تستمر المفاوضات الامريكية مع روسيا من جهة ومع أوكرانيا من جهة أخرى, وعلى الرغم من محاولات فريق ترامب التفاوضي اقناع الأوكران على أن هناك تنازلات يجب أن تحصل من أجل السلام فأن السؤال الأهم الذي تتجنب نقاشه معظم وسائل الاعلام العالمية هو ما الذي يريده بوتن من هذه الحرب؟ ما هو الهدف الحقيقي من هذه الحرب؟
الأهداف المعلنة
الأهداف المعلنة من قبل الروس عند بداية الغزو الروسي هي الغاء التسليح والنازية من أوكرانيا, من ناحية ثانية يصر بوتن على أن الهدف الأساسي من الحرب هو عدم تمدد الناتو باتجاه روسيا خاصة على الأراضي الأوكرانية, بل انه في مرحلة من المراحل قبيل بدأ الحرب روسيا طلبت من الناتو العودة الى حدود 1997 كشرط لعدم بدأ الغزو على أوكرانيا
اذا نظريا الرواية الروسية تعتمد على نقطتين اساسيتين! الاولى ايقاف خطر الناتور على روسيا بشكل عام وخاصة من قبل الاراضي الاوكرانية والنقطة الثانية هي حماية الاقليات الروسية في اوكرانيا كما تدعي الحكومة الروسية.
هذا التلخيص مهم لمحاولة فهم ما هي الشروط المتوقعة من الطرف الروسي لتوقيع اتفاق سلام من اوكرانيا! بالتالي يفترض ان حصول الروس على ضمانات من قبل امريكا والناتو ان اوكرانيا لن تكون ابدا عضواً في الناتو لحد ما يفترض ان ينهي الحرب الحالية التي راح ضحاياها اكثر من مليون من الطرفين الروسي والأوكراني! الشرط الأخر ربما هوالحصول على ضمانات لعدم التعرض للاقليات الروسية مثلا في اوكرانيا عن طريق الامم المتحدة او ربما قرار لمجلس الأمن برعاية امريكية روسية! لا يجاوب هذا الفرض عن تساهل الروس الغريب مع فنلندا والسويد وسهولة دخولهم الى الناتو بدون طلقة واحدة في الوقت الذي تخسر فيه روسيا حوالي ألف جندي في اليوم على ابواب باكروفسك و خاركوف!
المشكلة الأساسية التي تعقد المفاوضات هو أن مشكلة روسيا ليست وجود الناتو قرب حدودها بل وجود الناتو في اوكرانيا تحديدا,
لماذا؟ لأن من الواضح وبحسب شروط التفاوض التي يطلبها فريق بوتن التفاوضي ان الهدف هو ترك اوكرانيا بدون أي حماية من أي نوع! لا يقبل الروس لا ناتو ولا جنود من أوربا في أوكرانيا من ناحية مع انه لا يملك اي مشكلة في وجود جنود الناتو مثلا في فنلندا الأقرب الى مدن روسية مهمة مثل سان بطرسبورغ, الشرط الثاني هو الاصرار على تقليل عدد الجنود الأوكران! وهو شرط غريب جدا لسببين, السبب الأول هو ان بوتن يدعي أن مشكلته مع الناتو وليست مع أوكرانيا بالتالي ما علاقة تقليل جنود أوكرانيا؟ بل على العكس لو كانت مشكلة بوتن فقط في الناتو فأن الجيش الأوكراني يجب ان يكون بديل مقبول! فجيش أوكراني قوي يضمن "حيادية اوكرانيا" كما كانت يطالب لافروف مراراً وتكراراً! ففي حال وجود جيش أوكراني قوي ما حاجة أوكرانيا اصلا للناتو؟
التناقض الأخر هو ادعاء روسيا على مدار 3 سنوات من الحرب بأن الجيش الأوكراني ضعيف وانه لولا دعم الناتو لخسر الحرب وانتهى منذ زمن! اذا ان كان الجيش الأوكراني ضعيف ولا يشكل خطر, لماذا تصر روسيا على بند تقليص عدد جنوده وتقليص تسليحه؟ طالما أن روسيا على حسب زعم وزارة الدفاع الروسية والاعلام الروسية قادرة وبسهولة على التعامل مع الجيش الأوكراني؟
ليست هذه أول مرة تناقض فيها روسيا روايتها في شروط السلام, فهي لطالما سخرت من العقوبات الغربية على روسيا لكن ازالة العقوبات تبدو على رأس الاجندة الروسية في هذه المفاوضات مما يوضح التناقض بين ما تقوله روسيا في اعلامها وبين ما تشعر به روسيا في الواقع.
