آيا صوفيا و"مخزن التبادل البطريركي"

نسخة للطباعة2020.08.04

أوليكساندر فومين - محللل سياسي

لماذا لم يقاوم بطريرك القسطنطينية بارثولوميو بفعالية تحويل آيا صوفيا إلى مسجد؟

في 24 تموز/يوليو وللمرة الأولى منذ 86 عاما، أقيمت صلاة الجمعة في كاتدرائية القديسة صوفيا في إسطنبول. شارك فيها مئات الأشخاص ومن بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. بدأ الإمام صلاته الرسمية بعد أن قرأ أردوغان سورة من القرآن وأعلن الأذان من المآذن بادية الصلاة. تجمع آلاف المؤمنين في ساحة السلطان أحمد أمام آيا صوفيا.

تعالوا لنلقي نظرة على تاريخ كاتدرائية القديسة صوفيا…

من المعروف أن تكريس المعبد رسميا جرى في 22 كانون أول/ديسمبر 537م. 

آخر صلاة مسيحية أديت فيه كانت في ليلة 28 أيار/مايو 1453م. حيث استولى الأتراك العثمانيون بقيادة السلطان محمد الثاني في اليوم التالي على القسطنطينية، وحولت الكاتدرائية إلى مسجد سمي آيا صوفيا. 

أقيمت الليتورجيا المسيحية خلال القرون الماضية مرة واحدة فقط في الكاتدرائية وذلك بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، حيث تمركزت يومها الفرقة اليونانية الثانية  في إسطنبول مؤقتا.  

في 18 كانون ثاني/يناير 1919، تمكن قسيس الفرقة العسكرية، الذي أخذ الإنجيل معه من دخول الكاتدرائية سرا وأقام الصلاة المسيحية للمرة الأولى منذ الفتح العثماني في القرن الخامس عشر، ولقد حضرها أيضا العديد من الضباط اليونانيين. بعد خمسة عشر عاما، وتحديدا في عام 1934م. بعد وصول مصطفى كمال أتاتورك إلى السلطة، حوّلت آيا صوفيا إلى متحف.

رغم ذلك، يمكننا أن نقول اليوم على وجه اليقين أن المتحف صار من الماضي. 

في أذار/مارس 2019 أعلن أردوغان عن إمكانية تحويل آيا صوفيا من جديد إلى مسجد، مبررا ذلك بأن السياح سيتمكنون من زيارة المعبد مجانا. 

بالنتيجة، في 29 أيار/مايو، الذي يوافق الذكرى 567 للاستيلاء على القسطنطينية، نظم أحد أئمة اسطنبول قراءة لسور القرآن في الكاتدرائية وفي 10 تموز/يوليو، قررت المحكمة الإدارية العليا التركية نزع صفة المتحف عن الكاتدرائية. 

وقد أصدر أردوغان في نفس اليوم مرسوما يقضي بفتح الكاتدرائية للمتعبدين المسلمين. 

هكذا تحولت كنيسة القديسة صوفيا القديمة بسرعة من معلم سياحي إلى موقع ديني.

من السهل فهم دوافع أردوغان، الذي تراجعت شعبيته وشعبية حزبه العدالة والتنمية مؤخرا. 

بالإضافة إلى معاناة الاقتصاد التركي من الأزمة ومن القفزات السريعة لسعر صرف العملة الوطنية الليرة، كما وأن البطالة مرتفعة جدا في البلاد وخصوصا بين الشباب ويلاحظ استياء السكان من ارتفاع الأسعار الحاد. 

مني أردوغان وحزبه خلال العام الماضي بسلسلة من الهزائم الكبيرة خلال الانتخابات البلدية في المدن الكبرى، حتى أن عمدة اسطنبول اختير من المعارضة. 

مواقع أردوغان تضعف أيضا ضمن حزب العدالة والتنمية، الذي فقد نحو مليون عضو خلال السنوات الأخيرة. 

كما وقام حلفاء الرئيس السابقون، منهم رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ووزير المالية السابق علي بابكان والرئيس السابق عبد الله غول، بالانشقاق عن حزب العدالة والتنمية ليشكلوا أحزابهم الخاصة، التي ستجذب إليها جزء من الناخبين المحافظين من حزب العدالة والتنمية إبان الانتخابات القادمة. 

في مثل هذه الظروف، تعد "الإنجازات التاريخية" مجرد وسيلة لتحسين الشعبية السياسية. ولكن إلى أي مدى ستساعد هذه الخطوة الرئيس التركي فعليا؟. سيبين الوقت.

مع هذا، يبقى موقف بطريرك القسطنطينية بارثولوميو مثيرا أكثر للإهتمام. من الملاحظ أنه لم يبد أية مقاومة حثيثة لتحويل آيا صوفيا إلى مسجد من جديد واكتفى فقط بإصدار تصريحات خجولة. فمن جهة، لم تعد بالطبع آيا صوفيا منذ قرون عديدة كنيسة أرثوذكسية ولكن ترحيل المتحف عنها يغير الوضع القائم.

في الحقيقة تتعامل السلطات التركية مع البطريرك بارثولوميو بمبدأ العصا والجزرة. حيث اصطدم بارثولوميو في أيار/مايو مرة أخرى بتهمة المشاركة في التحضير للإنقلاب العسكري الفاشل، الذي جرى في تموز/يوليو من عام 2016. 

