سازونوف سايكس بيكو.. لماذا سقطت روسيا من الاتفاقية؟

نسخة للطباعة2024.05.31

الخليج أونلاين

 

بعد 100 عام على اتفاقية سايكس-بيكو الشهيرة التي رسمت حدود الشرق الأوسط، وقسّمت كعكته بين القوى الاستعمارية الكبرى، تكشّف أخيراً أن عاملاً مهماً كان قد سقط منها، وأن مستعمراً ثالثاً كان ينوي أن يقتطع لنفسه حصة من التركة العثمانية الثمينة، لكن -بحسب وثائق روسية نشرت مؤخراً- عصفت بالإمبراطورية الروسية أزمة داخلية، شغلتها بنفسها.

"سازونوف-سايكس-بيكو"، هذا هو الاسم الأول لأشهر اتفاقية سياسية في تاريخ المنطقة، بإضافة اسم وزير خارجية الإمبراطورية الروسية حينها، سيرغي سازونوف، إلى جانب اسم وزير خارجية إنجلترا، مارك سايكس، ونظيره الفرنسي، فرانسوا جورج بيكو، إلا أن اسمه سقط من الاتفاقية بعد أن تخلت روسيا عن "شرط مصيري" في الاتفاقية.

لم يكن اسم سازونوف هو وحده ما سقط، فحلم الإمبراطورية الروسية التوسعي بالسيطرة على مناطق شاسعة في تركيا؛ منها مضيقا البوسفور والدردنيل، ومدينة القسطنطينية (إسطنبول)، وطرابزون، وكذلك كردستان، ومدن إيرانية، وأجزاء من أرمينيا، هذا أيضاً سقط من واقع المنطقة.

ويأتي هذا بحسب وثائق كشف عنها برنامج "رحلة في الذاكرة" الذي بثته قناة "روسيا اليوم"، أمس الأربعاء.

- مذكرات سازونوف

ونقل البرنامج وثيقة من الأرشيف الشخصي لوزير خارجية الإمبراطورية الروسية، سيرغي سازونوف، تعرض لأول مرة، وقال في إحدى فقراتها:

"أثناء مفاوضاتي الشخصية مع السير مارك سايكس، والسيد جورج بيكو، تم إعداد وتدقيق المكتسبات الإقليمية من أراضي الإمبراطورية العثمانية، وفي أبريل 1916، وبانتهاء هذه المفاوضات، واستيضاح الرغبات، أخبرتهما بموافقة حكومة الإمبراطورية الروسية على المطالب التي تقدم بها كل من الطرفين، الإنجليزي والفرنسي، فيما يتعلق بإلحاق بلاد الرافدين بإنجلترا، وإلحاق سوريا وكيليكيا بفرنسا، شريطة أن تحصل روسيا في آسيا الوسطى الصغرى على أرضروم، وطرابزون، وبدليس، وصولاً إلى نقطة عند ساحل البحر الأسود يتم تحديدها عند ترسيم الحدود الجديدة".

وأضاف: إن "جزء كردستان الذي يقع إلى الجنوب من فان وبدليس يجب أن يلحق أيضاً بروسيا، مقابل الأراضي الواسعة التي حصلت عليها فرنسا في آسيا الصغرى، بما في ذلك مدينة خربوط".

وأضاف في الوثيقة: "تلكم هي خطوطها العريضة، الاتفاقية التي توصلت إليها الحكومة الروسية مع مفوضي إنجلترا وفرنسا عام 1916".

- الشرط الأساسي

وأوضح سازونوف أن "الاتفاقية تضمنت بنداً منفصلاً يشير إلى أن الشرط الأساسي لسريان مفعولها"، هو تحديداً "الاستمرار في الحرب (العالمية الأولى) حتى نهايتها المظفرة".

وأضاف: "كنت مؤمناً إيماناً لا يتزعزع بانتصار الوفاق الثلاثي وإرادة أطرافه الصلبة بإيصال القضية حتى نهايتها، ولم أكن أتوقع أن وطني، روسيا، الدولة العظمى الوحيدة التي لن تنفذ الشرط الأساسي انسحبت من الحرب بناء على إرادة قادة الثورة (البلشفية)، وذلك في الوقت الذي لم يتبقَّ فيه وقت أمامها سوى أن تبذل مجهودها الأخير في الحرب لتنتصر وتجني ثمار ثلاث سنوات من الصراع المرير".

