كيف تعامل روسيا "أبطالها"

اعلن القضاء الروسي في مدينة تامبوف الحكم على الجنرال الروسي ايفان بوبوف بالسجن خمس سنوات, الجنرال الروسي الذي قاد الدفاع ضد الهجوم الاوكراني المضاد في عام 2023, والذي يعتبركثير من مؤيدي الغزو الروسي ان الجنرال بوبوف كان السبب في افشال الهجوم الاوكراني المضاد واجه الحكم بقضايا متعلقة بالفساد, على الرغم من عدم وجود ادلة حقيقية على التهم الموجهة اليه,لكن وعلى ما يبدو فأن انتقاد بوبوف للجنرال غيراسيموف اعلى رتبة عسكرية بعد الرئيس الروسي غالبا هو سبب مصير الجنرال بوبوف! وعلى الرغم من شعبية بوبوف في الاوساط العسكرية الروسية وعلى الرغم من جهوده الملحوظة كما سبق وذكر في الدفاع ضد الهجوم الاوكراني المضاد, الا ان ذلك كله لم يشفع له ان يتفادى الحكم الذي يبدو وكانه كيدي وانتقامي.

عملية محاكمة بوبوف ليست فريدة من نوعها فأهم انجازات روسيا في حربها مع اوكرانيا الممتدة منذ 2014 هي احتلال مدينة دونتسك ومناطق واسعة من اقليم الدونباس وبكلفة عسكرية اقل بكثير من كلفة الحرب الحالية كانت تحت قيادة القائد العسكري ايغور غيركين "ستريلكوف", غيركين يقبع في السجن للعام الثاني على التوالي بعد انتقاده بوتن وطريقة قيادته السيئة للحرب الحالية

فاغنر, بريغوجين, وباخموت

اعتقد ان القارئ العربي قد لا يعلم من هم بوبوف او غيركين ومكانتهما لكن بدون شك يتذكر قائد ومؤسس مجموعة فاغنر بريغوجين الذي تم تصفيته جنبا الى جنب مع القائد العسكري للمجموعة نفسها دميتري اوتكين في حادثة الطيارة الشهيرة, بريغوجن كان على خلاف حاد مع وزير الدفاع الروسي السابق شايغو ومع الجنرال غيراسيموف وقد وصل به الحال لقيادة شبه انقلاب باتجاه موسكو قبل ان يتم تسوية وضعه ظنا منه ان الملف اغلق قبل ان يتبع ذلك حادثة الطائرة الشهيرة التي ادت الى مقتله مع اوتكين كما سبق,لكن النقطة المهمة هي حرب روسيا من اجل بلدة باخموت والتي سقط فيها بحسب بريغوجن نفسه 20 الف من عناصره على الاقل قتلى قبل ان يتم احتلال البلدة, البلدة التي استنزفت الجيش الروسي حوالي 7 اشهر قبل ان ينجح في احتلالها بريغوجين ومرتزقته

الفساد هو المنظومة نفسها

في مقالات سابقة اشرت الى فساد الحكومة الروسية والى الاخفاقات العسكرية والسياسية التي حققتها وكثيرا ما كان يظن البعض انني ومن يوافقني الرأي نستهين بروسيا كدولة ومقدرات ولطالما وضحت ان العكس هو الصحيح! روسيا اكبر دولة في العالم تملك ارث الاتحاد السوفيتي الذي كان ربما في مرحلة من المراحل اقوى دولة في العالم واقوى تحالف عسكري وقد ترك لروسيا ترسانة اسلحة هائلة التي ايضا تملك خزان من العقول البشرية! روسيا قوة عظيمة لا يستهان بها بغض النظر عن انها دولة امبريالية احتلالية توسعية لكن الكلام عن فساد الحكومة الروسية التي يقودها بوتن والذي يحاول الاعلام اظهاره على انه شخصية مخابراتية فذة لكن الواقع يعيدنا الى تاريخ بوتن في مافيا سان بطرسبورغ تحت جناح سوبتشاك! لذلك نجد أن بوتن الذي لم يعاقب الجنرال لابين على فشله في خاركوف والذي قرب سورافيكين حتى بعد الانسحاب من خيرسون ثم عاد وابعده ليس بسبب فشله في خيرسون بل لان سورافيكن كان مقربا من بريغوجين الذي نزلت عليه كل اللعنات بعد محاولة الانقلاب الفاشلة هو وكل من كان قريب منه

