الاجتماع الذي غير وجه اوروبا وربما العالم

نسخة للطباعة2025.12.08
عبد الرحمن عكل

كلنا يذكر الاجتماع الذي حصل في البيت الابيض عندما دعت الحكومه الامريكيه رئيس اوكرانيا الى البيت الابيض في تلك اللحظه كثيرون نظروا الى هذا الاجتماع على انه ضربه للحكومه الاوكرانيه وربما للموقف الاوروبي الموحد الداعم لها لكن في الحقيقه في عالم السياسه تماما كما انه هناك امور تحصل ونراها بشكل مباشر هناك امور اخرى تبدا بالتشكل على المدى المتوسط والبعيد فالحقيقه هي ان طريقه التصرف رئيس الولايات المتحده الامريكيه ترامب ونائبه فانس كانت ترسل رساله قويه لاوروبا ضمن مشروع الانعزاليه الامريكيه الجديده وجماعه امريكا اولا الرساله هي ان الولايات المتحده الامريكيه لم تعد هذا الحليف الذي يمكن ان يحمي الدول الاوروبيه

والحقيقه هي ان العلاقه بين اوروبا وامريكا هي علاقه معقده فاوروبا التي تعتمد بشكل كبير جدا في دفاعها عن نفسها دعم الحليف الامريكي هي ايضا وقفت مع امريكا في حروبها في الشرق الاوسط وفي اي مكان في العالم فلطالما التزمت الحكومات الاوروبيه دعم المصالح الامريكيه ولكن وعلى ما يبدو فان فتره الحكم الثانيه لترمب قد تكون نقطه تحول كبيره في سياسه اوروبا وربما العالم فتعامل الرئيس الامريكي ونائبه مع الرئيس الاوكراني الذي جاء الى البيت الابيض ليذكرامريكا بالاتفاقيه بودابست التي بموجبها سلمت اوكرانيا سلاحها النووي مقابل الضمانات الامنيه الامريكيه ولكن من الواضح ان لا ترامب ولا فانس كانوا يدركون الرساله التي يرسلونها لحلفائهم في العالم بالتنكر لاتفاقيات الدوله الامريكيه ولثوابت السياسه الخارجيه الامريكيه.

ضرورة التغيير
مع خروج رئيس اوكرانيا من البيت الابيض فهم الاوروبيون ان هناك سياسه جديده في امريكا وان الاعتماد الكامل على امريكا من الناحيه العسكريه واستمرار سياسه الاستثمار في الاقتصاد غير كافي لضمان مستقبل اوروبا امنيا خاصه بعد الغزو الروسي لاوكرانيا وباستمرار روسيا بارسال طياراتها المسيره في سماوات المدن الاوروبيه اذا لم تعد اوروبا بمامن بوجود حمايه امريكيه ,على اوروبا ان تفكر بشكل مختلف وان تملك ضماناتها الامنيه بنفسها وفي هذا السرد اعتقد ان الاوروبيون عليهم ان "يشكروا" روسيا التي ايقظتهم من وهم الامان المبني على الاقتصاد فحسب فالهجوم الروسي من ناحيه على اوكرانيا واستمرار بوتين بدعم الاحزاب اليمنيه في محاوله لشق الصف ضمن اوروبا ناهيك عن الاختراقات المتعدده سواء من عمليات يتم وصفها بانها عمليات هجوم الكتروني من خلايا تابعة لروسيا او كما اسلفنا ذكرا في موضوع الطيارات المسيره
اذا فان الغزو الروسي لاوكرانيا وما تبعه اعلن للاوروبيين حقيقتين الاولى هي ان لا استقرار دائم في اوروبا والثانيه هي ان الاوروبيين لا يمكنهم الاعتماد على طرف خارجي لضمان امانهم من هنا يمكن فهم التحركات الفرنسيه والالمانيه لمحاوله بناء جيش اوروبي وتغيير عقيده الدفاع في اوروبا نفسها.
قد يقول قائل ان هذا الامرلمصلحه امريكا لكن حقيقه ان السياسه الامريكيه كانت مبنيه على اساس ضمان الامن الاوروبي ليس عن عبث او تضييع للموارد الامريكيه بل هو استثمار قوي لتقويه السياسه الامريكيه ودعم الامن الامريكي فبالتعاون مع اوروبا تحصل امريكا على دعم قوي جدا وتواصل اقتصادي مع القاره العجوز التي تعتبر السوق الاهم بعد الولايات المتحده اضف الى ذلك الدعم الاوروبي للسياسات الامريكيه في كثير من الملفات ايضا اوراق الضغط التي كانت تملكها امريكا حتى تستمر بعض الحكومات ضمن نسق يتفق مع المصالح الامريكيه.
اذا فان ضغط ترامب وفانس على الحكومات الاوروبيه بالاعتماد على نفسها يحرق واحده من اهم الاوراق في يد الخارجيه الامريكيه فعلى سبيل المثال عندما دخلت اوكرانيا الى البيت الابيض لتطلب الدعم الامريكي في بدايه حكم ترامب لم تكن اوكرانيا تملك اي بدائل حقيقيه لكن ومنذ رفض ترامب وفانس لاوكرانيا تعامل الاوروبيون بحكمه مع الموضوع فحاولوا مصالحه امريكا لكسب الوقت بينما عمل الاوروبيين على تامين البدائل لاوكرانيا مما يجعل اليوم اوكرانيا وبعد حوالي عام من حكم ترامب اكثر قدره على الاستقلال السياسي عن امريكا مقارنه بحال اوكرانيا في بدايه عهد ترامب اذا في تلك اللحظه التي كانت ترامب يقول فيها ليزلينسكي انه لا يملك الاوراق كانت ترامب فعليا دون ان يدري يحرق تدريجيا اوراق الضغط الامريكيه السياسيه.

