الغيرة الروسية هي الدافع وراء غزوه لأوكرانيا, بماذا أيضاً صرح بوتن في مقابلته مع تاكر كارلسون

نسخة للطباعة2024.02.10
عبد الرحمن الشامي

لمن كانت المقابلة موجهة؟

تاكر كارلسون اعلامي امريكي سابق في شبكة فوكس نيوز ذات الاتجاه اليميني, كارلسون تحديداً كان يميل للفكر المؤامراتي, يملك جمهور عريض جدا في أمريكا والعالم, اغلب هذا الجمهور يحمل فكرة "التفوق الأبيض" أو من يحارب ما يسمى ب "الدولة العميقة", تاكر نفسه متهم منذ فترة طويلة بانه ممول من روسيا, وقد كان يروج علناً لكل ما تقوله الحكومة الروسية بل أن الحكومة الروسية كانت توجه إعلاميا اذرعها للاستعانة بفيدوهات كارلسون وترجمتها وهو في هذه المقابلة لم يقم بأي سؤال مهم صعب بل كانت مهمته الأساسية إيصال سردية بوتن بالكامل دون مقاطعة او تشكيك, المقابلة كانت بمثابة رسالة مفتوحة للغرب للتصالح مع روسيا لكنه وقع في سلسلة من التناقضات التي تناقض السردية الروسية في الاعلام الروسي او تناقض نفسها او تناقض الواقع! هنا بعض من هذه النقاط:

- كان يجب على الغرب ادخال روسيا في الناتو وليس أوكرانيا: هذه النقطة هي الأهم! سبب الحرب على أوكرانيا هو بالفعل انضمام أوكرانيا للناتو لكن ليس بسبب أمني كما كان يدعي الاعلام الروسي ولكن لان المقابلة كلها حملت عتب روسي على الغرب لانهم لم يقبلوا روسيا في الناتو ولا يريدون التنسيق معها في حين يفعلون ذلك مع أوكرانيا! السبب على ما يبدو هو أن بوتن يغار وينزعج جدا من فكرة أن أوكرانيا التي لا يقبلها  هو كدولة حصلت من الغرب على ما لم يستطع هو تحصيله!

- أكد بوتن بشكل مطول على أن الوجود الاوكراني مشكوك فيه والحدود الأوكرانية بعد الاستقلال غير منطقية ولكن المشكلة هي أن بوتن نفسه في مقابلة مع قناة ألمانية هذا رابطها اكد في عام 2008 على أن لا مشكلة ابدا في حدود أوكرانيا وان كل المناطق الأوكرانية بما فيها القرم اوكرانية بشكل واضح, مما يثير سؤال ساخر, هل كانت تلك المقابلة حينها ليست مع بوتن بل احد اشباهه؟ ام ان بوتن الكبير بالعمر بدأ ينسى هو نفسه ما كان يقوله ويعد به؟

- النزعة القومية الروسية التي تحدث عنها بوتن لفترة طويلة في المقابلة امر جيد ويجب حمايته برأيه اما عند القوميات الأخرى كشعوب القوقاز هي إرهاب: من الواضح ان بوتن الذي تحدث بشكل مطول عن النازية يتجاهل المعنى الحرفي للنازية! اذ انه بنى سردية طويلة على حقوق الشعوب "الروسية" كما سماها في شرق أوكرانيا بالاستقلال في نفس الوقت الذي اعتبر ان أي حركة شبيهة في القوقاز وهي شعوب غير روسية بالمطلق يجب ان تجابه بالحديد والنار! التمييز العنصري الذي يفعله بوتن ويرسخ له هو حرفيا نواة النازية! اذ ان الدول اما ان تقوم على نزعة قومية في حال كانت متجانسة أي من قومية واحدة او ان تكون على أساس المواطنة كما هو الحال في الدول متعددة القوميات! اما ان تكون دولة متعددة القوميات كما هو حال روسيا لكنها ترسل كل تلك القوميات للموت في سبيل حرية مفترضة لأبناء قومية معينة هذا هو لب النازية!

