حول أحداث الشرق الأوسط الجيوسياسية...

نسخة للطباعة2020.06.17

إيليا كوسا - خبير في "المعهد الأوكراني للمستقبل"

قد تظهر في ليبيا قاعدتان عسكريتان تركيتان دائمتان. إحداهما للقوة الجوية في قاعدة الوطية الجوية الواقعة جنوب طرابلس، التي كانت سابقا تحت سيطرة قوات "الجيش الوطني الليبي" وقائده خليفة حفتر، حتى خروجه منها في أيار/مايو الماضي.

الثانية، هي قاعدة بحرية في مدينة مصراتة، على أساس قاعدة عسكرية، تمركزت فيها نخبة مدينة طرابلس منذ بداية الصراع، وتريد تركيا الآن التمركز فيها.

بالإضافة إلى ذلك، يتوق الأتراك جدا للاستيلاء على مدينة سرت، التي تشهد حاليا معاركا حامية. فهي لقمة طيبة بالنسبة للجميع، إذ أنها تتيح الوصول إلى "الهلال النفطي"، ومقدرات الطاقة وحقول النفط في شمال شرق ليبيا. فمن يسيطر عليها، يسيطر على ليبيا كلها.

في الجانب الآخر من المنطقة، استغلت تركيا انهيار الليرة السورية في الأراضي المحتلة من شمال سوريا وأدخلت ليرتها إلى إدلب وحلب، التي اعتمدها المسلحون المحليون كعملة جديدة للتداول بين السكان.

هكذا، خلف ستار الأزمة المالية، التي طالت  الأراضي الواقعة تحت سيطرة السلطات السورية، ربطت أنقرة الأراضي المحتلة أوثق بنظامها، ما سيوفر لها تأثيرا متوسط المدى على هذه المناطق في عملية التفاوض على مستقبل سوريا.

أما الوجهة الثالثة، هي أن الأتراك تمكنوا خلال الأسابيع الماضية من التقدم نحو شرق البحر المتوسط، حيث يواصلون تعزيز وجودهم العسكري البحري هناك وحفر آبار الغاز قبالة ساحل قبرص رغم  احتجاجات اليونان وإسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

لقد دفع هذا المنافسين الإقليميين لتركيا للرد. حيث بادرت مصر إلى إنشاء نوع من التحالف الجيوسياسي المناهض لتركيا، دخلت فيه الإمارات وفرنسا واليونان وقبرص ومصر نفسها.

أما اليونان، راحت تعزز مؤخرا قواتها على الحدود مع تركيا وأجرت مناورات بحرية في بحر إيجة، وتسعى في الوقت نفسه إلى توسيع حدودها البحرية من خلال المعاهدات الموقعة مع ألبانيا و فرنسا وإيطاليا.

كما ويجري الحديث الآن عن أن تركيا لن ترفض تعزيز نفوذها في منطقتي صراع إضافيتين، هما فلسطين ولبنان. لكن لم تتوفر لديها حتى هذا الوقت لا الموارد ولا القدرات اللازمة. بالإضافة إلى سعيها لأن تكون حاضرة في ساحات جديدة، مثل اليمن والعراق. ولكنها تواجه هناك نفس المشكلة.

أطلق أردوغان أخيرا وبشكل رمزي، على خلفية ما يبدو أنه نمو سريع  لنفوذ تركيا الإقليمي، عملية تحويل آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد عامل بالكامل.

إحدى مشاكل تركيا الرئيسية، بحثها الدائم عن شريك مرضٍ، ومن المستحسن أن يكون دائما وثابتا، من شأنه أن يساعدها على تحقيق طموحاتها والتوازن في ميزان القوى في المنطقة.

ليس لدي أي تصور حول من يمكن أن يكون هذا الشريك. لكن، يمكن للولايات المتحدة أن تلعب مثل هذا الدور، إلا أنها عالية السمية في عدد من المناطق الفرعية، كما وأن إدارة ترامب تريد إضعاف تركيا وتقليص مشاركتها في شؤون الشرق الأوسط.

أما بالنسبة لروسيا، فلقد بينت مجريات الصراع في ليبيا و سوريا، أنها يمكن أن تكون شريكا، ولكن كما يبدو حتى الآن في المواقف فقط، و لكن المفاوضات مستمرة، وسيعتمد كل شيء على نجاح هذه الشراكة في سوريا وليبيا.

تتخذ الصين حتى الآن موقفا غير واضح، ولا تتجرأ على التعمّق في هذه النزاعات أكثر من اللازم، وبالتالي لا توجد لدى تركيا خطط لإشراكها في أي مخططات جيوسياسية.

تمر الدول الأوروبية اليوم ليس بأفضل أيامها من جهة سياساتها الخارجية، باستثناء  فرنسا، لكن توجد بينها وبين تركيا تناقضات كثيرة. في حين أن بقية الدول، إما غير مهتمة بلعب دور أنشطً أو لا تملك الموارد أو مشغولة بأمورها الداخلية.

وأظن أننا بغنى عن توضيح أي من الخيارات يشكل خطرا جيوسياسيا شموليا على أوكرانيا. الأحداث التي شهدناها هذا الأسبوع في ليبيا وسوريا واليمن ولبنان و شرق البحر الأبيض المتوسط ​، مهما لم نرد ذلك، هي تعنينا نحن أيضا.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022