حرب الروس المزعومة على الفاشية

النازي ميلشاكوف الذي يشارك في العمليات العسكرية بدعوى "تحرير المدن الاوكرانية من النازية" قائد جماعة روستش النازية المسلحة
نسخة للطباعة2023.01.28
عبد الرحمن الشامي

مع بداية الغزو الروسي على أوكرانيا كانت وما زالت اهم السرديات الروسية المبررة لهذا العدوان هو حجة "الحرب على الفاشية" وعلى الرغم من أن هذه الحجة تلقى تعاطف قوي كبير بين الروس وحتى بين كثير من الأجانب المتعاطفين معهم لأنها تعيد في الذاكرة كيف حارب الاتحاد السوفيتي الى جانب الحلفاء في حربهم ضد الفاشية الا ان الكثير من التفاصيل تكشف تفاصيل مرعبة عن كمية الفاشية التي تعاني منها روسيا نفسها سواء في حقبة الرئيس الحالي بوتن او ما سبقها واننا بالفعل امام حرب فاشية معلنة على الشعب الاوكراني ولنبدأ بالتفاصيل:

في البداية لا يمكن انكار وجود بقايا محدودة عنصرية في بعض المدن الأوكرانية لكن بعد دراسة عميقة نجد ان اغلب هؤلاء موجودين في محافظات اقرب لروسيا وغالبا ممن هم من أصول روسية! حيث انه وقبل الاحتلال الروسي لمدينة دونتسك على سبيل المثال كان هناك تواجد محدود لحليقي الرأس او ما يسمى "سكين هيدز" ولكن الملفت اكثر للنظر هو ان هذا الامر غير مقتصر على أوكرانيا بل لو ذهبنا الى باقي الدول الاوربية لوجدنا كثير من أعضاء الأحزاب اليمينة هم من أصول روسية خاصة في المانيا على سبيل المثال! الأكثر من ذلك أن الأحزاب اليمينة نفسها هي تحت دعم سياسي وتمويلي من موسكو أحيانا بشكل مخفي واحيانا بشكل معلن كما هو حال حزب البديل في ألمانيا وحزب ماري لوبان في فرنسا!
الملفت للنظر ان هذه الأحزاب لا تخفي تعاطفها مع الروس ولا مع حلفاء الروس كبشار الأسد اذ ان كل من لوبان في فرنسا وحزب البديل في المانيا من جهة وجماعة ال "كي كي كي" المعروفة بالعنصرية ضد السود في أمريكا من خلال قائدها الروحي ديفيد ديوك ابدوا علنا دعمهم للروس ولبشار الأسد بل وبعضهم لم يخفي فرحه بسبب إبادة بشار الأسد حوالي مليون سوري مما يتقاطع علناً مع اجندة هذه الأحزاب في إبادة من هم غير البيض الأوربيين لدرجة تغني بعضهم ببراميل الأسد التي يرميها فوق الشعب السوري الأعزل.
حتى اكثر الناس عنصرية في امريكا من اكثر الناس تشدداً في الاتجاه الجمهوري وجماعة ترامب الذين يتكلمون علناً ان الاوربيين لهم الاولولية في امريكا واعلامهم ممثلا بقناة فوكس نيوز وخاصة مذيعها الاكثر شعبية تاكر كارلسون المشهور بعنصريته هم جميعا منحازون للرواية الروسية ولنظام بشار الاسد بل ان هناك تقارير تتحدث عن احتمال تمويل من روسيا لاعلام هذه الجماعات وخاصة كارلسون المذكور من قبل. 
حتى من وصل للحكم من أحزاب يمينية هم في الغالب اقرب لروسيا كما هو الحال على سبيل المثال في المجر ورئيس وزرائها اوربان المعروف بعنصريته الشديدة ومن قبله سيلفيو بيرلسكوني.

