هل الانتخابات الروسية شرعية؟

نسخة للطباعة2024.03.16
عبد الرحمن الشامي

انتخابات صورية

عنوان المقالة يوحي ربما الى ان المقال ربما يتطرق إلى ما فعله بوتن مع المعارضة من قتله أهم معارضيه نافالني تماما كما فعل من قبل مع نيمتسوف وكيف اعتقل الاخرين مثل قرة مورزا او اجبر الباقين على الهروب مثل خاداركوفسكي وناكي وكاسباروف وحتى لوبوف سوبل!
حتى المعارضين للحرب ممن كان يعمل مع النظام نفسه تم اقصائهم مثل المرشحين للانتخابات دانتسوفا وناديجدين بسبب رفعهما شعارات إيقاف الحرب الروسية على أوكرانيا, بل ان هناك معارضة روسية أخرى تمثل من هم مع الحرب الهمجية على أوكرانيا وبقوة لكنهم يعتبرون ان إدارة بوتن فشلت في إدارة الحرب يمثل هذا التيار مجرم الحرب ايغور غيركين الشخص المسؤول عن احتلال دونتسك وجعلها تحت السيطرة الروسية كونه كان قائد العمليات في 2014 حتى هو لم يسلم من السجن!
اذا الحديث أن نظام بوتن نظام دكتاتوري يقتل ويعتقل معارضيه اصبح من نافلة القول, ولا جديد فيه, لا بل ان النوافذ داخل روسيا وخارجها شهدت على حوادث اغتيال لشخصيات من ضمن نظام بوتن نفسه تجرأت ان تحمل فكر مخالف للدكتاتور بوتن حول قضية ما, مثل قضية حرب الروس على أوكرانيا.
ولربما يظن القارئ في هذه الحالة اننا سنتحدث عن طريقة تعديل الدستور الروسي على طريقة مجلس الدمى في سوريا وإعطاء بوتن فرصة جديدة للترشح على الرغم من ان الدستور الروسي ينص على ان الترشح يجب ان يكون لفترتين رئاسيتين فقط, لكني اعتقد أيضا ان هذا الامر اصبح أيضا من نافلة القول يعلمه كل من يعيش تحت نظام دكتاتوري ان عدد الفترات او العمر او غيرها من الأمور الواضحة في الدستور لن توقف قوة دكتاتورية طالما ان مجلس الشعب في البلد ليس الا دمية مهمتها فقط التصفيق للحاكم! بل ان الدستور كله يمكن ان يذهب الى الجحيم وجلب دستور جديد ان تطلب الامر! لا امر يغلو على "سيادة الحاكم".
هنا سيظن القارئ الكريم انني سأتحدث عن التزوير في الانتخابات نفسها واجبار الناس على المشاركة فيها والمخالفات بالجملة بالسماح لمرشح محدد بالإعلان في وسائل اعلام الدولة او ربما الفيديوهات التي أصبحت عادية في روسيا عن وضع الأصوات بالجملة والمخالفات الانتخابية الواضحة! كل هذه الأمور أصبحت عادية ومن نافلة القول ولم تعد تدهش احد! حتى لو اضفنا لها ميزة "التصويت عن بعد" التي جعلت تزوير الانتخابات اسهل بكثير ان كان نظام الدولة دكتاتور والدولة لا تملك أي مؤسسات قادرة بالفعل على مراقبة عملية التصويت.

عن ماذا اذا نتحدث ان كان كل ما سبق أعلاه بالفعل يؤكد ان مسرحية الانتخابات في روسيا لا معنى لها وان النظام استبعد كل من يعارضه وأعاد كتابة القوانين مفصلة على مقاس بوتن واستخدم البنية التحتية للبلد لفوز مرشح بعينه وكلها مخالفات واضح انها تبطل الانتخابات؟

