"الضمّ الزاحف".. سكان شرق أوكرانيا يشاركون في انتخابات الدوما الروسي

نسخة للطباعة2021.08.27
رامي القليوبي - موسكو

مع بقاء أسابيع معدودة على إجراء انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي بين 17 سبتمبر/أيلول المقبل و19 منه، وعزم موسكو على إشراك سكان منطقة حوض دونباس، الذي يضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك، شرقي أوكرانيا، ممن حصلوا على الجنسية الروسية بعملية الاقتراع، تتزايد التساؤلات حول تأثير هذه الخطوة على الاعتراف الدولي بالانتخابات. مع العلم أنه من المنتظر أن تسفر النتائج عن تقدم كبير لحزب "روسيا الموحدة" الحاكم. 

وبعد تلاشي الآمال في نجاح اتفاقي "مينسك 1" (الموقّع في 5 سبتمبر 2014) و"مينسك 2" (الموقّع في 12 فبراير/شباط 2015) للتسوية الأوكرانية، عملت روسيا منذ عام 2019 على تسهيل إجراءات منح الجنسية الروسية لسكان دونباس الموالين لها وغير الخاضعين لسيطرة السلطة المركزية في أوكرانيا.

ومنذ ذلك الحين، حصل أكثر من 600 ألف شخص من سكان "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعلنتين من طرف واحد، على أوراق الهوية الروسية، وبات في إمكانهم المشاركة في الانتخابات، إما بمراكز الاقتراع في مقاطعة روستوف الروسية الحدودية مع أوكرانيا أو عبر موقع "غوسلوغي" للخدمات الحكومية على الإنترنت، في ظلّ امتناع لجنة الانتخابات المركزية الروسية عن تنظيم التصويت داخل أراضي الجمهوريتين غير المعترف بهما.

وفي هذا الإطار، يرى الصحافي الأوكراني، فيتالي بورتنيكوف، أن مشاركة سكان دونباس في الانتخابات الروسية تشكل خطوة جديدة نحو ما يصفه بـ"الضم الزاحف" للمنطقة، عن طريق إشراكها في الحياة السياسية الداخلية الروسية. 

ويقول في حديثٍ مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف: "أعتقد أن مشاركة سكان الأراضي المحتلة في الانتخابات هي خطوة أخرى على طريق الضم الزاحف، أو التدريجي، لدونباس إلى روسيا على عكس شبه جزيرة القرم (الأوكرانية) التي ضمتها موسكو عام 2014". ويتساءل: "إذا كانت روسيا تقدم نفسها كوسيط في تسوية الأزمة الأوكرانية، فكيف تنظم انتخابات الدوما هنا؟".

ويلفت بورتنيكوف إلى أن منح الأوراق الروسية لسكان دونباس ليس سابقة في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق. ويوضح أنه "سبق لروسيا أن وزعت الجنسية الروسية على سكان إقليم ترانسنيستريا في مولدافيا وجمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية (المعلنتين من طرف واحد) في جورجيا، ثم بدأت تقدم تدخلاتها على أنها حماية المواطنين الروس". 

ويشير إلى أن "دونباس منطقة تضم عدداً كبيراً من السكان (نحو ثلاثة ملايين نسمة)، مشكّلة مصدراً لأصوات الناخبين الذين سيصوتون لصالح (روسيا الموحدة) أو سيتم تزوير أصواتهم".

وحول رؤيته لردود الأفعال الأوكرانية والغربية على الانتخابات الروسية في دونباس، يرى بورتنيكوف أنّ "هذه الأراضي أصبحت روسية بحكم الأمر الواقع، وعلى أوكرانيا والغرب أن يدركا ذلك والتحدث مع روسيا بصفتها بلداً معتدياً. 

إلا أن الغرب يكتفي في أغلب الأحيان بالتعبير عن سخطه من دون أن يتخذ أي إجراءات بحق موسكو، باستثناء رفضه على مدى السنوات السبع الأخيرة الاعتراف بنتائج الانتخابات في القرم. وكذلك ستعبّر السلطات الأوكرانية عن سخطها، ولكنها لا تتحكم في هذه المناطق على أرض الواقع".

