هزت قضية اللجوء كيان أوروبا، وفشلت عبارات السياسة المتأنية بإخفاء هواجس الهوية ومخاوف العنصرية في المجتمع، التي باتت "صرخات" ترددها وسائل الإعلام والعامة، إن صح التعبير.
"الحوار الإسلامي المسيحي في ظل أزمة اللجوء" كان عنوان طاولة مستديرة دولية، نظمت يوم الأمس في المركز الإسلامي بالعاصمة كييف، لكن الهواجس الأوروبية كان العنوان الأبرز لمداخلات معظم المشاركين.
المفكرون ورجال الدين المسلمون والمسيحيون أكدوا بالعموم على أهمية الحوار وحتميته، لكن بعضهم خرجوا في مداخلاتهم عن أسلوب الدبلوماسية المعتاد، فاتحين ملفات عدة للنقاش.
الخريطة الدينية
ولعل أبرز ما طرح في هذا الصدد كان موضوع "تغير الخريطة العرقية والدينية، وإمكانية أن تتقبل المجتمعات الأوروبية "مزيدا من الغرباء".
البروفيسور في المعهد الكاثوليكي للعلوم بكييف ميخايلو تشيرينكوف، قال: "تدفق اللاجئين يغير وجه القارة الأوروبية وخريطتها الدينية ببطئ، والمجتمعات الأوروبية تواجه صعوبة تقبل هذا التغيير أو التعامل معه، لأن المسلمون أصلا مختلفون مذهبيا وعرقيا"، واستشهد على رأيه بمقوله للكاتب طلال أسد: "أوروبا ليست بيتا للمسلمين.
وعلى هامش أعمال الطاولة، بين المفكر الألماني غانس أولريخ شيفر لنا جانبا من المخاوف الأوروبية، فقال: "أنا من ألمانيا الشرقية. لم يكن للمسلمين وجود يذكر قبل اللجوء، لكن المسلمين اليوم واقع، ونشاطهم الديني –رغم قلة المساجد والإمكانيات- كشف للأمان أن تدينهم "تقليدي"، فتولد الخوف من تغير ديموغرافي ديني في المجتمع".
نتاليا ماميدوفا ممثلة اتحاد الجمعيات الخيرية في غرب أوكرانيا، لفتت إلى "مشكلة آخرى"، فقالت إن اللاجئين يأتون غالبا للاستقرار، ولا يريدون العودة، حتى لو استقرت دولهم الساخنة، ولهذا تبعات اقتصادية واجتماعية، مباشرة وغير مباشرة، من أبرزها انتشار البطالة والعنصرية".
التعارف والاندماج
وتحدث بعض المشاركين عن مشاكل أخرى تواجهها المجتمعات واللاجئون معا، من أبرزها ضعف التعارف، وصعوبة الاندماج.
ماميدوفا قالت: "لا يعرف الكثير من الأوروبيين عن اللاجئين إلا أن معظمهم مسلمين، دون مزيد من التفاصيل، وزيادتهم تزيد من خطر الأعمال الإرهابية، على الأقل بحسب وسائل الإعلام التي تنسب تربط بين اللاجئين والإرهاب، وتربط بين الإرهاب والإسلام".
ومن جهته قال سعيد إسماعيلوف مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة": "قليل هم المسلمون الذين يعرفون نقاط التلاقي مع المسيحيين، والعكس صحيح، في حين أن التركيز بالأساس على نقاط الاختلاف، وهذا يعقد عملية التعارف ويصعب الحوار، ويزيد فرص العنصرية".
وأضاف: "ربما لو لم أدرس المسيحية دراسة أكاديمية، لكان من الصعب علي تفهم المسيحيين والتعامل معهم بسهولة وراحة. الدراسة والتعريف يجب أن تكون من واجبات الدولة والمؤسسات الدينية".
الأسباب والحلول
وبالإضافة إلى الهواجس ومخاوف والمشاكل، تطرقت أعمال الطاولة إلى الأسباب والحلول، وهنا حمل معظمهم على الحكومات الشرقية والغربية، معتبرين أنها السبب الرئيس لـ"مأساة اللجوء".
المفكر الإسلامي ونائب رئيس اتحاد "الرائد" في أوكرانيا سيران عريفوف قال: "ابتزاز الدول الغربية، وصمتها المتعمد عن الفقر والعنف وظلم الأنظمة الشمولية في المشرق هو من خلق أزمة اللجوء. هم السبب الرئيس، وهم يتحملون الآن نتائج صمتهم، أو حتى دعمه لتلك الأنظمة".
تاراس دزوبانسكي رئيس مركز "ليبيرتاس" للحوار بين الأديان والإثنيات، قال لنا: "في كل يوم تزداد عملية الحوار صعوبة وتعقيدا، ولكن لابد منه للخروج من هذه الأزمة وغيرها، أو حتى لكي لا تظهر هذه الأزمات، وهذا ما نسعى إليه في أوكرانيا".
وأشار إلى اهتمام الأمم المتحدة بنتائج فعاليات الطاولة المستديرة، فقال: "خلال الأسابيع الماضية، زارت وفود ألمانية وأوروبية أخرى مختلف المناطق في أوكرانيا، لأنها وجدت فيها مثالا للتعايش وتهيئة الظروف".
وأضاف: "ثمة اختلاف، فمسلمو أوكرانيا ليسو من المهاجرين غالبا، ولكن "تجارب الحوار" في أوكرانيا طويلة ومثمرة، وهذا ما سأنقله إلى الأمم المتحدة الأسبوع المقبل".
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022