يتميز النظام الروسي عن غيره بانه على الرغم من انه نظام دكتاتوري يحمل عقلية جمهوريات الموز مما يفعله حلفاء روسيا من أنظمة دكتاتورية الا ان نظام بوتن حريص دائما في كل انتخابات على امرين! الشكل القانوني والسمعة العامة! قد تستغرب عزيزي القارئ انه بعد كل ما سمعت هناك حرص أي شكل قانوني والحقيقة ان نظام بوتن متمرس بان الغالبية الساحقة من جرائمه لا يمكن اثباتها بشكل مباشر! دائما يبحث عن شماعة قانونية يبرر بها جرائمه. قتل نافالني في السجن, من يثبت ان الفاعل هو بوتن؟ حتى لو كان كل من يعارض بوتن اما ان يسقط "صدفة" منتحراً من نافذته او يحصل على جرعة من "نوفيتشوك", جرائم الحرب الروسية في سوريا؟ الهيئة الأهم التي يمكن اثباتها لجرائم بوتن وهي الدفاع المدني السوري والمتطوعين من أصحاب الخوذ البيضاء تم نعتهم بالإرهابيين ليتم التأكد تماما ان لا يسمع احد شهادتهم وتم اجبار بشار على توقيع اتفاقية تحمل حصانة كاملة للجنود الروس مهما فعلوا في سوريا! حتى جرائم بوتن في أوكرانيا فان بوتن ينكر هجومه على أوكرانيا عام 2014 ويعتبر ان ما حصل في أوكرانيا "امر داخلي" مع ان قوات فاغنر التي شاركت بقوة معروف انها روسية ناهيك عن ايغور غيركين الذي سبق وتحدثنا عنه أيضا هو روسي والذي كان يسمى ب "وزير دفاع جمهورية دونتسك" كما يسميها اعلام الدكتاتور, اذاً ما الذي اختلف في هذه المرة؟

معضلة دستورية

الاختلاف حقيقاً سببه معضلة دستورية لا يمكن حلها! لا يمكن ان تحصل انتخابات روسية دون تحديد حدود الدولة نفسها اذ ان المفروض حتى يكون الرئيس شرعي ان يتم انتخابه على كافة الأراضي الروسية, قد يقول قائل ها هي انتخابات بشار الأسد حصلت مراراً وتكراراً وهو لا يسيطر على الأراضي السورية! الحقيقة ان الجميع في العالم يعلم ان الانتخابات في سوريا تمثيلية وان بشار الأسد الذي جاء والده بانقلابين عسكريين وجاء هو بنحر للدستور السوري لم يكن يوما شرعيا لكن لا احد يكترث لان سوريا لا تملك الوزن الذي تملكه روسيا ولأن نظام بشار الأسد احد الأنظمة الوظيفية في الشرق الأوسط والتي تسمح للدول الكبرى ان تفعل ما يحلو لها! لذلك لا احد يعبئ أصلا بشرعية الانتخابات! طالما هناك حاكم ما يحمل شرعية حتى لو كانت وهمية امام الأمم المتحدة يخدم مصالح الشرق والغرب فيا مرحبا به.

الحال في روسيا مختلف! روسيا أكبر دول العالم ويفترض ان تظهر على الأقل الانتخابات فيها على انها قانونية لكن الحقيقة مرة أخرى ان أي انتخابات رئاسية يفترض ان تجري على الأراضي الروسية كاملة وان لا يشارك فيها مواطنين غير روس, لكن الغزو الروسي الغير شرعي لأوكرانيا خلق مشكلة غير شرعية في الدولة نفسها اذ لا احد يعلم اليوم حدود الدولة الروسية!
قد يقول قائل انه "وكالعادة" تم تعديل القانون الروسي لضم الاقاليم الأوكرانية الأربعة, لكن المشكلة في هذا القانون انه غير واضح التفاصيل! هل المناطق التي تم ضمها بحدودها الحالية؟ أي حدودها بحسب مناطق السيطرة الروسية؟ ام بحدودها الاصلية بناء على القانون الاوكراني؟ ان كانت بحدودها الحالية فهي أصلا حدود متغيرة وهناك مناطق خرجت من سيطرة الروس بعد الضم وهي الان عادت للسيطرة الأوكرانية أهمها مركز إقليم خيرسون مدينة خيرسون نفسها بالتالي طبعا هي لا تشهد انتخابات روسية لأنها اوكرانية.

