ثورة لبنان.. وجه حضاري بعد 40 عاما من التخبط والنزعات

نسخة للطباعة2019.11.25

فهد خضر - لفيف

أكثر من ثلاثين يوما مضت على الثورة في لبنان، بعد أربعين عاما عاشها الشعب اللبناني بتخبط سياسي ونزاعات مذهبية وطائفية وفساد وتزلّم وتسلط بقوة السلاح وفرض أجندات سياسية محلية وإقليمية. 

أكثر المعانات كانت في ظل النظام السوري الإيراني المهيمن على البلاد والعباد، متمثلا بحزب الله الإيراني وحزب البعث وأذنابهم من طبقة سياسية جديدة خاضعة لأوامر الضابط السوري الحاكم بأمره بدءا من المواطن العادي وصولا إلى رأس الدولة وبدون استثناء. 

وما بقي مواطن لبناني وزعيم إلا وأذل وأهين لزرع الرعب والخضوع لقرارات المتسلطين، فأنا ربكم الأعلى وأنا كليم الله، وما عاد من حاجة إلى ظهور المهدي المنتظر. 

أما بالنسبة للمؤامرة على لبنان. إسرائيل، أي الصهيونية والإمبريالية العالمية كان هدفها القضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة في لبنان، بتوجيه ضربة والقضاء على الأحزاب التقدمية والعلمانية والحركة التحررية.

لبنان الكلمة الحرة والمنبر الحر، الصحافة الأدباء والمفكرين السياسيين، الطباعة الحرة الخ...

لبنان ساحة لكل الحركات التحررية، انطلاقا من الوطن العربي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، لبنان ملجأ آمن لكل تلك القوى، مما يشكل خطرا على الأنظمة الرجعية والوراثية والدكتاتورية. 

ضرب لبنان الحركة البنكية والمصرفية وقطاع الترانزيت عبر البحر، حيث كان ميناء بيروت الرابط بين العالم والشرق الأوسط والخليج العربي. لبنان السياحة والمناخ الطيب لكل العرب. 

كل ما ذكرت أعلاه لا يتناسب مع المخطط الصهيوني والعربي الرجعي. 

حيكت المؤامرة ونجحت إسرائيل بالقضاء الجزئي على المقاومة الفلسطينية عام 1982 وما بقي من المقاومة قضى عليها حافظ الأسد في عام 1985 عندما أخرجهم من طرابلس الفيحاء. 

وكذلك تم القضاء على المقاومة الوطنية اللبنانية في نفس العام، واستبدالها بالمقاومة الإسلامية، كي تكون ذريعة لإسرائيل بأنها مقاومة إسلامية ضد الدين اليهودي. وهكذا تتلاقى المصالح بين الأنظمة الفاسدة والقضاء على مصالح الشعوب وزرع الفتن المذهبية والطائفية وحتى العنصرية والقومية، حيث نعيش في بلاد عربية متعددة القوميات. 

إلى أن دخل الداء واجتاح كل الدول العربية وشمال افريقيا، وأصبحنا لقمة سهلة في فم العدو، وكسرت أحلامنا وطموحاتنا على ما يسمى بقادتنا و رؤسائنا. 

في العام 1989 تمت المصالحة الوطنية في مؤتمر الطائف، ووضع تعديل للدستور اللبناني، ومن أهم نقاطه كان تقوية صلاحيات رئيس الوزراء. 

الشيخ رفيق بهاء الدين الحريري أصبح رئيسا للوزراء، وأعاد إعمار بيروت، وتنفس لبنان ونفض عنه غبار الحرب الداخلية، وشرع المقاومة ضد إسرائيل على المنابر الدولية. 

أصبح رفيق الحريري من المشاهير السياسيين في العالم العربي، وبدأ لبنان يستعيد عافيته.

مع كل الضغوطات والتشبيحات، عانى رفيق الحريري الأمرين من بؤس وجشع السياسيين اللصوص في سوريا ولبنان. 

وفي الرابع عشر من شباط (فبراير) عام 2005 كانت الفاجعة واغتيل رفيق الحريري ورفاقه وقافلة كبيرة من الزعماء وأصحاب النفوذ في لبنان على أيد منفذين من حزب الله والنظام السوري الإيراني لمصالح الصهيونية العالمية. 

في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2019 انتفض الشعب اللبناني بثورة مجيدة ضد الفساد والسرقة والاستبداد والظلم والحرمان والتوظيف والفلتان الذي عبث بالبلاد من كل الطبقات السياسية وبدون استثناء. 

توحد الشعب اللبناني لكي ينقذ ما تبقى من البلد الذي غرق بديون تجاوزت المئة مليار دولار، مع أن حجم السرقات والنهب والمشاريع والمؤسسات والجمعيات الوهمية تعدت سرقاتها أكثر من 800 مليار دولار منذ اربعين سنة، وكما ذكرنا سابقا 130 معبر للتهريب، المطار والموانئ والحدود الرسمية مباحة للتهريب تحت شعار دعم المقاومة، وسائر القوى والأحزاب المشاركة في السلطة شيك مضارب مع المقاومة. والضحية الاكبر هو المواطن من كل الاتجاهات والأحزاب والطوائف. 

انكسر الطوق وتحطمت حواجز الخوف، وصرخ الشعب بصوت واحد (كلن يعني كلن) ثورة سلمية حضارية أسقطت قناع التفرقة الطائفية والمذهبية والمناطقية، وبان الوجه الحضاري للشعب اللبناني.

للمرة الأولى منذ عام ١٩٧٥ لم يرى لبنان مثل هذه اللوحة الحضارية والتآخي اللبناني، تحت راية العلم اللبناني فقط. وكانت الصدمة لكافة الأحزاب وأمراء الحروب. 

في اليوم الثاني عشر من الثورة ، تحقق أول هدف، وهو استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري من منصبه لتبقى وزارة تصريف أعمال، إلى حين تعيين وزارة تكنوقراط من الاختصاصيين.

لكن الوضع خطير جدا جدا، حيث انه وبعد خطاب ما يسمى بالرئيس ميشال عون المشؤم، بأنه لا يبالي إزاء الحراك، واستهزأ به ولم يعطيه أهمية، لا بل خاطب الشعب اللبناني: "اللي مش معجبو ميشال عون فليرحل يهاجر أينما يريد".

في تلك الليلة المشؤمة، تغير منعطف الثورة ودخلنا في مرحلة جديدة، حيث سقط ثلاثة شهداء، وبدأ الجيش بإستعمال القوى واعتقال الناشطين ووقوع جرحى بين المتظاهرين، ما زاد الشعب إصرارا على السير قدما بهذه الثورة الأبية، بالأشكال الحضارية والسلمية، مفوتا الفرصة على المندسين والعملاء والمشاغبين لتشويه صورة الثورة الحقيقية.

لكن ما يلوح بالأفق هو أن لبنان ذاهب إلى ما لا تحمد عقباه، و تنتظرنا مرحلة حسم للواقع اللبناني، وهو إما انتصار على المشروع الفارسي، وإما تحقيق المشروع الأوروبي الأمريكي.

للثورة طموحات بعيدة كل البعد عن الأجندات الخارجية، والأشهر القليلة القادمة ستكون حاسمة.

عاشت ثورة الشعب اللبناني...

ملاحظة:

المقال أعلاه يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن آراء العاملين في "أوكرانيا برس"

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022