واندلعت عام 1917 في شهر أكتوبر/تشرين الأول، الثورة البلشفية التي قادها البلاشفة تحت إمرة فلاديمير لينين، وجوزيف ستالين؛ لإقامة دولة اشتراكية.

وتابع وزير خارجية الإمبراطورية الروسية: "بدا لي أن الشرط الذي نص على الاستمرار بالحرب حتى نهايتها المظفرة كان شكلياً، وأننا جميعاً كنا نريد الانتصار على العدو، ولكن شاءت الأقدار أن يكون للثورة نصيب لا تحسد عليه؛ تجلّى في إعطاء هذا الشرط الشكلي مضموناً فعلياً".

وإذن، فطبقاً لتلك الوثيقة، فقد "كان من المفترض -بحسب الاتفاقية- وباعتراف فرنسا وإنجلترا، بأن تلحق بالإمبراطورية الروسية، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، كل من منطقة البوسفور والدردنيل، والقسطنطينية، وجزء من أرمينيا الغربية، تشمل بدليس، وفان، وطرابزون، وأرضروم، ومقاطعة كردستان، والأراضي التي دونها حتى نهر دجلة (..) ما سيشكل مكتسباً هائلاً لروسيا"، بحسب ما أوضح سيمون باغداساروف، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وبلدان آسيا الوسطى.

وهذا يعني أنه لولا الثورة البلشفية لكانت ضمت كل تلك المناطق إلى الإمبراطورية الروسية.

ورأى باغداساروف، أن روسيا خسرت "بالفعل فرصاً هائلة إرضاءً للماركسية وإيديولوجيا كانت آنذاك غريبة عن الشعب الروسي، لذلك أدت إلى الحرب الأهلية الدامية، أي إن روسيا أضاعت فرصة التقدم باتجاه الجنوب نحو البوسفور والدردنيل، وخسرت مطامحها بالسيطرة على القسطنطينية".

وأشار إلى أن "مليوني عسكري روسي قتلوا في الحرب العالمية الأولى، وبالنهاية كان الانقلاب البلشفي حصيلة تلك الحرب (..) وعلى الدوام كان الخطر الأفظع في الإمبراطورية الروسية يتمثل بالعدو الداخلي لا بالعدو الخارجي، بالعدو الذي يثير الفتنة الداخلية"، بحسب الباحث الروسي.

وعلى أي حال، باتت حدود المنطقة مختلفة اليوم -بعد مضي 100 عام على تلك الاتفاقية- عمّا اتفق عليه أطرافها، فالحدود الراهنة شكلت من خلال عملية طويلة ومعقدة من الاتفاقيات والمؤتمرات والصفقات والصراعات التي تلت تفكّك الإمبراطورية العثمانية، وفي أعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى.

ومهما كان ما طمحت روسيا إلى ضمه قبل 100 عام، فإنّها بعد ذلك التاريخ خسرت ليس فقط مليون كيلومتر مربع من الأراضي التي ضمنتها لها الاتفاقية، بل خسرت أيضاً دولاً نالت استقلالها عمّا عرف لاحقاً باسم الاتحاد السوفييتي، وهي اليوم بالرغم من خوضها حرباً ضد الشعب السوري مع حليفها نظام بشار الأسد، وضمها إقليم القرم من أوكرانيا، فإنها أوهن من أي وقت مضى في تاريخها.

ويبقى أهم ما في الأمر أهداف وسائل الإعلام الروسية من بث هذه الوثائق التي تتحدث عن القسطنطينية واستعادتها، والأحلام الروسية في التركة العثمانية، بالخصوص مع تأزم العلاقات بين أنقرة وموسكو، عقب تدخل الأخيرة في الحرب مع الأسد ضد الشعب السوري، وإسقاط تركيا لطائرة حربية روسية تخطت مراراً حدودها وسيادتها.

عن الخليج اونلاين 
بتاريخ الخميس، 23-06-2016

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

الخليج أونلاين

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022