معضلة كورسك ل "القيصر" واثر خاركيف وفاغنر الذي يصعب محوه!

نسخة للطباعة2024.08.11
عبد الرحمن الشامي

منذ صباح السادس من آب وخريطة الصراع بين روسيا وأوكرانيا بدأت بالاختلاف بشكل كبير! لحد صبيحة ذلك اليوم كانت أوكرانيا دائما هي الطرف المدافع الذي يتقدم للهجوم ليحرر أرض أوكرانية من القوات الروسية الغازية. لكن هذا اليوم بالذات شهد تحول كبير, فالقوات الأوكرانية منذ ذلك اليوم بدأت في التقدم في العمق الروسي نفسه, قد يقول قائل ان هذه ليست المرة الأولى وان القوات الروسية المعارضة التابعة لأوكرانيا سبق وان دخلت الأراضي الروسية ثم تم إخراجها منها, لكن الحقيقة هذه المرة العمليات العسكرية مختلفة تماما فهي لقوات أوكرانية محملة بسلاح غربي والهدف على الأقل لحد الان هو التمدد في العمق الروسي.

مع الصمت المطبق من قبل الطرف الأوكراني والرسائل المتخبطة من الطرف الروسي يصعب تقدير المساحات التي تم السيطرة عليها من قبل الطرف الاوكراني, هناك ارقام كثيرة اقلها ما يزيد عن المساحة التي احتلتها روسيا في أوكرانيا في اخر 3 اشهر! بل ان المساحة التي تم السيطرة عليها في أيام تزيد حتى عن المساحة التي سيطرت عليها القوات الأوكرانية نفسها في هجوم الصيف الماضي

الهدف من العملية

وفي ضوء صمت أوكراني عن العملية والهدف منها هناك الكثير من التخمينات التي تتحدث عن عدة اهداف! الهدف الاوضح هو ان الهجوم على القوات الروسية يشتت التركيز الروسي على جبهتي خاركيف والدونباس, لكن هناك اهداف أخرى, منها هدف معنوي مهم وهو أعادة كسب ثقة الشارع الغربي, طالما أوكرانيا تدافع عن ارضها فهي في حالة خسارة مستمرة كل ما كسب الروس ولو شبر واحد من الأرض! عكس الآية يضع الضغط على الطرف الروسي, هدف اخر محتمل هو في حال استمرار السيطرة على أراض روسية قد يتم دخولها الى صفقة مبادلة مستقبلية لكن هذا الامر معقد جدا لأسباب سنعود لمناقشتها لاحقاً, يتحدث البعض عن اهداف معينة للسيطرة عليها منها مفاعل كورسك النووي لكن يبدو ذلك هدف بعيد المنال خاصة وان نفس ما قيل عن معارك خاركيف للطرف الروسي ينطبق الان على الطرف الأوكراني وهو ان منطقة الحدود اسهل بكثير للسيطرة عليها من المناطق في العمق الروسي وانك كلما اقتربت من العمق في أي دولة في العالم تصبح مهمة السيطرة اعقد بكثير لانها تحتاج الى بنية تحتية لتامين القوات المحتلة مما يعقد العملية.
تتحدث اطراف أخرى على ان العملية لن تكون فقط في كورسك, بالفعل هناك انباء على ان عمليات مشابهة بدأت تحدث بشكل اقل في بيلغراد, لربما الهدف هو تشتيت الروس عن كورسك في بيلغراد لكن أي كان واضح ان العملية العسكرية مدروسة جيدا وليست عملية تقدم بسيط ولن تنتهي خلال أيام.

التكتيك الاسهل والانجع ربما للطرف الأوكراني هو تكتيك حرب العصابات وتغيير أماكن الضربة بانتظام لكن الفشل الروسي العسكري قد يغري الجيش الأوكراني بان يغير من الخطة ويحاول الدفاع بشكل مستمر عن مناطق نفوذ ضمن روسيا نفسها وقد بدأنا بالفعل نسمع عن بناء دفاعات أرضية داخل روسيا نفسها مما يوحي بأننا قد نرى ولو بشكل مؤقت منطقة عازلة بين روسيا وأوكرانيا ضمن حدود روسيا نفسها, اعلان الطرف الروسي عن اجلاء سكان بعض المناطق يؤكد بأن هذا احتمال وارد وحقيقي لكن وكما تم النقاش سابقا, ان عملية إبقاء الأراضي الروسية تحت السيطرة الأوكرانية لفترة طويلة جدا هي عملية معقدة جدا ومكلفة جدا.

