كيف يمكن استخدام السلاح السيبراني في الأزمة الروسية الأوكرانية؟

نسخة للطباعة2022.02.22
خالد وليد محمود

تعدّ الهجمات الإلكترونية التي تشنّها دولة ضد دولة أخرى سمة متكررة في الجغرافيا السياسية للقرن الـ21، في حين أن الرؤى السابقة لـ"الحرب الإلكترونية" لم تتحقق بعد، فقد استخدمت الحكومات الهجمات الإلكترونية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية على نحو أسرع وأكثر فعالية وبتداعيات أقل مما هو ممكن من خلال الدبلوماسية التقليدية أو العقوبات الاقتصادية أو حتى العمليات العسكرية.

ولطالما أدى استخدام الهجمات الإلكترونية إلى تدهور وتعطيل البنى التحتية الحيوية للعديد من الدول، وإرسال الرسائل السياسية، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية حتى أضحت هذه الظاهرة أكثر شيوعًا في العلاقات الدولية.

اليوم تشهد الساحة الدولية تصاعدا للتوتر في العلاقات الروسية الأوكرانية، وكما هو معروف لقد قُرعت في السنوات العشر الماضية طبول الحرب، بين البلدين تارة، وبين روسيا ومعسكر الغرب الداعم لكييف تارة أخرى، ولكن طوال هذه الفترة ورغم تعظيم إمكانات اندلاع شرارة المعركة، بحكم كثرة الأزمات والتوترات الرئيسة والفرعية فإن المشهد لعمل عسكري حقيقي لم يتطور، في حين كان الأثر واضحا باستخدام هجمات كان هدفها شلّ الأنظمة المالية والبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا.

المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية، أو ما يعرف اختصارا بـ"CAPI" -الذي ابتكره أنطون داهبورا المدير التنفيذي لمعهد "جونز هوبكنز" لأمن المعلومات مع خبير الأمن السيبراني والشؤون العالمية تيري طومسون المحاضر في وكالة الاستخبارات الباكستانية- تنبّأ بالهجمات السيبرانية التي شُنّت أخيرا على المصالح الأوكرانية، كما حدث في هجوم "NotPetya" لعام 2017 الذي شنّته روسيا ضد شركة برمجيات أوكرانية تسببت في خسارة المليارات من الدولارات جرّاء الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي.

يعتمد المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية (CAPI) على نظام تسجيل من 5 أجزاء يسعى إلى فهم أفضل لسبب انخراط الدول في الصراع السيبراني ويكون بمنزلة مقياس للتنبؤ بالهجمات الإلكترونية المستقبلية.

مع استمرار نمو الأمن السيبراني باعتباره جانبًا مهمًا من جوانب الأمن القومي، ومع تزايد أهمية الهجمات الإلكترونية كإجراءات هجومية، من المهم بشكل متزايد معرفة كيفية فهم الدول اليوم للإجراءات الهجومية والدفاعية السيبرانية وإعطاء الأولوية لها وآثار هذه الآراء على الأمن الدولي، وفهم كيف تؤثر الأحداث التي تقع في العالم اليوم على احتمال الصراع السيبراني.

وبالرجوع إلى التوتر الروسي الأوكراني، يقوم المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية بفحص وتعيين درجات المخاطر في 5 فئات: وجود قوة سيبرانية منظمة وواعية، الدوافع المحتملة لمهاجمة الهدف، عدم الخوف من التداعيات، اتساق الهجوم الإلكتروني مع إستراتيجية الأمن القومي الشاملة للبلد، نقاط الضعف التكنولوجية في الهدف، والنتيجة كانت ارتفاع درجات الخطر بين روسيا وأوكرانيا إلى أعلى مستوى ممكن، وهي درجة 25 من أصل 25، وتشير هذه الدرجة -حسب المؤشر- إلى التوغل الروسي المحتمل في أوكرانيا وإلى تاريخ روسيا في الهجمات السيبرانية الناجحة على الحكومة الأوكرانية والبنية التحتية الحيوية، بالإضافة إلى ممارسات الروس المستمرة لتجربة تقنيات القرصنة الجديدة.

السؤال: كيف يمكن أن يبدو الهجوم الإلكتروني الروسي على أوكرانيا؟ وهل هناك سمات مميزة لكيفية استخدام روسيا للحرب الإلكترونية؟

ثمة نموذجان يمكن القياس عليهما لكيفية وقوع هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا: التوغل في جورجيا عام 2008، واحتلال شبه جزيرة القرم عام 2014. وفي كلتا الحالتين، كانت العمليات العسكرية الروسية على الأرض مسبوقة بمعلومات مضللة في وسائل التواصل الاجتماعي والمنشورة وهجمات الحرمان من الخدمة على شبكات الكمبيوتر. تم تحديد هذا النهج في العقيدة العسكرية الروسية التي تصف الحاجة إلى تنسيق الأنشطة العسكرية وغير العسكرية بما في ذلك الحرب السياسية والاقتصادية وحرب المعلومات، واستخدام قوات العمليات الخاصة لإثارة المعارضة الشعبية لحكومة الخصم. وقد أطلق المحللون الغربيون على هذا النهج اسم "الحرب المختلطة"، واستخدمته روسيا بنجاح في احتلال شبه جزيرة القرم.

