الخوف والكراهية في روسيا.. إلى ماذا أوصل فيروس كورونا بوتين؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
نسخة للطباعة2020.04.15

إيفان ياكوفينا - صحفي في موقع "نوفا فريميا" الأوكراني

عززت جائحة فيروس كورونا تلك التوجهات والاتجاهات في المجتمع التي كانت موجودة من قبل. مثال ناصع على ذلك، الأنظمة الاستبدادية.

وصلت في الأسبوع الماضي إلى موسكو مليون كمامة و200 ألف نظام للفحص من الصين، التي قدمها جاك ما مؤسس شركة علي بابا إلى روسيا. بعد بضعة أيام، أرسلت روسيا نفسها طائرة إلى الولايات المتحدة مع تبرعات طبية خيرية، ليتضح بعد بضعة أيام أن الولايات المتحدة اشترت "المساعدة الإنسانية" الصينية.

روسيا الجديدة القديمة

يساعد مؤسس شركة علي بابا الصينية جاك ما العالم بنشاط  خلال الأسابيع الأخيرة على احتواء وباء فيروس كورونا. في الأسبوع الماضي، حملت طائرة عسكرية روسية مليون قناع و 200 ألف نظام للفحص من الصين إلى موسكو، التي كان ما قد تبرع بها لروسيا.

أحسنت يا ما، شكرا له. ولكن أخبار المساعدات لا تنتهي عند هذا الحد.  فبعد بضعة أيام، أرسلت روسيا نفسها إلى الولايات المتحدة أيضا طائرة محملة بمساعدة خيرية شملت الأقنعة وأنظمة الفحوص. ولكن هذه المرة دون تحديد العدد. أعلن دميتري بيسكوف المتحدث باسم بوتين أن هذه الطائرة تحمل مساعدات إنسانية قدمها الروس للولايات المتحدة.

وما إن مرت بضعة أيام، حتى أصبح من المعروف أن ما يسمى "بالمساعدات الإنسانية" الروسية، لم تكن مجانية، بل مقابل الكثير من المال.

لقد أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا خاصا في هذا الصدد، قالت فيه إن كلفة الأقنعة وأنظمة الفحوص الموردة دفع ثمنها الجانب الأمريكي.

أنظروا ماذا حدث! قرر رجل الأعمال الصيني مساعدة الشعب الروسي فأرسل الكمامات ووسائط الفحص. و لكن فلاديمير بوتين رأى أن الروس المحتضرين ليسوا بحاجة إلى كل هذا، بينما هو نفسه بحاجة ماسة إلى الترويج لشخصه. لذا، أرسل الكمامات ووسائط الفحوص إلى الولايات المتحدة كـ"مساعدة إنسانية" للأمريكيين التعساء. ولكنه تذكر من ثم أن الأمريكيين رغم أنهم غير سعداء إلا أنهم ليسوا بالفقراء. لذا، طالبهم بالمال،  ومن غير المعروف في جيب من وضع. لقد عملوا طبعا على إخفاء ذلك.

بوتين لم يعلن في البلاد لا الحجر الصحي ولا حالة الطوارئ، وإنما عطلة عامة. يبدو لي أن هذه القصة تبين بمثالية كيف أن جشع وقسوة ووحشية الكرملين في زمن الوباء تصل إلى أحجام مروعة.

كورونا والأنظمة الاستبدادية

صار في الأسابيع الأخيرة من الشائع جدا القول بأن كوكبنا لن يعود كما كان من قبل، لأن الفيروس التاجي سيغيره بالكامل، حتى أننا سنتفاجأ بكل بساطة بالعالم الجديد بعد الوباء.

قد يكون الأمر كذلك، ولكن في رأيي، هذه الجائحة لم تقم إلا بتعزيز توجهات واتجاهات المجتمع التي كانت موجودة في السابق. فلو أخذنا الأنظمة الاستبدادية. هل من الممكن القول أن الفيروس التاجي غيرها بالكامل؟ أنا لا أعتقد ذلك. و لكن يمكننا أن نقول بكل ثقة أن قادتهم أصبحوا أكثر غباء و جبنا ووحشية وجشعا.

أنظروا إلى الديكتاتور الفلبيني رودريغو دوتيرتي. الذي طالب الشرطة في وقت سابق بإطلاق النار على الأشخاص المشتبه باتجارهم بالمخدرات بلا أية محاكمة أو تحقيق. بالنتيجة راح كل واحد في الفلبين يوشي بالآخر، متهمين بعضهم بالاتجار بالمخدرات. هناك من مل من حماته أو من منافسه التجاري، وهناك من تعبت من منافستها في الغرام.

أصبحت تهمة الاتجار بالمخدرات وسيلة سائدة لتسوية الحسابات. في حين قام تجار المخدرات أنفسهم بسرعة بشراء زمم ضباط الشرطة المحليين، فلم يصب نشاطهم بأذى.

جاء فيروس كورونا فخرج دوتيرتي بفكرة جديدة. أمر الجيش والشرطة باستهداف منتهكي الحجر الصحي بنيران أسلحتهم. أي أن الرئيس الطيب سمح الآن لرجاله بإطلاق النار على أي شخص في الشارع. أول ما قام به، أرسل القوات لقتل الناس الذين احتجوا على نقص الغذاء في مدينة كويزون.

