مساعدة الطلاب الأجانب. وتنصح السيدة بوتشيفا باللجوء إلى المحامين في حالة وجود المشاكل، لأن في هذه الحالة هناك احتمال أكبر بأنه ستدرس الشرطة شكوى الطالب، وإذا اقتضت الضرورة فستقوم بالدفاع عن حقوقه في المحكمة.
الألمانية
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022