الطلاب العرب في الاتحاد السوفيتي من ثلاثينيات حتى ستينيات القرن العشرين

نسخة للطباعة2020.05.10

د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة

بدأ الاتحاد السوفيتي وريث روسيا القيصرية بعد قيام الثورة الشيوعية عام 1917م واستقرار البلاد في عقد العشرينيات، بدعوة الطلبة للدراسة في جامعاته ومعاهده، فتوافد آلاف الطلاب العرب والمسلمين من مختلف الدول من الدول العربية والإسلامية على الإتحاد السوفيتي نذكر منها: العراق والمغرب والجزائر وسوريا ومصر والسودان واليمن والصومال وفلسطين والمالديف والباكستان ونيجيريا ومالي وغيرها من البلاد الإفريقية، بهدف الدراسة في عدة مجالات، أهمها: الفنون والآداب والعلوم السياسية والعلوم الطبية والهندسية والدورات العسكرية وغيرها.

عمد قسم شؤون الطلاب الأجانب في وزارة التعليم السوفيتية على توزع الطلاب الأجانب على العاصمة موسكو والمدن الواقعة في القسم الأوروبي من الإتحاد السوفيتي وخاصة في جامعات أوكرانيا المتنوعة، وذلك بعيدا عن جامعات الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز، لأسباب عديدة منها: حتى لا يمتد تأثير الطلبة المسلمين على شعوب تلك البلاد المسلمة، وللتحكم الفكري والثقافي بالطلبة، عدا عن أن جامعات تلك المناطق كانت ضعيفة وقليلة.

هدف الشيوعيون السوفييت من خلال فتح أبواب الجامعات السوفيتية للدول النامية وخاصة الإسلامية منها وصرف الأموال على تعليم طلبة تلك الدول إلى تشكيل نخبة فكرية موالية للاتحاد السوفييتي.

كذلك سعت لبث الدعاية ونشر القيم والفكر الشيوعي اليساري في البلاد الإسلامية، وإعداد الكوادر والأطر الحزبية التي ستكون يدا له لتنفيذ مخططاته في تلك الدول، واهتمت بتعليم الطلبة اللغة الروسية بهدف نشر الثقافة الروسية.

نشطت الأحزاب الشيوعية العربية مع ثلاثينيات القرن الماضي في ابتعاث الطلاب لتشكيل أعضاء فاعلين يحملون الفكر الماركسي، وكان أول بلد عربي يُوفد طلبة للدراسة في الإتحاد السوفيتي هو العراق، فقد أرسل الحزب الشيوعي العراقي عام 1934م، أحد أعضاء لجنته المركزية آنذاك للدراسة في موسكو، واستمر في إيفاد الطلبة العراقيين عاما بعد عام، حتى وصل عددهم للعام الدراسي 1959/ 1960م إلى 1500 طالب، ومع نهاية عام 1962 كان عددهم حوالي 5000 طالب، هذا حسب ما ذكر الأستاذ الدكتور العراقي ضياء نافع، وتأسست عام 1960 رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفييتي.

وفي مطلع الأربعينيات تشكلت في لبنان وخلال الحرب العالمية الثانية جمعية الصداقة اللبنانية السوفيتية رأسها الأديب عمر فاخوري (1895- 1946م)، وقد بلغ عدد الطلاب اللبنانيون العرب الذين تخرجوا من جامعات ومعاهد الإتحاد السوفيتي أواخر الستينيات 150 شخصا.

وأول بعثة من الطلبة السوريين ذهبت للإتحاد السوفيتي كانت في آذار/مارس عام 1958، وعدد أعضائها 27 طالب، يقول الدكتور محمد شحرور أحد أعضاء تلك البعثة: "كانت بعثة حكومية نتيجة اتفاقية بين الإتحاد السوفيتي والجمهورية السورية، وقد وقع قرار الإيفاد رئيس وزراء الجمهورية السورية في ذلك الوقت صبري العسلي، حيث تم الإمتحان وقرار الإيفاد في شهر أكتوبر عام 1957م"، ويكمل قائلا: "وأود التنويه أن كثيراً ممن درسوا في الإتحاد السوفيتي ﻻ يطيقون الشيوعية، ﻷن الإتحاد السوفيتي صدّر للعالم نظماً ديكتاتورية ﻻ مثيل لها في التاريخ الإنساني".

وكتب د. محمد عثمان مشهور في صحيفة "يمرس" اليمينية: " اختارت وزارة الصحة في عهد الملكية أربعة ممرضين للدراسة في روسيا وكنت بينهم عام 1957" ويكمل بأن "الأساتذة الروس تفاجؤوا أن اليمن أرسل إليهم طلبة لدراسة الطب البشري ومؤهلهم الدراسي أنهم درسوا في الكتّاب. فنحن لا نعرف شيئا عن الفيزياء والكيمياء، ودرسنا الطب لمدة 10 أعوام بزيادة 4 سنوات عن المطلوب للتخرج"، وفي عام 1963م بعد ثورة اليمن مباشرة تم إيفاد تسعين طالبا وصلوا مدينة أوديسا للدراسة في الإتحاد السوفيتي بمختلف التخصصات العسكرية والطيران والطبية والهندسية والزراعية.

وأوفدت الجزائر عددا من الضباط للدراسة في الاتحاد السوفيتي عام 1959م، كما وصل عدد من الطلبة الموريتانيين للدراسة أيضا بعد استقلال بلادهم عام 1964م.

ومن السودان نقلت صحيفة الإنتباهة السودانية عن كتاب "شذرات من سجل التاريخ العسكري" للواء الركن السوداني د.عمر النور: "أوفدت أول بعثة عسكرية للإتحاد السوفيتي لأكاديمية القادة والأركان بأوديسا عام 1969م، ثم تم إيفاد 47 ضابطا عام 1970م".

أما أول بعثة علمية مصرية فقد كانت عام 1956 بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر، ومؤلفة من 15 باحثا لدراسة الدكتوراه في مجال الطاقة الذرية –وكان منهم عالم الذرة والأستاذ الجامعي يحيى المشد والذي أنهى دراسته في موسكو عام 1963، واغتاله الموساد في باريس عام 1980م- ثم تتابعت البعثات المصرية في مجالات أخرى وخاصة العسكرية منها. 

وفي عام 1958 أوفدت بعثة مصرية للدراسة في روسيا كان فيها أول فتاة مصرية تبتعث للدراسة في الاتحاد السوفيتي وهي د. سمية عفيفي التي ترجمت فيما بعد عددا من الكتب الإسلامية للغة الروسية، وكذلك ترجمت معاني القرآن الكريم للغة الروسية في عدة مجلدات.

وبدأ الطلاب المغاربة بالإلتحاق بالجامعات والمعاهد السوفيتية منذ عام 1960م.

وأوفد الصومال 90 طالبا للدراسة في الاتحاد السوفيتي في عام 1964.

وبدأ توافد الطلبة الفلسطينيين منذ الخمسينيات، وفي عام 1969م تأسست الجمعية الفلسطينية لخريجي الاتحاد السوفيتي.

يذكر أن الاتحاد السوفيتي أسس عام 1960 جامعة صداقة الشعوب في موسكو، بهدف تقديم الدعم العلمي للدول المستقلة حديثا، ونشر الفكر الشيوعي بين طلابها.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022