اذا المعضلة الأولى كما سبق وشرحنا انه لا يوجد شخص في روسيا بما فيهم فلاديمير بوتن نفسه يعلم ما هي الحدود الروسية الرسمية الحالية! بالتالي كيف يمكنك ان تنظم انتخابات في بلد حدودها غير معروفة وغير معروف من يجب ان يشارك في تلك الانتخابات؟ كيف يمكن لهكذا انتخابات ان تكون شرعية؟ النقطة الثانية هي ان المناطق المشاركة بالانتخابات من ناحية القانون الدولي هي اوكرانية مما يجعل الانتخابات غير شرعية بالضرورة! كيف لمناطق اوكرانية ان تشارك في انتخابات روسية؟ اما من وجهة نظر الروس المؤيدين للحرب فهم يحلمون على الأقل بالسيطرة الكاملة على الأقاليم الأربعة كاملة ويعتبرونها روسية ويفسرون القانون الجديد ان الأقاليم يجب ان تكون بحدودها المتعارف عليها قبل الحرب أي الحدود حسب القانون الاوكراني مما يعني انه وبحسب الروس انفسهم هناك مناطق يدعون انها من روسيا لكنها غير قادرة على المشاركة بهذه المسرحية المسماة انتخابات!
اذا لا من ناحية القانون الدولي هذه الانتخابات تعتبر سليمة ولا من ناحية الروس الداعمين للغزو.

مفارقة قانونية

المفارقة ان حجة روسيا في الهجوم الهمجي على أوكرانيا عام 2014 ما سمته روسيا انقلاباً عندما خرج المواطنين الأوكران للتظاهر ضد الرئيس الاوكراني يانكوفيتش "والتظاهر ضد الرئيس حق قانوني في أوكرانيا يضمنه الدستور نفسه" قبل ان يهرب يانكوفيتش كما هرب بن علي في تونس ويقوم البرلمان الاوكراني المنتخب بحسب القانون الاوكراني بتعيين حكومة مؤقتة ادارت البلاد لحين انتخابات ديمقراطية نتج عنها حكومة اوكرانية منتخبة! كل هذا ومع انه حصل في اطار قانوني وبما يتناسب مع القانون الاوكراني الا ان روسيا تصر على تسميته "انقلاب" متناسية ان روسيا نفسها هي اكبر حليف للأنظمة والقوى الانقلابية سواء في سوريا من خلال دعم البعث وعائلة الأسد ثم في ليبيا بدعمهم حفتر وفي السودان بدعمهم قوات الدعم السريع, الان روسيا نفسها وبعد ان فوت بوتن على نفسه فرصة تأخير الانتخابات لحد نهاية الحرب كي يحاول اظهار نفسه على انه مسيطر على روسيا وقادر على اجراء انتخابات فيها حتى في حالة الحرب, بهذا القرار ينضم وبتاريخ انتهاء هذه الولاية الى حكومات تصريف الاعمال في العالم والتي تسيطر على الدول بوضع اليد لا بقوة القانون
 
في النهاية عندما تقوم قوة بمخالفة القانون بشكل مستمر فأنها بلا شك تقع تدريجيا في معضلات قانونية تفضح تلك الجرائم مهما قامت بتحسين السمعة العامة, هل هذا يعني ان الدول لن تعترف بهذه الانتخابات؟ بالتأكيد ستعترف! هناك دول مستفيدة جدا من النظام الروسي مثل الصين والهند, وهناك أنظمة تدعي انها دول مثل نظام بشار والحكومة الاريتيرية وحكومة كوريا الشمالية وغيرها
بل ان الغرب نفسه الذي يدعي انه مع القانون سيندد بالانتخابات الا انه سيتعامل مع بوتن على انه رئيس في اليوم التالي لان الغرب احرص طرف على ان لا تتمزق دولة نووية كبرى مثل روسيا خاصة وانها محاذية للصين, بالتالي ما سيحصل كالعادة هو بعض التنديد بالانتخابات ثم اعتراف العالم كله بهذه المسرحية يليه تنصيب ل "القيصر" رغم كل جرائمه ينتهي بتخطيط بوتن لتصعيده في أوكرانيا او تخطيط لجرائم حرب أخرى في بقعة جديدة من العالم.

شاهد ايضاً 
الحرب الروسية الأوكرانية في ضوء الانتخابات الروسية ومواقف الغرب بين تهدئة البابا واشعال فرنسا

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022