النقطة الثانية هي ان جماعات "السكين هيدز" موجودين بالفعل في روسيا وتنشط الحركات الفاشية في روسيا بشكل كبير بل الأكثر من ذلك عدد كبير من مقاتلي روسيا في الحرب الحالية هم من النازيين علناً كحال أليكسي ميلشاكوف القائد الروسي العسكري المتطوع بل اكثر من ذلك فقد عين بوتن المدير نائب رئيس وزرائه روغوزين على الأراضي التي احتلها الروس في أوكرانيا علما انه كان رئيس لحزب "رودينا" الروسي القومي بينما روغوزين شخصيا كان حريص على أداء التحية النازية بكل وقاحة ويعترف بميله للاتجاه النازي.
الأكبر من ذلك ان كتائب "فاغنر" مؤسسها أيضا نازي بل وسماها باسم "فاغنر" تيمناً بالموسيقار المفضل لهتلر في إشارة واضحة لمدى رسوخ الفكر النازي عنده!
العنصرية في روسيا منتشرة بشدة ويمكن مشاهدتها حتى في الشارع! يسمي الروس البيض الروس من باقي الأعراق بتسميات مهينة جدا غالبا تذكر على سبيل الدعابة لكنها تملك حس عنصري بحت من تسميات لا يمكن وضعها في هذا المقال لان بعضها خادش للحياء ومهين بدرجة كبيرة! بشكل عام فأن الثقافة الروسية ثقافة عنصرية تميز عرق عن عرق بشكل كبير اذ على الرغم مما هو يبدو من انفتاح الروس الا ان المجتمع الروسي حريص على تحري أصول الشخصي الذين يتعاملون معه ليتعاملوا معه بناء على صورة نمطية معينة فيحذر الروس من التعامل مع اليهود لانهم "مخادعين" كما تصور الصورة النمطية الروسية ويعتبر الروس أهالي دول البلطيق بلداء وأهالي القوقاز همجيين ... الخ من الصور النمطية المؤذية جدا والتي هي موجودة في الثقافة ويرسخ لها الاعلام الروسي حتى الرسمي منه من خلال الأفلام والمسلسلات.
البعد الأهم على الاطلاق هو ان حرب روسيا في أوكرانيا هي حرب فاشية بامتياز! اذ انه  قبيل الحرب قام بوتن نفسه بكتابة مقالة طويلة يشرح فيها لماذا لا يجب ان يكون هناك كيان اسمه أوكرانيا وحتى مع بداية الحرب اعلن ان أوكرانيا هي صناعة سوفيتية "كذبة كبيرة لكن بوتن يرددها بشكل دائم لتبرير ابادته للشعب الاوكراني" ويستمر الاعلام الروسي دون كلل او ملل يردد ان الملف الاوكراني يجب ان يغلق للابد بأنهاء أوكرانيا ولا يجب ان يكون هناك وجود لأوكرانيا! بل حتى المتحدثين الروس الرسميين أكثر من مرى استخدموا لفظ "لما يسمى أوكرانيا" وكأن وجود القومية الأوكرانية امر مشكوك فيه ومحل نقاش! هذا الطرح نفسه طرح نازي بامتياز! طبعا هذه ليست المرة الأولى التي يحارب الروس فيها عرق كامل ويحاولون إبادة كيان فقد حاولوا إبادة الهوية الاشكيرية في الشيشان وشردوا ونكلوا بالتتار في القرم ومن قبل ذلك كله نكلوا وهجروا الشركس! تاريخيا روسيا كانت قائمة على إبادة وطرد الأعراق المختلفة وهذا امر ثابت في سياستهم مع الشعوب المحتلة! حتى ان ستالين حاول اختراع إسرائيل قبل ان توجد بتحديد إقليم لليهود في روسيا واجبارهم على العيش فيه "الأوبلاست اليهودية الذاتية" ولكن المشروع لم يكتب له النجاح.

من الواضح اذاً ان السردية الروسية قائمة على الكذب! لم يقتل احد الروس في أوكرانيا لانهم من أصول روسية هم يعيشون حتى اللحظة في أوكرانيا وبعضهم يحارب الروس ضمن صفوف المتطوعين في الجيش الأوكراني ويصرحون بذلك علناً! لم يتم منع اللغة الروسية كما تكرر وسائل الاعلام الروسية هذا كلام كذب محض القانون الاوكراني يعطي الأفضلية للغة الأوكرانية وهو امر طبيعي بل ومطلوب في أي دولة وغير متوقع العكس! وبينما يوجد الكثير من المدارس في أوكرانيا التي كانت تدرس باللغة الروسية يصعب جدا وجود مدارس باللغة الأوكرانية في المدن الروسية على الرغم من أن الجالية الأوكرانية من اكبر الجاليات في روسيا! لذلك روسيا كالعادة تقع في كذب ومغالطات واضحة!
في النهاية بينما تدعم اغلب القوى الديمقراطية في العالم الشعب الاوكراني في حربه لنيل الحرية من الروس نجد الروس مدعومين صراحة من القوى المتطرفة والسياسيين العنصريين من أمثال اوربان وبيرلسكوني وحلفائهم كالاسد مدعومين بأكثر الناس تطرفا مثل لوبان وديفيد ديوك! ونجد ان اغلب الأحزاب اليمينية في اوربا تردد الدعاية الروسية مما يدل بشكل واضح من هو الطرف الفاشي في هذه الحرب!

 

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022