كشفت بيانات ملاحية جوية حصلت عليها وكالة "سند" للرصد والتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة عن تنفيذ دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) والسويد أكثر من 225 رحلة جوية باستخدام طائرات استطلاع عسكرية متقدمة فوق أجواء شرق أوروبا منذ بداية العام الجاري، وذلك لرصد الحشود العسكرية الروسية المتمركزة بالقرب من الحدود الأوكرانية.
رغم أن الحشود العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية بدأت منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلا أن وتيرة التحذيرات الأميركية والغربية عموما من هجوم روسي على أوكرانيا تصاعدت بشدة وبصورة مفاجئة في الأيام الماضية، وسط تكهنات عديدة بشأن موعد الغزو الروسي المحتمل.
ولم تكتف الدول الغربية بالتحذيرات الكلامية، بل أتبعت تصريحاتها بقرارات إجلاء لدبلوماسييها من كييف، ومطالبة رعاياها بمغادرة أوكرانيا فورا، بسبب مخاوف وقوع الغزو في أي لحظة، كما كثفت من إرسال مساعداتها العسكرية إلى أوكرانيا، تزامنا مع تأكيدها أن القوات الروسية أصبحت في مواقع متقدمة وهجومية.
ولا تزال الإدارة الأميركية تتوقع احتمالية الهجوم الروسي على أوكرانيا، في الوقت الذي جرى فيه الحديث عن عودة بعض القوات الروسية من الحدود الأوكرانية، وهو الأمر الذي يناقض تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ بأنه لا يتوفر أي مؤشرات على أن موسكو تسحب قواتها.
وقوبلت التحذيرات الغربية بنفي روسي متكرر، إلا أن هذا النفي لم يحسم أو يفند الادعاءات بشأن الغزو، حتى أن الجانب الأوكراني أبدى استغرابه هو الآخر من تلك التصريحات، وطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إمداده بأي معلومات عن موعد الغزو الروسي، في إشارة إلى أن بلاده لا تملك المعلومات التي بحوزة دول حلف الناتو.
فما الأسباب التي دعت الغرب إلى فعل ذلك؟
هناك العديد من السيناريوهات التي يتحدث عنها الخبراء والمحللون، منها أن واشنطن ربما تحاول استدراج موسكو إلى الحرب دون رغبة من الأخيرة، والتي من المحتمل أن تكون حشودها العسكرية في إطار التهديد ليس إلا، ولذلك ستهتز صورتها عالميا عندما تقرر عدم الهجوم.
لكن السيناريو الآخر هو الأخطر، إذ يفترض أن الغرب لديه معلومات دقيقة عن التحركات العسكرية الروسية، وخطط موسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فكيف يمكن التوصل إلى تلك المعلومات في ظل تكتم الجانب الروسي الشديد عن نواياه، وفرضه ما يشبه الستار الحديدي على ما يحدث داخل أروقة الكرملين، وعلى ما يدور في ذهن بوتين كذلك؟
من المرجح أن المعلومات التي بحوزة الغرب جمعت على مدار الأيام والأسابيع الماضية من خلال عدة طرق، منها استخدام طائرات الاستطلاع المتقدمة التي تمتلكها دول الناتو، بالإضافة إلى دول أخرى غير أعضاء بالحلف مثل السويد، والتي تتمتع بقدرات عالية على الرصد وجمع المعلومات.
وقد ارتفعت وتيرة عمل طائرات الاستطلاع التابعة للناتو وللسويد في منطقة شرق أوروبا، إذ تجاوزت 225 رحلة استطلاع منذ بداية العام وحتى منتصف فبراير/شباط الجاري، وتهدف رحلات الاستطلاع إلى جمع معلومات عسكرية بصورة دقيقة.
وقد حللت وحدة التحقق والرصد بشبكة الجزيرة (سند) جميع تلك الرحلات، واستطاعت الوصول إلى بيانات دقيقة عن نوعيات طائرات الاستطلاع المستخدمة، بالإضافة إلى قدراتها التفصيلية والمساحة التي تستطيع رصدها، وكذلك المسارات التي اتبعتها كل رحلة وطبيعة المعلومات التي يمكن أن تجمعها.
6 أنواع من الطائرات الاستطلاعية
ومن خلال تحليل البيانات الذي أجرته "سند"، يمكن القول إن الدول الغربية استخدمت 20 نوعا من الطائرات الاستطلاعية في الرحلات التي بلغ عددها 225 رحلة في 45 يوما منذ بداية العام حتى منتصف فبراير/شباط الجاري، وسيتناول هذا التقرير أبرز 6 أنواع من تلك الطائرات من حيث القدرات ونطاق العمل، وغيرها من العناصر، وهي الأنواع الأكثر فاعلية في عمليات الاستطلاع.
وتتمتع طائرات الاستطلاع بمدى واسع لجمع المعلومات، وحسب خط سير الطائرات، فإن التحليل الإجمالي للمساحة التي قطعتها يشير إلى أن الناتو والدول المتحالفة معه تمكنوا من تغطية المساحات العسكرية الغربية التي تتمركز فيها القوات الروسية بصورة كاملة، حيث تتجاوز محيط الدائرة التي يمكن استطلاعها نحو 10 آلاف كيلومتر، بما في ذلك بيلاروسيا وأوكرانيا بشكل كامل.
