اسرائيل على خطى روسيا والسويداء تصبح دونتسك جديدة

مواطنين دروز يرفعون العلم الاسرائيلي
نسخة للطباعة2025.07.17
عبد الرحمن عكل

مع انتهاء ثورة الميدان في اوكرانيا ونجاحها بهروب المخلوع يانكوفيتش اتضح لروسيا انها تخسر اوكرانيا تدريجيا, فقررت منذ البداية ضم القرم كونه يحوي بالاصل قاعدة عسكرية روسية ضخمة سهل جدا احتلالها ثم جاءت احداث المرحلة التالية
المرحلة التالية وجدت روسيا بعض العناصر ذوي الاحلام بعودة روسيا الامبراطورية الى عدة مدن في اوكرانيا وتواصلت معهم وغذتهم ودعمتهم! تعامل الاوكران كان حاسم في كثير من المدن اهمها اوديسا وخاركوف ودنيبر

حكاية دونتسك

المشكلة الأساسية كانت في مدينة دونتسك! ليس لان العناصر الروسية كانت اقوى لا ابدا بل بسبب استغلال خلاف سياسي اقتصادي حصل!
حيث ان من يتابع الشأن الاوكراني يعلم بوجود مافيات في اوكرانيا اكبرها واهمها مافيا دونتسك ومافيا دنيبر
ان مافيا دنيبر قررت استغلال فرصة الثورة للايقاع برجل الاعمال الاهم في دونتسك ومحاولة السيطرة على المعادن والثروات والامتيازات التي يتمتع بها في دونتسك من خلال ابعاده من الصورة لذلك كان الاعلام التابع لمافيا دنيبر يحرض الجماهير الثورية على رجال الاعمال في دونتسك على اعتبار انهم كانوا داعم ليانكوفيتش! في هذه الاثناء رجال الاعمال في دونتسك لم يكونوا مهتمين للدعوة الروسية للانفصال في دونتسك بالعكس كان هناك دعم وحدة الدولة خاصة وان قرب اوكرانيا من الغرب يعني فرص جديدة للربح وبما انهم القوة المسيطرة في المدينة فدعوات الانفصال كانت ضحلة ولا تملك اي ارضية الا عند بعض كبار السن من أهل المنطقة
لكن بمجرد تحريض الاعلام التابع لمافيا دنيبر بدأ السماح للانفصاليين بالتحرك في دونتسك ويسمح لهم حتى بالقدوم من روسيا ليضغط على الحكومة من اجل مطالب رجال الاعمال الشخصية لتأمينهم وتأمين مصالحهم.
مع كل محاولة حسم من قبل الحكومة الاوكرانية مدعومة من الشعب كان يمنعها رجال الاعمال مطالبين بالسلمية وتفهم مطالب هذه الفئات وان الافضل هو مفاوضاتها! لم تكن هذه الجماعات تملك قوة على الارض لكن تركها تسبب في انها اصبحت تتحرك في مدينة دونتسك للتحول الى قوة ضاربة
فعليا ان الاهمال اخرج مدينة دونتسك من الدولة الاوكرانية تدريجيا! الكلفة كانت غالية جدا باستغلال القائد الروسي المرتزق ايغور غيركين لحالة التراخي وبتغطية روسية قام باحتلال مدينة دونتسك
لم تنفع التعقل ولا المفاوضات مع مشروع روسيا في دونتسك على عكس المدن الاخرى التي شهدت حسم فقد بقيت اوكرانيةبما فيها خاركوف االأقرب للحدود الروسية

المرحلة التالية في المشروع الروسي في اوكرانيا لتسهيل احتلالها والسيطرة عليها كان ادخال مرتزقتها الذين يحكمون دونتسك داخل جسد الدولة الاوكرانية وتغيير القوانين داخل الدولة لاضعافها!
هنا هددت روسيا ب "حماية الاقليات" في دونتسك وان اوكرانيا ان لم تفاوض سوف يكون هناك رد عسكري, انتهت المفاوضات الى اتفاق غير واضح المعالم وهو اتفاق منسك! مشكلة الاتفاق ان كل طرف يفسره كما يشاء وان روسيا تضغط على اوكرانيا بتنفيذه لكن بشكل يجعل من اتفاق منسك استسلام كامل للأوكران
بينما ركز الاوكران على بند سحب الجماعات المسلحة الغير شرعية ركزت روسيا على بند لا مركزية السلطة في اقليم دونتسك بل ودعمت لتعميم هذا البند على كثير من المدن الاوكرانية