تأثير خاركيف وفاغنر

 الحقيقة اننا وصلنا الى الحالة التي نحن عليها اليوم بسبب سلسلة طويلة من القرارات الخاطئة من قبل إدارة بوتن, فبوتن الذي قرر ان يدخل معركة خاركيف بحجة انه يريد منطقة عازلة سرع في تغيير الكثير من الأمور لمصلحة الطرف الاوكراني, ففي ظل تعطيل جماعة "ماغا" ضمن الحكومة الامريكية قرارات إيصال الأسلحة الى أوكرانيا كانت الخسائر الأوكرانية اعلى من المتوقع وخسر الاوكران أفديفكا, لكن مع إصرار بوتن على استهداف المدنيين في خاركيف وقصفه للبنية التحتية ارسل رسالة قوية ان العدوان مستمر, هذه الرسالة أجبرت قادة الغرب على تغيير سياساتهم والسماح العلني لأوكرانيا من استهداف الروس داخل روسيا خاصة وان الروس كانوا يقصفون اهداف مدنية من مناطق روسية تجنبا للقصف المضاد وهم واثقين من عدم قدرة الأوكران على الرد! كثرة الاستفزاز كانت سبب أساسي في تغيير سياسات الغرب الذين ادركوا ان روسيا تستغل هذا الموضوع وانه لا بد من تغيير في سياسة الردع وقد حصل! في ضمن عدة أسابيع أولا وجدنا تصريحات على السماح للاوكران باستهداف الروس بأسلحة غربية للرد على مواقع النيران تلاها وصول عدد ولو كان بسيطا من طائرات ال اف 16 وطبعا لا ننسى وصول الذخيرة للقوات الأوكرانية, اذا هجوم بوتن الفاشل على خاركيف والذي لحد اليوم لم يتمكن حتى من تجاوز فوفتشانسك كان سببا مهما في عملية كورسك! السبب الأخر هو ما حصل الصيف الماضي مع قوات فاغنر! اذ ان قائد فاغنر عندما قاد تمرد على القوات الروسية اثبت هشاشة البنية الدفاعية الروسية وأن روسيا نمر من ورق! هذا الامر اغرى كثيرين على تكرار التجربة! بدأ الامر مع قوات التمرد الروسية المعارضة لكن على ما يبدو كل تلك العمليات كانت تمهيدا لما نراه اليوم والذي يؤكد صدق توقعات المحللين! روسيا دفاعياً في ورطة كبيرة.

معضلة "القيصر"

المشكلة الأساسية هي ان بوتن الزعيم الذي وصل للكرسي عبر مافيات سان بطرسبورغ والذي يفهم أهمية استراتيجية التخويف من اجل السيطرة, كان قد بنى اسطورة إعلامية كبيرة عن قوة روسيا وبطشها وقوته هو شخصيا! لدرجة انه هو نفسه بدأ يصدق هذه الصورة وظن فعليا انه ممكن ان يحتل أوكرانيا في حوالي عشرة أيام لا اكثر, المخابرات الروسية كانت تخشى ان تقول لبوتن الحقيقة عن المشاكل في ضعف الجيش الروسي, مما أدى الى تصور خاطئ لبوتن عن قوة جيشه فبدأ العملية العسكرية ضد أوكرانيا قبل ان يصطدم بالواقع,
حاول بوتن التأقلم مع الواقع الجديد فبدل من ان يعلن فشل العملية على كييف بدأ يظهر وكان عملية كييف (بكل خسائرها البشرية واللوجستية) لم تكن الا لتشتيت الأوكران عن "الهدف الحقيقي في الدونباس" وان هدفه احتلال الدونباس وانه سوف يفعلها, لكن مع ان بوتن قلص كثيراً من رقعة امانيه الا انه لم يحقق التقدم المرجو في الدونباس فبدأ يستغل فكرة انه على الأقل احتل بعض الأراضي في أوكرانيا! فالأنظمة الدكتاتورية لا تخسر الحروب! هي دائما تجد ما تقنع به شعبها بانها انتصرت مهما كانت الكلفة ومهما كان حجم الفشل!
المعضلة ان نظام بوتن رغم انه في عام كامل لم يحتل الا بلدتين اوكرانيتين فقط هما باخموت وافديفكا وبكلفة بشرية رهيبة وهو ما يجب ان يعتبر فشل رهيب لثاني اكبر جيش في العالم, الا انه استطاع اقناع قاعدته الشعبية انه طالما التقدم إيجابي حتى لو كان لامتار فهم المنتصرون! المشكلة الان هي ان بوتن بالفعل بدأ يخسر في ارضه! الأرض التي ادعى بوتن انه بدأ هذه الحرب لحمايتها ليظهر هشاشة حقيقية دفاعية, هشاشة تذكرنا بما فعله بريجوين وفاغنر لروسيا من ناحية وتاكد ان "القيصر" لم يكن يوما يهتم بالدفاع عن الأرض الروسية بل كل تركيزه كان على احتلال أراضي الغير للظهور بمظهر المنتصر, الان على ثاني اكبر جيش في العالم ان يعود ويتعلم الدفاع ويغير من تكتيكاته مما سيصعب بشكل كبير استمرار العمليات العسكرية الهجومية طالما ان الظهر الروسي مكشوف للقوات الأوكرانية التي استطاعت بحنكة شديدة قلب الطاولة! بكل الأحوال الأيام القادمة ستكون محملة بالاجوبة لكن المؤكد اليوم ان "القيصر" في مأزق وان باقي القوى الدكتاتورية في العالم عليها ان تتعلم من أخطاء بوتن سواء في البدأ بمغامرات عسكرية غير محسوبة, او الاستعانة بميلشيات عسكرية غير مرخصة لن ينتهي ضررها بإيقافها عن الانقلاب في حال خرجت عن السيطرة.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022