- التعاون الأمني العالمي بين روسيا وأوربا وامريكا هو تعاون جيد للعالم اما في حال لم تكن روسيا ضمن هذا التعاون يصبح فجأة تعاون شرير يجب الخوف منه: أكد بوتن مراراً وتكراراً على انه اقترح تنسيق امني وعسكري مع الغرب لكن الغرب رفض! بل واكد بوتن ان هذا التنسيق (في فترة المشاكل مع ايران) كان ليكون امر جيد جداً! الغريب في ان الاعلام الروسي لطالما يؤكد على ان التنسيق العسكري مع الغرب هو تنسيق شرير امبريالي.

- ما فعله هتلر في غزوه لبولندا في الحرب العالمية الثانية له مبرراته براي بوتن: هذه النقطة الغريبة مهمة لأنها أولا تأكد مرة اخرة ان بوتن لا يملك مشكلة حقيقية مع النازية وثانيا وهي الأهم تدعم النظرية التي تقول ان بوتن في غزوه لأوكرانيا وجورجيا كان متأثر لحد كبير بما فعله هتلر قبيل الحرب العالمية الثانية, يبدو ان هذه النظرية ليس بمستبعدة

- التخبط في سردية وجود أوكرانيا: بغض النظر عن تجاهل بوتن ان مسألة وجود أوكرانيا ظهرت مع ظهور كييف نفسها وكيان كيفسكا روس الذي سبق وجود روسيا "مملكة موسكوفيا" بفترة طويلة الا ان بوتن أراد إحالة مسالة وجود أوكرانيا الى انها منتج سوفيتي! في نفس الوقت أكد بوتن على الرسائل الدبلوماسية التي كانت أوكرانيا ترسلها لبولندا والدولة العثمانية في القرنين الثالث والثامن عشر في تخبط واضح!

- اكد بوتن اكثر من مرة ان ما سماه بانقلاب في أوكرانيا عام 2014 "هروب يانكوفيتش من قصره" امر غير مقبول وغير دستوري ولا ديمقراطي بنفس الوقت التي تدعم روسيا أنظمة انقلابية ودكتاتورية كما هو الحال بدعمهم خليفة حفتر وبشار الأسد

- تحدث بوتن عن ان المشكلة في ان أوكرانيا خسرت حيادتيها! علما ان أي بلد في العالم يحق لحكومته ولشعبه ان يختار اتجاهه واحلافه "وهذا ما كانت تقوله روسيا نفسها عن تدخلها العسكري في سوريا" ويتناسى أن أوكرانيا غيرت من حيادها تجاه روسيا كنتيجة مباشرة لدخول القوات العسكرية الروسية أولا الى القرم وثانيا الى الدونباس

- تحدث بوتن اكثر من مرة انهم لم يبدؤوا الحرب في الدونباس وهذا امر غير صحيح ولا منطقي! لماذا تحارب أوكرانيا مدينة اوكرانية تحت سيطرتها؟ وكيف يبرر بوتن وجود عناصر فاغنر ومن قبلها قوات المواطن الروسي ايغور غيركين في الدونباس قبل أي عملية عسكرية من طرف كييف هدفها كان اخراج تلك العناصر الروسية

- تحدث بوتن باسم شرق أوكرانيا اكثر من مرة واعتبرهم روس وانهم يحبون روسيا مع ان الأوكران في شرق أوكرانيا صوتوا لصالح الانفصال عن الاتحاد السوفيتي بنسبة كبيرة جدا في استفتاء 1991 وهذه هي النقطة الأهم التي تجاهلها بوتن! لم يكن الاستقلال هبة! بل هو قرار الشعب بغالبيته بنسبة وصلت اقلها في الدونباس الى ما يتجاوز 80% ووصلت في مدن أخرى الى ارقام تتجاوز التسعين بالمئة (راجع الخريطة المرفقة)

- تحدث بوتن عن "الفاشية" في أوكرانيا ومحاربتها علما أن روسيا لا تخفي دعمها للأحزاب اليمينية العنصرية الفاشية في اوربا خاصة في فرنسا وألمانيا وبولندا بل ان كثير من هؤلاء الفاشيين هم من جمهور تاكر كارلسون نفسه

 الغريب أيضا انه استعان بقصة حصلت خطأً في البرلمان الكندي وتعمد إخفاء ان كندا اعتذرت عن الخطأ وأوردت صراحة انه خطاً غير مقصود وانهم لم يكونوا يعلمون ان الشخص المدعو نازي لكن بوتن نسي او تناسى انه كان يعتمد على النازيين في قيادة كتائبه كحال دميتري اوتكين المؤسس الفعلي لفاغنر بل وانه يملك وحدات نازية كاملة كوحدة "روسيتش" بل حتى في قياداته السياسية يملك عناصر نازية كحال المدير السابق لوكالة الفضاء الروسية دميتري راغوزين والذي للمفارقة تم تعيينه للإشراف على إعادة بناء المناطق المحتلة في اوكرانيا