وحسب المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية (CAPI)، فإن لدى روسيا خبرة في الهجمات السيبرانية وبث الدعايات والرسائل التي يمكن أن تؤثر على  استقرار الحكومة الأوكرانية، ولطالما استخدمت موسكو المعلومات المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي والهجمات الإلكترونية المتقطعة على شبكة الكهرباء الأوكرانية. لقد شنوا هجمات إلكترونية قصيرة ولكنها خطيرة على شبكة الكهرباء في عامي 2015 و2016، وذلك يشير إلى أنهم يعرفون كيفية استغلال نقاط الضعف في البنية التحتية لأوكرانيا. وفي الفترة التي تسبق التوغل الروسي، من المرجح أن تتسبب الهجمات الإلكترونية في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، فضلًا عن الهجمات على البنية التحتية الحيوية الأخرى التي تدعم حكومة أوكرانيا واقتصادها، وقد وصفت التقارير المنشورة الجهود الروسية لبذر الاضطرابات الشعبية بوسائل مختلفة. كل هذا يشير إلى أن روسيا تستخدم قواعد اللعبة نفسها التي استخدمتها في جورجيا وشبه جزيرة القرم.

المعروف أن القدرات السيبرانية تستخدمها الدول كأداة لإدارة علاقاتها الدولية، وترى أن أهم وظيفتين تؤديهما الهجمات السيبرانية هما: إعادة تشكيل الأوضاع الجيوسياسية عبر تحقيق أهداف الدولة بشكل مباشر، بالإضافة إلى ما يطلق عليه "الإشارة"، أي إرسال إشارات إلى الخصم لدفعه إلى تغيير سلوكه بدلًا من المواجهة العسكرية المباشرة.

ويدرك المختصون أهمية الهجمات السيبرانية في اختراق البيانات وأجهزة الحاسوب المتصلة، ونظم الشركات الإستراتيجية والحيوية للبنية التحتية، كالبنوك وشركات الطاقة والمياه والكهرباء والاتصالات والسدود والقنابل النووية والأقمار الصناعية، فكل ما هو متصل بالشبكة العنكبوتية قابل للاختراق والتحكم، فضلا عن أن أهم ميزات الهجوم السيبراني صعوبة تحديد مصدر الهجمات، وقد تمتد هذه الهجمات لتتعدى مصالح أوكرانيا ودول حلف الناتو، فمجموعة صغيرة العدد من "الهاكرز" أصحاب القدرات العالية يمكنهم فعل ما لا تفعله جيوش كاملة، وقد أظهرت موسكو بالفعل أنها قادرة على شن هجمات لها أثر كبير في الفضاء السيبراني وأرض الواقع في الوقت نفسه.

تعدّ روسـيا من أوائل الدول التي اسـتغلت الفضاء السيبراني في المجال العسـكري، واهتمت بالبحث والتطوير لزيادة قدراتها الهجومية في هذا المجال. وتعتمد الإستراتيجية الروسية في نزاعها مع أوكرانيا على الأسلحة الإلكترونية الهجومية باعتبار أنها قوة مضاعفة في الحروب، بمعنى أنها تزيد من القدرات القتالية للدولة إذا ما استُخدمت إلى جانب قدرات عسكرية أخرى، كما تعتمد هذه الإستراتيجية على محاولة تعطيل البنية التحتية المعلوماتية للخصم والاتصالات المدنية والعسكرية له قبل الشروع في العمليات العسكرية، وأبرز مثال على ذلك تلك الهجمات التي اتهمت موسكو بشنّها في عام 2008 على جورجيا قبل توجيه ضربة عسكرية ضدها.

لقد استُهدفت أوكرانيا أخيرا بهجمات سيبرانية عدة، في ظل تصاعد التوتر بين كييف وموسكو، فالسلاح السيبراني موضوع العديد من الأسئلة لأنه جديد تماما في اللعبة الجيوسياسية، والأخطر فيه أنه على عكس الحروب العسكرية القديمة، لا يعترف بالحدود، ويمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة بسهولة وينتشر بسرعة في جميع أنحاء المعمورة، وذلك قد يتسبب في خسائر بمليارات الدولارات في العالم بأسره.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

الجزيرة

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022