تنتمي طائرات الاستطلاع التي جرى رصدها إلى طائرات الاستطلاع القادرة على اعتراض الإشارات العسكرية "سِغين" (SIGINT)، طائرات قادرة على اعتراض الإشارات المشفرة التي ترسلها المؤسسات الأمنية والاستخباراتية. إذ تستخدم وكالات الاستخبارات في دول العالم منصات وقواعد لاعتراض الإشارات وتحليلها، وتجمع هذه المنصات المعلومات الاستخباراتية من خلال اعتراض الإشارات بين الأشخاص، أو بين وسائل الاتصال الإلكتروني.
وتكون المعلومات مشفرة غالبا نظرا لحساسيتها وأهميتها، ولذلك تحاول كل دولة اعتراض ما تقدر عليه من الإشارات، لفك شيفراتها وتحليل المعلومات المرمزة، ومع ذلك تشكل الإشارات التي تعترضها منصات الاستخبارات معلومات قيمة جدا، حتى في حال تعذَّر فك تشفيرها بشكل مبدئي.
وفيما أبرز الطائرات التي تنتمي إلى هذا التصنيف:
1- طائرات "آر سي-12 إكس" (RC-12X)
تعد أبرز الطائرات التي قامت بعمليات استطلاع منذ بداية العام، وتتبع للقوات الأميركية والتي تمتلك طائرتين من نفس الطراز، وهما "ينك 01″ (YANK01) و"ينك02" (YANK02)، وتركزت رحلاتها في شمال شرقي أوروبا، ولا سيما أراضي بيلاروسيا الحليفة لروسيا.
وتدار عمليات هذه الطائرات من خلال مطار سياولياي في ليتوانيا. وتستطيع الطائرة التحليق لمدة 5 ساعات متصلة على ارتفاع 11 ألف متر، وقادرة على تغطية مساحة بمقدار 3 آلاف و200 كيلومتر.
واستخدمت القوات الأميركية الطائرة في 47 رحلة استطلاع منذ بداية العام.
2- طائرات "آر سي-135" (RC-135)
طائرة استطلاع متخصصة في اعتراض الإشارات الأرضية بين الأشخاص أو وسائل الاتصال الإلكتروني، وتستخدم في عمليات التجسس والاستقصاء، وتنقل المعلومات من مسرح العمليات بصورة مباشرة وحية.
تستخدم الطائرة من قبل القوات الأميركية والقوات الجوية الملكية البريطانية، ونفذت 27 رحلة استطلاع.
وتستطيع اعتراض الإشارات بمساحة واسعة ممتدة بامتداد الأفق الظاهر أمامها.
3- طائرات "أرتيميس" (Artemis)
إحدى أحدث طائرات التجسس التابعة للقوات الجوية الأميركية، إذ أعلن عنها في العام 2020، وتعد أول طائرة للجيش الأميركي تعمل بمحرك نفاث وليس بمحرك مروحي.
الطائرة مزودة بنظام كشف واستشعار عالي الدقة يعمل من خلال رادار قادر على رصد التحركات الأرضية، ومستقبلات إلكترونية عالية الذكاء، ما يمكنها من التقاط تحركات الدبابات أو السفن وتحديد أماكن أجهزة رادار العدو.
كما تحلق الطائرة على ارتفاع 40 ألف قدم، ما يسمح لها بالقيام بعملية مسح شاملة بحجم الأفق الظاهر أمامها، وهو ما يطلق عليه الجيش الأمريكي "الاستشعار العميق" (deep sensing).
قامت الطائرة بـ18 رحلة استطلاع منذ بداية العام.
4- طائرات "إس 102 بي" (S102B)
طائرة استطلاع تابعة للكتيبة 73 لسلاح الجو السويدي، وتقوم باعتراض الإشارات الخاصة بالأجهزة الإلكترونية.
تنطلق الطائرة من مقر القاعدة الجوية في مالمو جنوبي السويد، وتقوم بطلعات استطلاعية بصورة شبه روتينية حول منطقة كاليننغراد الروسية لجمع المعلومات العسكرية عن المنطقة.
وشاركت الطائرة سابقا في مهام في سوريا لدعم العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وتستطيع اعتراض الإشارات بمساحة واسعة ممتدة بامتداد الأفق الظاهر أمامها.
وقامت الطائرة بـ25 رحلة منذ مطلع العام وحتى الآن.
5- طائرات "إس 100 دي" (S100D)
طائرات مزودة بنظام الإنذار المبكر، وهو نظام راداري يستخدم في الكشف عن الطائرات والسفن المعادية على مسافات بعيدة، ويستخدم أثناء الاشتباكات الجوية لتوجيه الطائرات المقاتلة.
تتبع الطائرة لسلاح الجو السويدي، وتستطيع رصد تحركات السفن والمقاتلات المعادية من مسافة تزيد على 200 ميل (321 كيلومترا).
ولا تحمل الطائرة طاقما متخصصا على متنها يقوم بتحليل المعلومات، لكنها ترسل المعلومات إلى فريق متخصص على الأرض.
وقامت الطائرة بـ12 رحلة منذ بداية العام.
6- طائرات "بي-8 إيه" (P-8A)
تنتمي الطائرة إلى عائلة الطائرات البحرية الدورية التي تقوم بعمليات استطلاع طويلة الأمد فوق المياه.
تتبع الطائرة للقوات البحرية الأميركية، وتعمل في الحرب المضادة للغواصات والسفن، وتم تسليحها بطوربيدات وصواريخ من طراز "هاربون" (Harpoon) المضادة للسفن.
تستطيع الطائرة رصد التحركات بمساحة واسعة بحجم الأفق المتاح أمامها. قامت الطائرة بـ25 رحلة استطلاع منذ بداية العام.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
وكالات - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022