اسرائيل تقع في الفخ الذي حفرته

صورة لتظاهرة لدعم فلسطين من العاصمة البريطانية لندن
نسخة للطباعة2023.11.17
عبد الرحمن الشامي

مع بداية الربيع العربي وسقوط الطواغيت واحداً بعد الأخر واحتجاجات الشعب المصري امام السفارة الإسرائيلية, ادركت إسرائيل ان عليها العمل جدياً على حل هذه المشكلة وان الجيل العربي الشاب في حال إعطائه الحرية لن يكون سعيداً جدا بوجود "جار" يقوم بعمل جرائم حرب يومية بحق اخوته في فلسطين, من هنا عملت إسرائيل على ثلاث محاور أساسية الأولى محاولة غريبة بالتركيز على الشباب العربي على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال وجوه إعلامية إسرائيلية ناطقة بالعربي مثل صفحة افيخاي ادرعي وإسرائيل بالعربية وغيرها
لم تكن إسرائيل منزعجة من الغضب العربي على هذه الصفحات, ما يهمهم هو استمرار التواصل تمهيدا للخطوة التالية.

صفقة القرن واستبدال الشباب العربي

الخطوة التالية وهي الأهم تسريع التطبيع مع وجود الكيان الإسرائيلي واعتباره امر واقع عن طريق صفقة القرن! الهدف كان ازلة العوائق القانونية لدى الشعوب ولدى الحكومات واعلامها لمزيد من تطبيع العلاقات ومن ثم تصبح الصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية ليست متحدث باسم احتلال او مجرم حرب وانما وجهة نظر في خطة طويلة لتغيير تفكير الشارع العربي عن إسرائيل, كذلك فأن مشروع البيت الابراهيمي كان يحتفى به على أساس خطوة كبيرة في اتجاه تطبيع كامل للأجيال القادمة
لكن هناك مشكلة كبيرة! هذا الجيل الذي اقترب من طعم الحرية لا يبدو انه مقتنع بان مجرمي الحرب في الكيان المحتل يملكون أي رغبة في السلام, لذلك كان على إسرائيل ان تساعد وبقوة أولا على قبر مشروع الربيع العربي من خلال دعمها للقوى الدكتاتورية والانقلابات للعودة الى واقع ما قبل الربيع العربي من جهة وأيضا كانت سعيدة لنزوح قسم كبير من الشعوب العربية من أراضيها بما فيهم قسم كبير من السوريين والفلسطينيين والعراقيين واليمنيين وغيرهم, خاصة ذلك الجيل الذي يتذكر طعم الحرية مع مرحلة الربيع العربي, هذا الجيل يشكل خطراً على إسرائيل لأن من ذاق طعم الحرية يصعب كبح جماحه من تكرار التجربة! في تلك المرحلة كان يبدو ان تهجير هؤلاء هو الحل الأمثل للأنظمة الدكتاتورية من جهة ولإسرائيل من جهة أخرى
 
هنا بالضبط كان الخطأ الأكبر التي وقعت فيه إسرائيل, ان تهجير الشباب العربي الحر الى اوربا صحيح من ناحية ابعدهم عن الكيان ولكن من ناحية ثانية اعطى فرصة لهذا الجيل بالاندماج مع الشباب الأوربي والتعايش معا ليدمر السردية الإسرائيلية لعقود القائمة على الفكرة العنصرية بأن العرب "بربريين" فها هو الشباب العربي يدخل الجامعات الاوربية ليستفيد من علمها ويثبت للجميع انه قادر على المنافسة فيها وفي سوق العمل الأوربي من ناحية ويبني علاقات اجتماعية قائمة على الاحترام المتبادل في كثير من الأحيان
ما يجعل وضع إسرائيل اسوء هو ان بروباغاندا الكيان كانت تقوم على مبدأ جهل الجمهور الأوربي باللغة العربية وبتفاصيل ما يحدث لتصبح السردية الإسرائيلية هي السردية الوحيدة في الاعلام الغربي حتى لو كانت قائمة على الكذب الواضح مثل كذبة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي وهو يقول ان أيام الأسبوع هي أسماء ل "إرهابيين" كما رأينا في فيديو مشفى الشفاء, وجود كمية كبيرة من المهاجرين العرب صعبت مهمة الكذب بشكل اكبر بكثير.

أيضا وجود جالية قوية عربية او إسلامية زاد وعي الشعوب الاوربية بما يحصل في فلسطين وذكر بالسبب الرئيسي للمشكلة الا وهو الاحتلال وزاد الامر سوءً ان عقلية الإدارة الإسرائيلية هي عقلية قديمة متحجرة لا تفهم كل متغيرات الواقع يقودها يميني متطرف كان يظن انه لو زاد من الإبادة الجماعية فسوف يغفر له جمهور إسرائيل فشله الأمني لكن الواقع ان الانتقام الجماعي المسعور من أهالي غزة لم يمر دون خسارة كبيرة إعلامية لإسرائيل لإنها فضحت وجههم الحقيقي خاصة مع استمرار سيل التحريض العنصري ضد العرب والمسلمين من مسؤولين ومتحدثين إسرائيليين

الخطة الإسرائيلية البديلة

الخطة البديلة اليوم هي محاولة نزع البشرية عن من يتظاهر ضد إسرائيل, هذه الاستراتيجية تؤكد ضعف الفهم الاستراتيجي للقيادة الإسرائيلية لما يحصل! ان التهجم على من يتظاهر ضد جرائم إسرائيل لن يزيدهم الا غضباً, يبدو ان إسرائيل لم تعد تفهم ان كثرة الضغط يؤدي الى الانفجار! لقد اصبحنا نرى كثير من الأصوات الاوربية يستفزها طريقة إسرائيل في ترهيب من يختلف عنهم ومحاولة تكميم الافواه لتجد في ما يحصل الان في فلسطين فرصة للتحرر من الضغط الإعلامي الإسرائيلي وفضح الماكينة الإسرائيلية بشيطنة كل من يختلف عنهم!
وهنا نرى ان إسرائيل وقعت في الفخ الذي نصبته! من ناحية تهجير الشباب العربي الحر عاد عليها وبالا وبتنا نرى تغير كبير في رأي الشارع العالمي لمصلحة إسرائيل أيضا من ناحية أخرى الضغط الرهيب على فرض السردية الإسرائيلية اصبح مستفزاً حتى لمن كان بالأمس القريب يرى إسرائيل على انها هي الضحية
في النهاية يبدو ان المقولة العربية الشهيرة "حبل الكذب قصير" تتأكد يوماً بعد يوم! مهما طال زمن اسطورة الكذب الإسرائيلي فأن أفعال إسرائيل نفسها كفيلة بفضح الكذب والنفاق الذي يمارسه مجرمي الحروب

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022