من جهته، يتوقع الباحث في شؤون دونباس، قسطنطين سكوركين، حصول "روسيا الموحدة" على أكبر عدد من أصوات الناخبين في دونباس، في ظل "اعتماد سكان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في تقرير مصيرهم على السلطة الروسية وحدها". 

ويضيف: "يعتقد هؤلاء أن التصويت لصالح حزب هذه السلطة سيكون بمثابة نوع من الاستثمار في مستقبلهم، أملاً في أن ترد موسكو لهم الجميل على ولائهم المتزايد".

وفي مقال بعنوان "صوت دونباس. إلى ماذا ستؤدي مشاركة جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في الانتخابات؟"، نشره أخيراً في موقع "مركز كارنيغي للدراسات"، يلفت سكوركين إلى أنه "مع تحول اتفاقي مينسك إلى وهم دبلوماسي، تزيد موسكو من نشاط دمج الجمهوريتين المعلنتين من طرف واحد في الحياة الروسية". 

ويرجّح أن تكون انتخابات الدوما خطوة أخرى ربما نحو نقطة اللاعودة على هذا المسار. ويتوقع أن تكون مشاركة "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" في حملة الدوما واسعة "إلى حدّ يصعب معه تصوّر كيف استعادت كييف الأراضي التي يمثلها نواب في برلمان دولة أخرى، إلى سيطرتها. في المقابل، لا تنوي موسكو التخلي عن المكاسب السياسية الداخلية المحققة بواسطة دونباس".

ومن اللافت أن انتخابات الدوما الحالية ليست الأولى التي تُشرك فيها موسكو سكان دونيتسك ولوغانسك في عملية الاقتراع، إذ جرت محاولة سابقة أثناء الاستفتاء على تعديل الدستور الروسي و"تصفير" عدد ولايات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صيف عام 2020. وحينها كانت الحافلات تنقل الراغبين ممن حصلوا على الجنسية الروسية للتصويت في مقاطعة روستوف. إلا أن عدد المشاركين في التصويت بلغ نحو 14 ألفاً فقط، بسبب تفشي فيروس كورونا من جهة، وحصول عدد قليل نسبياً من سكان دونباس على الجنسية الروسية من جهة أخرى.

وتولي موسكو أهمية كبرى للمنطقة الانفصالية في أوكرانيا، ففي مطلع شهر أغسطس/آب الحالي، أعلنت رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية، إيلا بامفيلوفا، عن تنظيم أربعة مراكز تصويت في أوكرانيا بالسفارة الروسية في كييف، والقنصليات الروسية في أوديسا ولفيف وخاركيف. 

في المقابل، لم تخصص موسكو مراكز اقتراع في دونباس، مكتفية بالطلب من سكانها الانتخاب في روستوف، علماً أن الموقف الروسي الرسمي يعتبر دونباس أرضاً أوكرانية، مطالباً كييف بمنحها وضعاً خاصاً ومزيداً من الاستقلالية.

يذكر أن بوتين وقّع في إبريل/نيسان 2019 على مرسوم تسهيل إجراءات منح جنسية بلاده لسكان دونباس، مع تحديد فترة النظر في الطلب بثلاثة أشهر كحدّ أقصى. وتضمن المرسوم إعفاء المتقدمين للجنسية من الشروط الخاصة بمدّة الإقامة داخل روسيا، واجتياز امتحان اللغة الروسية، وغيرهما من التسهيلات. 

وفي الوقت الذي أثارت فيه هذه الخطوة استياء كييف، دافع بوتين عن قراره رابطاً إياه بـ"اعتبارات إنسانية"، مذكّراً بتجارب منح دول مثل المجر ورومانيا وبولندا جنسياتها لأجانب تعود أصولهم إليها.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

العربي الجديد

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022