التشابه والتطابق بين الحالة السورية والأوكرانية

التشابه بين الحالة السورية والاوكرانية ودور روسيا من ناحية ودور اسرائيل يكاد يكون متطابق! كلا البلدين مر بمرحلة ثورة انتصرت استغل فيها جار الدولة للعمل مع جماعات تملك مصالح معينة وتاريخ مرتبط بجرائم من ناحية وبالنظام القديم من ناحية اخرى لتخويفهم من النظام القادم وجعلهم دمية في يد الجار! جماعات غوباريف في دونتسك في حالة اوكرانيا وجماعة الهجري في الحالة السورية

لا الهجري ولا غوباريف معجبون بالثورة في بلاده وكل منهما يرى في مشروع الثورة عدو مطلق وكلاهما يرتبط ارتباطات قوية بالجار الداعم فغوباريف كان ضمن جماعات ترعاها الدولة الروسية داخل دونتسك والهجري مرتبط بجماعات من نفس الطائفة منخرطة ضمن الكيان العسكري لاسرائيل
وكما كان رد الأوكران بتنظيم العملية المضادة للارهاب ضد جماعات غوباريف وغيركين كان رد الحكومة السورية بالعملية الخاصة لتمشيط السويداء من جماعات الهجري!

في كلا الحالتين كان هناك تقارير على انه بالفعل حصلت تجاوزات في حق المدنيين لكن في كلتا الحالتين كان السبب الرئيسي لكل ما يحصل هي القوى الانفصالية, فبينما يعود الوضع للتعافي في كثير من المدن السورية تبدو السويداء وكانها معزولة عن هذا التعافي وهناك تقارير واضحة عن تجارة الكبتاغون ضمن السويداء, الحالة الشبيهة جدا بما حصل مع مدينة دونتسك التي مع تعافي اغلب المدن الاوكرانية من تبعات حكم يانكوفيتش من ناحية والضرر الاقتصادي في فترة الثورة تبدو دونتسك التي كانت في يوم من الايام من المدن الاوكرانية الصاعدة بقوة تبدو اليوم وكانها كل عام تعود للوراء ويزداد الوضع فيها سوء مع انتشار مسلحين , مما دفع بكثير من اهل البلد للهجرة سواء باتجاه روسيا او باتجاه باقي المدن الأوكرانية

روسيا لم تعد تهتم بحماية دونتسك بل كانت مهتمة بالدرجة الاولى باجبار اوكرانيا على تطبيق منسك بحسب الفهم الروسي والاعلام الروسي كان يدعو الاوكران الا اللامركزية في كل المدن الأوكرانية مدعيا ان تعدد الشعوب والحضارات والديانات واللغات سبب لتلك اللامركزية التي كانت تهم بوتن في مساره لاضعاف الجار تمهيدا لاحتلاله والسيطرة عليه

تحدثت روسيا كثيرا عن مناطق منزوعة السلاح ومناطق يمنع دخول الجيش الاوكراني لها وتحدثت ايضا عن انهاء تسليح الجيش الأوكراني وضربه مبكرا قبل ان يستعيد عافيته وهو فعليا ما كررته اسرائيل في سوريا وتحرص على تطبيقه بانتظام كما تضفط اسرائيل على الدول الغربية لدعم لا مركزية مناطق معينة في سوريا بل ولربما تسعى اسرائيل علنا على تمرير ممر يربط تلك المناطق الخاضعة لحكم ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية بالسويداء باسرائيل نفسها وهو نفس الامر الذي عملت عليه روسيا بربط القرم مع الدونباس من خلال التوسع في خيرسون وزاباروجيا

الخلاصة

من المتوقع ان تستمر اسرائيل في الاستثمار بمشاريعها في السويداء وربما تنجح بدعم قوات سوريا الديمقراطية لابقاء الجارة الشمالية سوريا ضعيفة ومفتتة بل وكما لم تكن روسيا في البداية تريد استقلال الدونباس بل تريد ان يصبح جزء من حكومة اوكرانية تسيطر عليها من المتوقع ان تفعل اسرائيل نفس المسار, تضغط باتجاه سويداء يحكمها الهجري واعوانه بشكل كبير بل وتضغط على الاوربيين للضغط على سوريا للقبول بان يكون الهجري جزء من الحكومة السورية نفسها لاعاقة عملية توحيد البلد وعملية اعادة البناء
فالتحدي اليوم امام الحكومة السورية هو كيف تستفيد من دروس الماضي والعبر كي تنتصر في لعبة شطرنج في غاية الصعوبة والتعقيد لإعادة السويداء ضمن البلد السوري الواحد والتركيز على عملية الوحدة واعادة البناء في ظل وجود جار يستثمر وبقوة بتمزيق الوحدة وزرع الفتن

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022