لماذا يبقى المهاجرون مهاجرين طول الحياة؟

نسخة للطباعة2020.05.08

أوليكسندر فلينت – مؤرخ ومحلل سياسي

الموضوع بسيط للغاية بالنسبة لي، فمن أجل فتح باب جديد يجب إغلاق القديم.

أنا حتى لا أتحدث عن التخلي عن الماضي، وإنما عن ضرورة  تخطيه تماما، وعدم الاستسلام لحنين كبير لكل ما خلفته وراءك. 

طبعا، تبقى بعض الأماكن والأشخاص والأشياء معنا إلى الأبد، ولكن عموما، وكما قال صديقي العزيز، يجب أن تتوفر لدى كل من اختار طريقا آخرا أو حتى من بقي بكل بساطة في الخلف  القدرة على ترك أي شيء وأي شخص في هذه الحياة.

السيئ هنا هو: ما هي قوة الإرادة اللازمة فعلا للقيام بذلك؟. للكف عن النظر إلى الخلف دائما والرحيل بشكل نهائي. خصوصا إذا كان لدى أحد ما أم أو أب أو أقارب أو أصدقاء. هذا أمر صعب للغاية، لكن رغم ذلك، هذا أمر ضروري لمتابعة الحياة.

كم مرة لاحظت وأدركت أنني لا أفهم الأشخاص الذين يعيشون في سفر دائم. ليس لديهم جذور تربطهم  لا بمكان ولا بشخص ولا بمحيط. هم يريدون احتضان ما لا يمكن احتضانه من خلال العيش في عدد من الدول في آن واحد، مع توقهم لتناول القهوة في بروكسل، ومراودة الكنائس في ضواحي موسكو، وسباقات ركوب الثيران في دالاس، ومسرح الكابوكي في طوكيو. 

ستقولون هؤلاء أبناء الأرض وسكان العالم؟. قد أوافق وقد لا أوافق!. يمكن الاستمتاع بمشاهدة كاتدرائية في ميلانو، ومن بعد ذلك الانبهار ببساطة بتمثال المسيح في ريو دي جانيرو، ولكن من بعد كل هذا يجب أن يكون لديك منزل. إذا غادرت إلى مكان ما، يجب أن تبني هذا المنزل هناك.

في حال السعي الدائم لإنشاء الأمثل أو العثور على الأمثل، لن تجده و لن تنشئه إطلاقا. لأن هذا الشيء ليس موجودا ولا يمكن أن يوجد. هناك فقط محاولة لخلق ما هو مثالي، ولكن لن يكون كذلك بالنتيجة. لذا الأصح أن تتفق مع ذاتك وأن تختار أهم 30 أو 40 شيئا مرغوبا من بين آلاف الأشياء.

قد لا تكون لديك سيارة فاخرة، ولكن قد تمتلك معدات تصوير رائعة تستخدمها في إسعاد نفسك. يمكن أن لا تكدح من أجل الجلوس في مطعم راق مثل تشيبرياني، وتكتفي بمقهى مريح حيث يصنعون الكاكاو الذي تريده تماما مقابل بعض المال. 

يجب أن تعي أن الرمال في جزر المالديف وسيشيل وغوا وتايلاند والمكسيك هي نفسها الموجودة في فلوريدا، وإذا كنت ترغب فقط في الاستلقاء على الشاطئ ولا شيء أكثر، فما الداعي للسفر بعيدا ما دام كل ما تريد على بقربك. 

أنا أتكلم عموما و أعي أن هناك الكثير من الحجج الأخرى، ولكنني أتحدث بشكل عام وشامل دون التركيز على نقاط معينة.

الرغبات التي تلتهب داخل كل شخص تقريبا، وإطلاق العنان لها باستمرار، إذا لم تتمكن من كبح جماحها، فإنها ستدمر أكثر بكثير مما ستعطي، و هذه مصيبتنا الرئيسية. نضع لأنفسنا أهدافا عالية لدرجة أننا نقضي حياتنا كلها تقريبا من أجل تحقيقها. وعند وصولنا إليها لا نفهم لماذا قضينا كل هذا الوقت الثمين من أجل هذا!. من بين آلاف الأحلام هذه، هناك في الواقع حوالي 30 فقط لازمة بالفعل.

لذا، يجب أن تتوفر لديك القدرة على العثور على منزل صغير على أن يكون منزلك، وأن تجعله مريحا لك و ليس للتباهي الفارغ. حيث تعلم أن تحت ذلك الكرسي يوجد حذائك القديم للتمشي مع الكلب، وأن تلك الخزانة تحتوي على معدات الصيد الخاصة بك. أما تلك المزهرية، فهي نفسها التي لهوت بها في حياتك القديمة عند جدتك، وها هي الآن موجودة هنا، وتحتفظ بها لابنتك كشيء ثمين للغاية، لأنها تربط  بين ملايين اللحظات المخزونة في ذاكرتك. 

وبالطبع، علقت على الحائط صورة الأسرة، حيث الجميع على قيد الحياة وبصحة جيدة ويبتسمون ويرغبون في العيش 120 عاما، وهي عمليا الصورة الوحيدة، التي جمعت الجميع معا في لحظة ما.

عندما تجري الأمور على هذا النحو وتفعل كل هذا، ستدرك في صميم ذاتك، أنك لست بحاجة إلى أكثر من ذلك، وأنك وجدت لنفسك بلدا مريحا ومنزلا مريحا وحياة مريحة. حينها، ستنتهي هجرتك. 

أدعو الرب ألا تختبروا مثل هذه الحياة الجديدة. على الأقل، لأن تحقيق كل هذا يحتم عليكم خسارة سنوات طويلة. 

لن يستطيع أحد أن يحصل على هذه الحياة بطريقة سريعة، لذا لا داعي للمحاولة حتى. فقط فكروا في وقت الفراغ، إلى ما تحتاجون حقا، وستدركون فجأة أنني محق...

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس - "كوريسبوندينت"

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022