روسيا مستفيدة؟
روسيا ايضا تبدو وكانها الرابح الاكبرمن الخلاف الامريكي الاوروبي لكن الحقيقه هي ان روسيا وكما اسلفت في مقال اخر مفصل فعليا تدفع الاوروبيين للتمسك اكثر باوكرانيا وخبراتها العسكريه وايضا دعم اوكرانيا كي لا يتم انتهاك اراضيها من القوات الروسيه كجدار دفاع اول لحمايه اوروبا كذلك لابد من الذكر بان روسيا حققت نجاحات حقيقيه في مجال دعم الجماعات اليمينيه اذ لا يمكن تجاهل تصاعد قواهم في اوروبا وتاثيرها على السياسه الاوروبيه لكن باستمرار الحرب الروسيه على اوكرانيا وبوجود حليف امريكي مستعد ان يتخلى عن اوروبا اصبح التيار الاوروبي الاخر الداعم لوحده اوروبا وتقويتها عسكريا هو صاحب الصوت الاعلى لذلك فعلى ما يبدو ان روسيا التي كانت تتحجج بامنها قبيل غزو اوكرانيا قامت فعليا بتقويه اوروبا وربما الناتو.
بالنهايه وفي عالم تحكمه قوى تفتقر لفهم ابجديات الامن القومي وتتدافع نحو الفوضى يبدو من الصعب بمكان التنبؤ بمستقبل القاره العجوز وتاثيره على العالم لكن من الواضح اننا امام عصر تجنيد وتسليح من اوروبا والمخيف اكثر هو انه عندما تستثمر الدول الراسماليه بالجيوش فان هناك قوى معينه سوف تحاول دفع هذه الجيوش الى الحركه لتحقيق مكاسب اقتصاديه بالتالي لربما نرى اوروبا اكثر عدائيه وتقوم بحروب خارج القاره كنتيجه مباشره لما نراه اليوم من سياسات.

المحصلة
الثابت الوحيد على ما يبدو اننا في عالم غير مستقر وان الخرائط والقوى يتم اعاده تشكيلها وان تاثير الحمقى سياسيا او على الاقل الاشخاص الاقل كفاءه لطالما كان اكبر بكثير عبر التاريخ من تاثير القاده الاكثر كفاءه والاكثر حرصا وفهما لاسباب السياسات الثابته والواضح ايضا ان في عالم غير مستقر سياسيا ولا عسكريا الدور الاقوى سيكون لمن يحتشد ضمن تجمعات سياسيه كبرى تحمي حقوقه والاضعف والاكثر سذاجه هو من يحاول الخروج من هذه الاحلاف ان لم يكن يملك بدائل حقيقيه.
ان خروج رئيس اوكرانيا من البيت الابيض خال الوفاض لربما يكون جناح الفراشه التي ستولد النسمة الاولى من رياح التغيير بين القارتين.
 

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022