رفعت آغا أحد الباقين القلة ممن شهدوا وعاشوا مأساة تهجير التتار المسلمين من إقليم شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا، واحدا من أبرز المطالبين بحقوقهم بعد العودة من بلاد المهجر.
هجر رفعت آغا مع أسرته وأقربائه وجيرانه في العام 1944 قسرا إلى الشتات في دول شرق آسيا وشمال روسيا، وذلك بدعوى الخيانة خلال الحرب العالمية الثانية، أثناء حكم الزعيم السوفيتي ستالين.
ورغم أن عمره بلغ الآن 80 عاما، وكان 12 عندما هجر، إلا أنه لا يزال يحرص على رواية ما سمع وشاهد من بداية وحتى نهاية المأساة، التي محت الوجود التتري الإسلامي من القرم تماما، بعد أن كان ولاية إسلامية تتبع لدولة الخلافة العثمانية، ولمدة تزيد عن 4 قرون.
متحف خاص
ولم يمنع تقدم العمر وذهاب السمع وكثرة الأمراض رفعت آغا من إطلاق مبادرة لافتة للتعريف بالمأساة وتخليد ذكراها، فأنشأ في مسجد قريته متحفا شخصيا لهذا الغرض قبل نحو شهر.
زرنا المتحف بقرية "سولنيتشنا دولينا" القريبة من البحر الأسود، حيث تكثر أعداد السياح بعيدا عن متاحف المدن الضخمة، واستمعت منه إلى شرح مفصل عن مقتنياته.
يضم المتحف كتبا تاريخية، وصورا ولوحات للقرية ومظاهر حياة التتار فيها قبل التهجير، وأخرى للدمار الذي حل فيها بعده، جمعها قبل التهجير أو اشتراها من رسامين ومصورين في المهجر بأوزباكستان.
يقول: "لا أدر لماذا، ولكني جمعت بعض الصور عندما جاء الأمر بالخروج، ومنحنا 15 دقيقة فقط لجمع ما يلزمنا، ولحسن حظي لم ينتبه إليها الجنود، وإلا لرموها وأحرقوها، كما فعلوا مع حاجيات الكثيرين".
ومن أبرز المقتنيات صورة تظهر "الإسطبلات" التي جمع فيها الجنود التتار كما يروي رفعت آغا، ولوحة تظهر تجمع النساء والأطفال في ذعر أمام الجنود، وبالقرب من أكوام الأمتعة التي منعوا من حملها.
كما يضم المتحف منسوجات وأواني نادرة، جمعها في المهجر ومن الجيران، إضافة إلى وجود عدة أدوات للطهي والغزل والصناعة من التراث القرمي التتري.
للسياح والتتار
ويفسر رفعت آغا فكرة المتحف وحجم اهتمامه به، فيقول إنه يسعى من خلاله لتعريف أكبر عدد من الناس بظلم تلك الأيام، وخاصة من سياح الدول التي كانت يوما في عضوية الاتحاد السوفيتي، حيث لا يزال الكثير منهم ينظر إلى التتار كخونة، رغم أن الاتحاد برأهم من هذه التهمة في العام 1967.
وفي هذا السياق، يشير إلى وثائق يضمها متحفه، لملكية بيوت صودرت من التتار، وإلى صور لضباط ولجنود تتار خدموا في الجيش الأحمر كغيرهم أثناء الحرب، وعادوا ليجدوا أن أسرهم قد هجرت، ثم تمت تصفيتهم.
ويقول: "تهمة التهجير كانت مفبركة، وعمليتها كان تطهيرا عرقيا، وممارسة للتمييز والعنصرية ضد التتار وغيرهم من الفئات العرقية والدينية، التي أصرت على التمسك بدياناتها وهويتها".
كما يعتبر رفعت آغا أن موت معظم من شهد رحلة التهجير يهدد بالنسيان وتشويه التاريخ بالنسبة للشباب، "ولهذا أحسست أن من واجبي أن أقدم لهم ما يظهر حجم التضحيات والآلام، ويعزز تمسكهم بهويتهم وحقوقهم التي لم تسترد كاملة بعد انهيار الاتحاد والعودة".
واللافت أن مبادرة رفعت آغا لاقت نجاحا كبيرا، حيث زار المتحف مئات السياح خلال شهر، كما يروي سكان القرية، بعد أن قام بنشر إعلانات عنه في المنتجعات الشاطئية القريبة، وبات مقصد الكثير من التتار في المدن والقرى القريبة، كما بات رفعت آغا نفسه محل احترام وتقدير التتار وغيرهم، كرمز للعزيمة وقوة التمسك بالهوية.
يذكر أن التهجير قضى على نحو 300 ألف تتري، وشرد مئات الألوف منهم في دول المهجر أو الجوار، وتقدر أعداد التتار اليوم في القرم بنحو 500 ألف نسمة، في حين كانت تقدر بنحو 3 ملايين قبل إنشاء الاتحاد السوفيتي والتهجير.
أوكرانيا برس + الجزيرة نت
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022