سيقول قائل: لماذا لا تطالب روسيا بكل ما تريد حتى لو لم يكن مفيد! ما المشكلة؟ الجواب هو أن الروس يفاوضون "كما الأوكران" على دماء جنودهم في حرب ضحاياها كما سبق وقلنا مليونية! هي محرقة لم يمر بمثلها الطرفين منذ الحرب العالمية الثانية! بالتالي كل يوم تأخير وكل شرط يوضع ثمنه من دماء الطرفين الباهظة, مما يعني بالضرورة ان من يضع هذا الشرط اما انه يعني تماما لأهمية هذا الشرط أو أنه ببساطة لا يهتم لدماء شعبه
تخبط الأهداف مقصود
هناك مشكلة كبيرة في التفاوض مع الروس لأن حرب الروس ببساطة لم تكن تملك هدف واضح محدد! هناك تخبط كبير في الرواية الروسية كما سبق وقلنا فهي مرة تتحدث عن "رفع الظلم عن الدونباس" ومرة عن تغيير الحكم "النازي" في أوكرانيا ومرة تتحدث عن استعادة الجنوب الأوكراني كاملا حتى أوديسا وبناء ما يسمى ب "مالا روسيا" واحياناً اخرى تتحدث عن الاكتفاء بالدونباس وزاباروجيا وخيرسون وضم دنيبر لهم! هذا التخبط لدولة بحجم روسيا وهذه الضبابية ليست عبثية ولا وليدة الصدفة, فبوتن لا يستطيع اعلان هدفه الحقيقي لان هذا سيجعله يخسر الحرب الاعلامية! التحدث علنا على أنه ببساطة يعيد الامبراطورية الروسية من بوابة احتلال أوكرانيا هو امر غير مقبول قانونيا لذلك يستمر بوتن بوتن بتسمية الأمور بغير مسمياتها تماما كما يفعل نتنياهو في حربه مع غزة, فالأخر لا يريد ان يتحدث بشكل رسمي عن مشروع "أسرائيل الكبرى" فبدل عن ذلك يجد الاعذار ليغير في الاتفاقيات وينقضها ويعود لغزو غزة مرة بعد اخرى حتى يحاول تحقيق هدفه الحقيقي في السيطرة على غزة والضفة الغربية
بالنهاية وبالعودة للمفاوضات لو كانت مشكلة روسيا فعلا هو عدم احترام روسيا وايقاف الناتو عن الاتجاه باتجاه روسيا لكانت خطوات فريق ترامب باتجاه روسيا اكثر من رائعة ولركز الروس على لجم فنلندا والسويد بطريقة او باخرى باتفاقيات وبالاكتفاء بضمانات عدم دخول أوكرانيا للناتو وضمانات اخرى لحقوق المواطنين من اصول روسية وانتهى الموضوع بحفظ ارواح الجيش الروسي, لكن الدول ذات الحروب الأستعمارية لن تقول يوما بصراحة عن اهدافها الحقيقية! لذلك نجد ان الجنوج الروس في اوكرانيا حالهم كحال الجنود الأمريكين في العراق ماتوا من أجل كذبة.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022