"توقفت الموسيقى".. هل بدأ بوتين يهزم زيلينسكي؟

نسخة للطباعة2020.05.24

جورج عيسى

"عندها توقّفت الموسيقى. منذ لحظة سقوط قنبلة تدعى أوكرانيا غايت في أيلول، لم يعرف السيّد زيلينسكي سوى الأزمات: تحقيقٌ اتّهاميّ في واشنطن، إسقاط طائرة تجاريّة أوكرانيّة في طهران، مناوشات مستمرّة مع الانفصاليين في دونباس المدعومين من روسيا، خلافات علنية مع فريقه الخاص، وجائحة توقّعتها قلّة حول العالم".

في تلخيص مراسل صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانيّة أوليفر كارول لمجموعة الأزمات التي تواجه الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي بعد عام على تولّيه الرئاسة، يمكن فهم أنّ الآمال التي ألقيت على كاهله لانتشال البلاد من الفساد باتت على المحكّ. 

كانت تلك الآمال كبيرة إلى درجة أنّ الممثّل الآتي من خارج العالم السياسيّ سحق الرئيس السابق بترو بوروشنكو في الانتخابات بـ 73% مقابل 25% من الأصوات.

مخاوف بدأت تتحقّق

على الرغم من أنّ بوروشنكو خاض حملته على برنامج سياسيّ قوميّ قائم على مواجهة روسيا، لم يستطع كسب المواجهة. لكن من بين الانتقادات التي وجّهها إلى زيلينسكي، عدم تمتّعه بالخبرة لمواجهة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين. اليوم، يبدو أنّ مخاوف بوروشنكو ومراقبين آخرين بدأت تتحقّق. انطلقت هذه المخاوف من مراقبة آليّة تبادل الأسرى بين كييف وموسكو.

منذ وصوله إلى الرئاسة، أشرف زيلينسكي على ثلاث عمليّات من هذا النوع. من بين الأسرى المفرج عنهم 24 بحّاراً أوكرانيّاً احتجزتهم روسيا في تشرين الثاني 2018 في مضيق كيرتش، إضافة إلى مخرج أفلام محتجز في البلاد منذ خمس سنوات. 

كانت المشكلة بالنسبة إلى البعض، قبول زيلينسكي بالإفراج عن شاهد أساسيّ في إسقاط الطائرة الماليزيّة بصاروخ من طراز "بوك" جرى نقله من روسيا إلى منطقة دونباس في تمّوز 2014 وفقاً للجنة تحقيق متعدّدة الجنسيّات. ونفت روسيا ذلك الاتّهام مشيرة إلى أنّ التحقيق "منحاز سياسيّاً".

إضافة إلى هذا الشاهد، قبِل زيلينسكي بالإفراج عن خمسة أعضاء من شرطة "بيركوت" الموالية لروسيا وللرئيس الأسبق فيكتور يانوكوفيتش المتّهَمة بقتل محتجّين غير مسلّحين خلال ثورة "أورو ميدان" سنة 2014. حينها، قال الرئيس الأوكرانيّ إنّه يفهم مشاعر ذوي الضحايا الذين سقطوا خلال التظاهرات. 

لكنّه أضاف: "للأسف، لا نستطيع إعادة حياة من رحلوا، لكنّنا نستطيع استعادة أولئك من هم على قيد الحياة". واتُّهمت شرطة "بيركوت" بقتل حوالي 100 محتجّ خلال تلك التظاهرات. حاليّاً، لا يعتقد كلّ المراقبين أنّ عمليّة التبادل كانت عادلة.

"قضيّة خاسرة"

الباحث البارز في "المركز الدوليّ للدفاع والأمن" ومقرّه إستونيا جايمس شير يرى أنّ عناصر "بيركوت" ليسوا جزءاً من القضيّة الحاليّة وأنّ كييف ليست عاصمة محتلّة، مشيراً إلى أنّ زيلينسكي كان غافلاً عن أنّ خطوته تشكّل سابقة في السماح لروسيا بالتدخّل في صلاحيّات القضاء المحلّيّ. 

يذكر شير أنّ زيلينسكي غير مولع بروسيا لكنّه لم يدرك قط "طبيعة التهديد الوجوديّة" التي تفرضها. يؤمن الرئيس الأوكرانيّ بأنّ بوتين يرغب بإيجاد مخرج من الصراع، لذلك إنّ الاتّفاقات على مناطق فضّ الاشتباك وعمليّات تبادل الأسرى وغيرها ستؤمّن هذا المخرج. 