في 14 أيار/مايو، نشرت مجلة "الحياة الواقعية"، الصادرة عن مجموعة نشر مقربة من المجموعة الحاكمة في تركيا و الأوساط الإسلامية، مقالًا عن فتح الله غولن، الداعية المسلم المقيم في الولايات المتحدة وزعيم منظمة "فيتو". 

تعتبر السلطات التركية أن هذه المنظمة تحديدا التي أعدت لانقلاب عام 2016 وهدفت للإطاحة بأردوغان. تحدث هذا العدد من المجلة عن أن بارثولوميو كان متورطًا في المؤامرة وأنه يقيم اتصالات مع غولن. 

من الواضح أن المقال هدف إلى تذكير بارثولوميو بضرورة أن يكون مخلصا لرئيس تركيا عشية تحويل آيا صوفيا إلى مسجد. 

هذا الاتهام ليس بالجديد، ففي عام 2016  عممت وسائل الإعلام الموالية للحكومة بنشاط معلومات حول تورط بارثولوميو في الانقلاب.

هذه هي العصا، ولكن هناك الجزرة أيضا. هي في الحقيقة أن بارثولوميو يهدف إلى افتتاح مدرسة هالكين اللاهوتية. وهي مؤسسة تعليمية غير عاملة حاليا، تقع على أراضي دير في جزيرة بالقرب من إسطنبول. 

كانت هذه المدرسة المؤسسة التعليمية الوحيدة التي أعدت رجال الدين لبطريركية القسطنطينية، وقد أغلقتها السلطات التركية في عام 1971. 

هكذا حظر في تركيا التعليم اللاهوتي العالي منذ ما يقرب من 40 عاما. 

من المثير للاهتمام أن بارثولوميو نفسه تخرّج من هذه المدرسة في عام 1961. 

ومنذ أن أصبح بطريركا، لا يتوانى عن محاولة استئناف عمل المدرسة. إن افتتاح مدرسة خالكين بالنسبة لبطريركية القسطنطينية يعزز من هيبتها واستقلاليتها.

في محاولاته لإعادة فتح المدرسة، اعتمد بارثولوميو دائما على الدعم الدولي. مثلا، في عام 1997 دعا الكونغرس الأمريكي السلطات التركية إلى فتح المدرسة وبعد ذلك بعام قام الاتحاد الأوروبي بنفس الأمر. 

في عام 2002 جرى جمع دولي للتواقيع لدعم المدرسة. 

في عام 2011، طالبت الحكومة الألمانية بالشيء نفسه، بدا حينها أن النصر قريب. 

في عام 2013، أعيد للمدرسة 200 هكتار من الغابات، وصرح أردوغان علنا أن احتمال استئناف عمل المدرسة مرتفع جدا. 

ولكن من المثير للاهتمام، أنه في وقت سابق من عام 2009، استبدل بارثولوميو مشروع إنشاء البطريركية الأوكرانية بدعم موسكو. 

وما نجح في فعله بوروشينكو في عام 2019، حاول يوشينكو فعله قبله بعشر سنوات، الذي خطط أيضا لإنشاء كنيسة أرثوذكسية أوكرانية قبيل الانتخابات الرئاسية لعام 2010. 

ولكن، مقابل دعم البطريرك كيريل والحكومة الروسية، رفض بارثولوميو يومها المشاركة في مشروع فيكتور يوشينكو. 

خسر يوتشينكو الانتخابات،  كما ولم يساعد دعم بارثولوميو بوروشينكو وكنيسته الأرثوذكسية الأوكرانية. 

ولم يحصل أيضا بارثولوميو نفسه على أي شيء، إذ لم تفتتح مدرسة خالكين حتى الآن.

لذا، آمال بارثولوميو مرتبطة اليوم بموقف القيادة التركية. ففي نيسان/أبريل 2018 وبعد لقائه بأردوغان، قال بارثولوميو إنه ظهرت فرصة لافتتاح المدرسة التي عانت طويلًا. 

من المثير للاهتمام، أنهم في تركيا تحدثوا في كل شهر أيار/مايو عن تحويل آيا صوفيا من جديد إلى مسجد، في ذكرى استيلاء الأتراك على القسطنطينية، ولكن دون أية نتائج.  

وها هي آيا صوفيا مسجدا من جديد. هكذا أيضا تكرر بطريركية القسطنطينية كل عام أنه يجب فتح مدرسة خالكين. وبقي هذا أيضا بلا نتيجة. 

من يدري، ربما يتغير الوضع الآن وقد يتمكن بارثولوميو هذه المرة من إجراء تبادل ناجح لآيا صوفيا بالمدرسة. حيث لم يحالفه الحظ قبل هذا، عندما استبدل مشروع يوشينكو بدعم موسكو ولا بعد ذلك عندما استبدل دعم بوروشينكو والكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية بدعم الحكومة الأمريكية. 

لكنه في نهاية المطاف عمل بأمانة، موفرا ولو شكليا اعتراف كنائس اليونان ومصر بالكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية. 

رغم ذلك، تبقى المدرسة غير موجودة كما في السابق، غير أن الحظ يجب أن يضحك لبارثولوميو يوما ما، إذ لم يعد لديه شيء يغيره في الواقع، فلقد نفذت في "مخزن التبادل البطريركي" جميع الخدمات والسلع.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس - "كوريسبوندينت"

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022