كفالة الأيتام والدور الريادي للطلبة العرب والمسلمين في أوكرانيا

نسخة للطباعة2020.09.15

د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة

حثّ الله تعالى على رعاية اليُتم من خلال الآية: " ويَسأَلونكَ عن اليَتَامى قُل إصلاحُ لهمْ خيرٌ وإن تُخالطوهمْ فإخوانُكمْ والله يعلمُ المُفسدَ من المُصلِحِ" البقرة/ 220. ذلك لأن اليتيم عنصر من الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، وجزء من قوّة الأُمّة.

وهذا نداءٌ وجههُ الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام لمن أراد مرافقته في الجنة، فقال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا"، وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا.

سمع مجموعة من الطلبة العرب والمسلمون – الدارسون في جامعات اوكرانيا- هذا النداء فانطلقوا يحثون أهل الخير في العالم الإسلامي على التبرع لِمد يد العون لهؤلاء اليتامى، من خلال تأمين كفالة شهرية لهم، ورعايتهم اجتماعياً وتعليمياً وصحياً حتى يشبّ اليتيم مسلماً واعياً سليماً يخدم وطنه ويُساهم في تنمية المجتمع.

أخوّة الدين تأبى على هؤلاء الفتية إلا أن يسعى ويبادر إلى إجابة النداء ولكن.. كان الأمر أكبرَ بكثير من جهود أفراد معدودين.. إنها مأساة شعب شُرّد عن أرضه، وحينما عاد وجد نفسه غريبا فيها.. إنها مأساة يتامى بلا مأموى ولا عائل.. إنها مأساة عائلات لجأت لدور رعاية الأيتام الحكومية بعد أن عجزت عن سد حاجات أبنائها..

لماذا الكفالة؟

وسعى هؤلاء الطلبة – بكل جهدهم- من خلال اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" لتوعية وتعهد الأيتام وأُسرهم، وتحصيل الأجر من الله تعالى، فعملوا على مساعدة اليتيم بتوفير الطعام والكساء، وإعانة أسرته المحتاجة بتخفيف عبء الصرف على اليتيم المقيم عندها. 

كذلك تأمين جو إسلامي في المجتمع الذي غُيّب عن الإسلام أكثر من 70 عاما في ظل الشيوعية الحاقدة، وذلك من خلال تعليم اليتيم وأسرته مبادئ الإسلام، وبمشروع كفالة الأيتام عرض الطلبة المسلمون صورة مشرقة للإسلام أمام الأوكرانيين بمساندة ودعم القضايا الإنسانية والتكافل الإجتماعي.

وجوه الكفالة

الكفالة قدمت لليتيم مواد عينية من الأغذية و الملابس، بالإضافة إلى مبلغ شهري (كفالة مالية) من المال لوالدته أو من ينوب عنها، ويتم تزويد الأسرة بالقرطاسية والكتب التعليمية، ويُعقد للأيتام برانامج ثقافية (محاضرات، دروس، مسابقات، .. ) من خلال: الزيارات الميدانية، ومدارس نهاية الأسبوع، وتقديم الهدايا وكسوة العيد في عيدي الفطر والأضحى، كذلك قدّم الرائد بعض المشاريع الإنمائية (بيوت زراعية بلاستيكية، البقرة الحلوب، ماكينة خياطة، دورات مجانية حرفية تعليمية للأرامل..)  لأُسرة اليتيم للنهوض بوضع الأسرة اقتصاديا. 

وأقام اتحاد الرائد في أوكرانيا المخيمات الصيفية السنوية للأيتام من الفتيان والفتيات، والتي جمعت هذه بين التعليم والترفيه، والارتقاء بالصحة النفسية والإجتماعية لليتيم، وانطلقت منذ عام 1994م على شواطئ البحر الأسود. كذلك تمت كفالة الطلبة الأيتام المتفوقين دراسيا داخل أوكرانيا وخارجها.

من مبادرة فردية إلى عمل تخصصي

انطلق مشروع الأيتام في أوكرانيا من مبادرات فردية وتوزيع مساعدات مالية إلى مأسسة عمل الأيتام من خلال قسم خاص داخل اتحاد الرائد له برامج ورؤية تدعم استقرارهم، وجودة حياتهم، ومشاركتهم في التنمية المجتمعية، وكذلك عبر قيم تعنى بمتابعة أحوال اليتيم والإرتقاء به والتواصل معه ومع ذويه، كذلك عقد شراكات استراتيجية مع مؤسسات خيرية في العالم الإسلامي لها دور في تقديم المساعدة الدورية للأيتام والأرامل.

"عليم".. يُتمٌ فوق يُتم ٍفوق يُتم!

بدأ اتحاد الرائد بمشروع كفالة الأيتام الدورية بكفالة العشرات في شبه جزيرة القرم أواسط التسعينيات، وقد واجه المشروع عدة صعوبات، منها خوف العديد من الأمهات من المشروع لأن الكثير من الناس لم يعتادوا أن يُقدّم لهم مساعدات مجانية، وكانوا يتخوفون من أن يكون هناك مآرب أخرى من وراء هذا المشروع، كأخذ أولادهم أو توجيههم لدعم حزب سياسي أو غير ذلك.

ومن قصص الأيتام المثيرة التي مرت معنا خلال العمل مع هذه الفئة المغلوب على أمرها من المجتمع قصة الطفل (عليم موراتوف) فقد توفي والده وعمره 5 سنوات وتعرض لليتم وحرمان الأب، ثم تزوجت والدته بعد فترة، وأثناء ولادتها لأخته توفيت أمه، وكان عمره آنذاك 11 سنة ليصبح يتيم الأبوين، ثم دخل هو وأخته تحت كفالة جدته العجوز البالغة من العمر 87 سنة، وبعد سنتين توفيت العجوز وهما بحضانتها، والآن يعيش عليم وأخته مع خالته، وعمره 22 سنة، وهو يدرس في الجامعة.

ثمار الكفالة

ساهم هذا المشروع مع برامجه بأثر إيجابي كبير في الحفاظ على الهوية المسلمة للأيتام وأسرهم، وفي بث الوعي في نفوس ذويه أو من يكفله من خلال توعيته و تزويده بما يحتاج من معلومات حول الإسلام وضرورة الالتزام بمبادئه، كما أنها عمّقت روح التكافل بين أفراد المجتمع المسلم في أوكرانيا.

كذلك ومن خلال مشاريع كفالة الأيتام تخرّج من الجامعات عدد من الشباب والفتيات من مسلمي تتار القرم وشرق أوكرانيا، والذين أصبحوا اليوم أعضاءً فاعلين ومنتجين في مجتمعاتهم.

وقد كَفل اتحاد الرائد خلال مسيرة عمله الخمسة والعشرين عاما ما يزيد عن 4000 يتيماً مسلماً معظمهم يعيش في إقليم شبه جزيرة القرم، وهم أبناء التتار المسلمين، الذين ينتمي معظمهم إلى طبقة اجتماعية فقيرة.

ما أحوج أيتام المسلمين في أوكرانيا في أيامنا هذه للرعاية والعناية والتربية الإيمانية والتمكين، وهذا لا يتأتى إلا من خلال سلسلة برامج وأنشطة تقوم بها المراكز والمؤسسات الإسلامية التي تتمتع بالخبرة الطويلة والسمعة الطيبة، والتي ترعاهم وتكون عونا وسندا لهم في هذه الحياة.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022