وأضاف أنّ كبير موظّفيه الرئاسيّين صاحب العلاقات مع صنّاع القرار الروس أندري يرماك هو من يوجّه زيلينسكي حول ما قد يساعد وما قد لا يساعد في حلّ الأزمة مثل ذكر القرم. واتّهم شير أيضاً فرنسا وألمانيا بأنّهما لم تنصحا زيلينسكي بعدم تقديم تنازلات بما يعني أنّهما تجاهلتا خطوطهما الحمر لا خطوط أوكرانيا وحسب.

لكن هنالك رأياً آخر يعبّر عن وجود توجّه لدى بوتين إلى إنهاء الأزمة في أوكرانيا خصوصاً في ظلّ تفشّي "كورونا" وتحوّل روسيا موقّتاً إلى ثاني أكبر دولة من حيث عدد الإصابات بالفيروس قبل أن تحلّ البرازيل مكانها. 

في حديث إلى مجلّة "فورين بوليسي" الأميركيّة، يقول السفير الأميركيّ السابق إلى أوكرانيا ويليام تايلور إنّ تصميم الرئيس الروسيّ على الاستمرار في تمويل حرب دونباس المكلفة قد يكون في طور التزعزع: "أعلم أنّ هنالك أشخاصاً حول [بوتين] في الكرملين من الذين واصلوا القول إنّ ‘دونباس (قضيّة) خاسرة، يجب أن نخرج من دونباس‘".

هل هي بوارد دفع هذا الثمن؟

مع دخول الحرب في دونباس عامها السابع وانشغال روسيا بمشاكلها الداخلية أكانت تلك المتعلّقة بمواجهة كوفيد-19 أو انعكاس انخفاض أسعار النفط العالميّة على مداخيلها، يمكن أن يكون إيجاد مخرج لتلك الحرب احتمالاً وارداً لدى الكرملين. 

فقد أعلن البنك المركزي الروسيّ الثلاثاء أنّ اقتصاد روسيا قد يهبط بما يتراوح بين 4 و6% هذه السنة بعدما كان نموّه متوقّعاً بـ 1.3%. أضعفت هاتان الأزمتان قوّة بوتين، لكن ليس إلى حدّ تقييد سياسته الخارجيّة وفقاً لكبيرة الباحثين في الشأنين الروسيّ والأوكرانيّ في "معهد دراسة الحرب" ناتاليا بوغايوفا.

فهو كوّن احتياطات كبيرة بالعملات الأجنبيّة وسيطر على فضاء المعلومات الداخليّة كما أنّ قادة العالم منشغلون بمواجهة الوباء داخل بلدانهم. وتضيف أنّ بوتين "حاول استخدام غطاء الأزمات الدوليّة لانتزاع تنازلات من أوكرانيا" إذ وافقت كييف على الأخذ بالاعتبار إجراء محادثات مباشرة مع "وكلاء" الكرملين في شرق أوكرانيا. 

يؤدّي ذلك بحسب بوغايوفا إلى إضفاء الشرعيّة على الوكلاء بما ينتج "تداعيات بارزة على سيادة أوكرانيا والأمن القوميّ الأميركيّ". وتراجعت كييف شفهيّاً عن هذه المحادثات بضغط من المجتمع المدنيّ.

على الرغم من كلّ هذه المشاكل، لا يزال زيلينسكي يحتفظ بشعبيّة مرتفعة حيث يرى 30% أنّ سنته الأولى كانت إمّا "ممتازة" وإمّا "جيّدة"، فيما وجد 40% أنّها كانت "مُرضية". 

كما أنّ تعامله بحزم مع "كوفيد 19" في المراحل الأولى جعل بلاده في موقع متقدّم على معظم الدول الأوروبّيّة الغربيّة، مع حوالي 20 ألف إصابة و588 وفاة فقط. لكن على المدى البعيد، وفي الملفّ الروسيّ، لا تبدو الطريق سهلة بالنسبة إليه. 

فالمؤشّرات إلى أنّ روسيا راغبة بالتخلّي عن دونباس ليست واضحة، فيما لن يكون توجّه مفترض كهذا، حتى بحال وجوده، بلا مقابل. فهل تكون القرم هي الثمن؟

صحيفة النهار اللبنانية

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022