الوباء جعل الرئيس الفلبيني أغبى من قبل. بينما يحلم نظيره المجري فيكتور أوربان منذ سنوات كثيرة في الحصول على السلطة الكاملة، مثل التي يتمتع بها فلاديمير بوتين أو رجب طيب أردوغان.

لقد كان سابقا الحاكم الأكثر استبدادا في الاتحاد الأوروبي. و مع تفشي الوباء، حصل أوربان من برلمانه على ما كان يحلم به، على السلطة الإمبراطورية تقريبا ولفترة غير محدودة. لقد أصبح  دكتاتورا بالفعل. يفكر الاتحاد الأوروبي الآن في كيفية معاقبة أوربان لتحوله إلى لوكاشينكو آخر.

بالمناسبة، لوكاشينكو نفسه كان يحدث الجميع عن النظام الاقتصادي الرائع الذي بناه، في حين كان يعيش هو نفسه من عائدات إعادة بيع النفط الروسي. وهو يعلن اليوم رسميا عن عدم وجود فيروس كورونا في بلاده، رغم أنه طلب بشكل غير رسمي من موسكو ومن دول أخرى المساعدة في التعامل مع الوباء، الذي ضرب بيلاروسيا بقوة أكبر من جميع الدول المجاورة.

عموما، لا جديد أيضا. الفرق الوحيد هو أنه الآن لا يقامر بالمال، وإنما بحياة البيلاروسيين التعساء.

نفس الوضع تقريبا في تركمانستان. و إذا حظروا هناك في السابق الباليه وصيد الأسماك والمرح في المساكن الطلابية، منعوا الآن كلمة "فيروس كورونا" وارتداء الكمامات الطبية.

صحة المواطنين لا تهم أحد، المهم الحفاظ، ولو حتى على مظهر الهدوء.

هكذا أعلنت  كوريا الشمالية أنها الدولة الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها فيروس كورونا. ربما يتعين عليها إعلان الحرب على تركمانستان، التي تنافس أيضا بجدية للحصول على هذا اللقب. و سيكون من المثير للشغف معرفة  الفائز به.

في روسيا، حدثت قصة معتادة في هذا البلد، حيث أن مزيج الجشع و التفاخر فيها وصل إلى مستوى نوعي جديد.

بوتين الجديد القديم

رغبة الديكتاتوريين المختلفين في إظهار أن كل شيء على ما يرام عندهم، يمكن تفسيرها ببساطة، هم لا يريدون أن يهاب الناس من الفيروس التاجي أكثر منهم أنفسهم.

حاول فلاديمير بوتين في البداية أيضا اتباع هذا النهج وإبداء عدم الاهتمام بالفيروس التاجي. لكنه أدرك في الأسبوع الماضي أنه سيكون من الصعب عليه القيام بذلك، حيث أن روسيا مهما يكن تبقى أكبر من تركمانستان.

و لكن حتى مع الاعتراف بوجود الوباء، يرفض بوتين قطعا اتخاذ أي إجراءات جادة لمكافحته. نظرا إلى عدم مبالاة الكرملين التامة، ظننت أن بوتين مرض أو مات حتى، حيث لا يمكنه إعلان: يوجد لدينا هنا جائحة شاملة، ولكننا لا نريد أن نفعل أي شيء.  ربما بوتين أسير أو فاقد للوعي.

تبين لاحقا أن الأمر ليس كذلك، حيث ظهر في 2 أبريل على شاشات التلفزيون من أحد المخابئ تحت الأرض حيا وبصحة جيدة على ما يبدو.  قال في كلمته التي وجهها إلى الروس إن الوباء موجود وإنه خطير للغاية. لم يعلن بوتين لا الحجر الصحي ولا حالة الطوارئ، و إنما أعلن عطلة تمتد حتى نهاية أعياد مايو، وأمر قطاع الأعمال الروسي، الذي يموت من الجوع، بدفع مخصصات هذه العطلة.

أضاف بوتين في نفس الوقت أن روسيا كبيرة جدا، وأنه لا يستطيع الإطلاع على الوضع الفعلي على الأرض، لذا يسلم السلطة لحكام المقاطعات، وأنه لن يفعل شيئا. انتهى حواره مع الناس عند هذا. 

نظرت إلى ما كتبه الروس أنفسهم عبر الشبكات الاجتماعية عن خطاب بوتين.  تعبر في أغلبها عن الاستياء. الناس متأكدون من أنه إما جن أو أنه يتصنع الجنون.

في جميع الأحوال، لم أر أي تعليق واحد  محايد، وإنما رأيت الشتائم فقط. تراجعت ثقة الروس في بوتين إلى الصفر عمليا، من الواضح أنه لم يعد طبيعيا إطلاقا.

في هذه الحالة عزز فيروس كورونا وسرّع ما كان موجودا بالفعل. اتضح أن جنون العظمة عند بوتين وخوفه من فقدان السلطة جعله يخشى اتخاذ إجراءات حاسمة غير شعبية.

ولكن بسبب التخبط المتزايد، يعتقد أنه يفعل ما هو صحيح، وأن الناس يروق لهم كل هذا. أعتقد أن الروس الجائعين سيسحبونه بالمذراة من المخبأ.

قناة "أوكرانيا برس" على "تيليغرام": https://t.me/Ukr_Press

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس - الإعلام المحلي

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022