هذه المقدمة ضرورية لفهم الية عمل الدولة الروسية, فمنظومة النظام الروسي تهتم بالولاء اكثر بكثير من القدرة على الانجاز, لذلك ليس غريبا وصول شايغو وزير الدفاع السابق دون اي خبرة عسكرية لمنصبه وليس غريبا وجود قادة في الجيش يستلمون مناصب حساسة رغم تحقيقهم الفشل تلو الاخر ولعل ابرز مثال على ذلك كما سبق ذكره الجنرال لابين
بالمقابل يتم التعامل بحزم مع صاحب اي مركز عسكري يمارس الانتقاد حتى لو كان من اصحاب الانجازات, البعض يظن ان هذا فساد في الطبقى الوسطى والدنيا في الدولة لكن الحقيقة ان هذه عقلية بوتن نفسه الذي وصل للسلطة ليس لانه الشخص الافضل بل بسبب ولائه ل يلتسين الرئيس وقتها ولأن يلتسين علم انه ان كان يريد ان يترك الحكم ويؤمن اسرته فان بوتن ربما يكون الشخص الوحيد الذي يمكن ان يقوم بهذه المهمة
.
ان عقيدة مافيا سان بطرسبورغ هي العقيدة التي تبنى عليها عقلية "الدولة الروسية" هي عقيدة تعاقب من لا يظهر الولاء للنظام الحاكم وتقرب من يظهر الولاء والطاعة! لذلك نجد وصول ممثلين ورياضيين لمراكز حساسة في الدولة بينما مثلا يتم حبس شخصيات روسية تكاد تكون اسطورية مثل غاري كاسباروف البطل العالمي السابق والمعروف في الشطرنج!
لهذا السبب كان يتم اغتيال الصحفيين في روسيا ولهذا السبب توصم "الدولة" كل صوت عقلاني يدعو الى اي نوع من انواع تغيير العقلية او التشكيك في صلاحية اي قرار بانه ممول من الخارج وعميل اذ لا مكان في روسيا الا للصوت الواحد المصفق لبوتن ونظامه
هذه العقلية ادت لهجرة عقول كبيرة من روسيا وهي النتيجة المباشرة لماذا دولة بحجم وقوة روسيا فشلت مثلا من احتلال خاركوف! طبعا الاعلام الروسي كان يبرر الفشل بان روسيا تقاتل الناتو وجنود الناتو لكن عمليا عدد الجنود الاجانب في اوكرانيا في اعلى مستوايته لم يصل الى 25 الف وهذا الرقم يعتبر لا شيء مقارنة بعدد الجنود الروس والاوكران المنخرطين في المعركة ولا يمكن ان يغير من المعادلة بشكل جدي! اما عن "تسليح الناتو" لاوكرانيا فهو موجود لكنه ليس بالحجم الذي تظهره روسيا لتبرر التقدم البطيئ جدا في اوكرانيا! فعدد محدود جدا من الطيارات لم يدخل لاوكرانيا الا بعد حوالي 3 اعوام من الحرب الطاحنة! هناك تسليح ودعم لا شك لكن في ارض المعاركة فعليا فأن روسيا اكبر دولة في العالم وثاني اكبر جيش في العالم تواجه الجنود الأوكران, عندما فشل الجنرال لابين بحماية ريف خاركوف من الجنود الاوكران لم يكن هناك لا انزال جوي من الناتو ولا اسلحة فتاكة! كان هناك جنود اوكران وبعض الهايمرس والطيران المسير! وكل هذا واكثر موجود بالفعل بحوزة الجيش الروسي الذي مع ذلك تقهقر وخرج وقتها من ريف خاركوف

ما الاسباب

السبب واضح جدا امام العيان وهو في كل ما قيل! ان كانت المنظومة الادارية غير قادرة على التحدث بحرية عن الاخطاء فان تكرارها امر حتمي ومؤكد! لذلك تجد ان الكثير من الضباط الروس لا يزال بين الحين والاخر يجمع جنوده في رتل صباحي بانتظار وصوله قبل ان تطير عليهم قذائف الهايمرس او غيرها من الاخطاء التي تكررت مرات ومرات, الطرف الاوكراني ايضا يملك اخطاء مشابهة لكن بنسبة اقل بسبب وجود حرية نسبية وقدرة على الانتقاد ووجود متطوعين لا يسكتوا عن الخطا خاصة انهم لا يخضعون بشكل كامل للبنية العسكرية, اذا فأن نظام مبني على الولاء للقائد يعاقب من احسن لانه غير قادر على الصمت على الاخطاء ويرفع من درجة الفاسدين لا يمكن ان يتحول الى نظام فعال, لا يعني هذا ان روسيا لم تحقق اي من اهدافها في اوكرانيا ولا يعني هذا ان روسيا دولة ضعيفة! الامكانيات التي تملكها روسيا من موارد وحتى من عقول تؤهلها لان تكون من اقوى دول العالم على الاطلاق, لكن المنظومة الادارية الفاشلة التي لا تهتم لمفاهيم مثل الكفاءة تجعل اي انجاز يحصل بكلفة بشرية هائلة خاصة وان قيادة الجيش لا تهتم باي شكل من الاشكال بثمن الحرب! هي مهتمة فقط بتغيير الخريطة لتمجيد القيصر الروسي الذي لا يمكن لا له ولا لقادته ان يقعوا في اي خطأ فهم منزهين في الفكر الدكتاتوري المافيوي عن اي احتمال للخطأ

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".