-بوتن مستعد للتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي والأمني مع الغرب في أي لحظة! حرب بوتن ليست كما يدعي اعلامه ضد "الغرب الجمعي" مما يوضح ان حربه هي ضد أوكرانيا تحديداً

- من الواضح ان بوتن لا يعترف بالانتخابات الأوكرانية وبنتائجها ويعتبرها نتائج لما سماه الانقلاب مع انها انتخابات حرة على عكس ما يحصل في روسيا نفسها في نفس الوقت التي يحمي نظام بوتن كثير من الأنظمة الانقلابية في العالم والتي جاءت على ظهر الدبابات!

- ان صدقنا السردية الروسية فأن الحكومات الروسية لطالما وقعت في نفس الفخ الدبلوماسي من خداع من طرف الغرب واكثر من وقع في هذا الفخ هو بوتن نفسه! الحقيقة هذا الادعاء صادم لأنه أن كان حقيقيا يظهر ان حكومة اكبر دولة في العالم لا تفهم الف باء السياسة ولا تعرف ان أي اتفاق لم يتم التوقيع عليه لا يحمل أي قيمة! حتى لو افترضنا ان أي قيادة سياسية أصبحت من النزاهة بانها تحترم "كلمتها" بمجرد انتهاء فترتها في الحكم ووصول حكومة أخرى هي حرفيا غير معنية بالاتفاقات الشفهية التي قامت بها أي حكومة سابقة! إصرار بوتن على هذه السردية غريب جداً! بل والاغرب ان روسيا تنصلت من اتفاقات دولية مكتوبة وموثقة أهمها اتفاق بودابست! إصرار بوتن على اظهار حكومته على انهم سذج يقعون في فخ الغرب مراراً وتكراراً امر يناقض تماما فكرة "ثعلب المخابرات" التي يحاول جهاز البروباغاندا الروسي التسويق له

المحصلة

في النهاية وحتى مع هذه التناقضات لابد من الاعتراف بأن المقابلة نجحت وان بوتن أوصل صوته للجمهور اليميني في الغرب, رسالته بشكل عام كانت ان روسيا احق بالانضمام لمعسكر الغرب من أوكرانيا وانها مفيدة في المجال الأمني والعسكري والاقتصادي وحتى الطاقة وانها ليست خطر بشكل من الاشكال على الغرب وأنه دائما وابدا مستعد للتفاوض مع الغرب والوصول الى اتفاقيات جديدة وان الدافع في الغالب هي الدولة العميقة والسياسيين الحاليين في رسالة الى جمهور كارلسون انه في سبيل الى عالم ابيض امن يعيش رخاء اقتصادي لابد من اسقاط الحكومات الحالية والتفاهم مع روسيا وهي رسالة بالأصل تلقى رواجاً كبيراً عند جمهور كارلسون

بالمناسبة الغرب نفسه كان يرى بالفعل في بوتن شريك له وهو صديق مقرب من جورج بوش الاين وتوني بلير وقد تم اشراك بوتن في مجال "محاربة الإرهاب" ولروسيا اسهامات كبيرة في حرب الناتو على أفغانستان وشعبها, لكن الغرب بدأ يبتعد عن بوتن عندما ظهر كشخص لا يمكن الوثوق فيه بعد تكرار بوتن لعدم احترام اتفاقياته ولا وعوده كما حصل في جورجيا وبعدها في أوكرانيا مراراً وتكراراً لربما اخر تلك الوعود هي تكرار لافروف ان روسيا لن تغزو أوكرانيا وان ما يحصل تدريبات عسكرية قبل أيام معدودة من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا

بالمقابل بدد بوتن أوهام مؤيديه في الدول النامية من انه الرجل الذي سيقف في وجه الغرب وفي وجه نظام العالم ويغيره! بوتن لا يريد اسقاط القوى المهيمنة في العالم! هو يريدهم ان يشركوه معهم ويكون لهم قوة مساعدة في استمرار الهيمنة على العالم.

 

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022