رسائل تدخل كوريا الشمالية في الغزو الروسي وانعكاساته

نسخة للطباعة2024.10.24
عبد الرحمن الشامي

مع استمرار الانكار الروسي لوجود قوات من كوريا الشمالية على الأراضي الروسية استعدادا للمشاركة المباشرة في الحرب بين روسيا وأوكرانيا لا تزال تتسرب صور وفيديوهات للقوات الكورية تؤكد صحتها المخابرات الكورية الجنوبية وأطراف عالمية أخرى, ويبدو ان الأمر اصبح مسألة وقت قبل ان الحصول على أدلة قطعية على التدخل ليصبح اليوم السؤال ليس هل يوجد قوات كورية في روسيا بل السؤال هو كم العدد وما الأهداف وما تأثير هذا التدخل على الحرب الحالية؟

تقديرات الأرقام الحالية
في ما يخص الأعداد تبقى الأرقام الموجودة حاليا هي أرقام تقريبية! رئيس المخابرات الأوكرانية كيريل بودانوف تحدث عن تحضير 12000 من القوات الكورية للتدخل في الصراع بين روسيا وأوكرانيا
هناك مصادر أخرى تقدر الأعداد الحالية بين 2000 و 3000 مع التحضير لزيادة الأعداد بواقع حوالي العشرة ألاف (ويبدو ان هذا الرقم الذي يتحدث عنه بودانوف)
الهدف من التدخل الكوري يبدو مجهولاً! يعاني كل من الطرفين من مشكلة في تجنيد جنود لهذه الحرب الطاحنة! وبالتأكيد فأن 12 ألف من المقاتلين مرحب بهم على الطرف الروسي لكن هناك أسئلة يجب أن تطرح!
السؤال الأول هو مدى تأثير 12 ألف مقاتل في حرب يبدو ان خسائر الطرفين من الجنود هو رقم قد يصل الى المليون جندي! 12 الف يبدو رقم ضعيف جداً لو قورن بحجم الحرب الطاحنة بين الطرفين! وتغييره في المعادلة لا يبدو كبير! لكن الحقيقة ان هناك من يعتقد ان 12 الف هو رقم مبدأي ليس إلا! وأن كوريا الشمالية التي تملك خزاناً كبيراً من المقاتلين يمكن أن تتحول الى رافد مهم بشكل مستمر للجيش الروسي, لكن الكلام لا يزال مبكراً فعلى سبيل المثال وحسب مصادر مؤيدة للنظام السوري فأن النظام وعد روسيا بعشرة ألاف مقاتل سوري على الاقل! مع تحدث وسائل إعلام روسية عن ان الرقم قد يصل الى خمسين ألف! هذا الحديث كان في بداية الحرب! لكن واقع الميدان يدل على ان رقم الأجانب المحسوبين على الطرفين سواء ضمن الجيش الروسي أو الأوكراني هو عدد قليل جدا ولا يملك اي تأثير حقيقي على وقع المعارك كقوات مقاتلة على الأرض! وأن الكتلة البشرية المقاتلة في هذه الحرب هي بشكل مباشر من الروس على الطرف الروسي ومن الأوكران على الطرف الأوكراني.

ما الأهداف؟
بعض المصادر حصرت الوجود الكوري بأنه مجرد مختصين عسكريين يساعدون الروس على استخدام الصواريخ والذخيرة الكورية, يبدو هذا الامر قد يكون منطقياً لكن الاعداد والتواجد المكثف للقوات الكورية لا يوحي بهذا الأمر, مصادر اخرى تتحدث عن ان الوجود الكوري حالياً سيكون بالغالب محصور في كورسك الروسية التي تسيطر القوات الاوكرانية على مناطق واسعة منها, قد يكون هذا التفسير أيضا منطقيا لسبب أخر سنعود لنقاشه عن تأثير تدخل القوات الكورية في هذه الحرب.
لكن على النحو الأخر فحقيقة ان التدخل الكوري قد يكون بالفعل مفيد جداً لكوريا الشمالية! بل هو في الغالب أكثر فائدة لكوريا الشمالية من روسيا نفسها! فالقوات الكورية في الغالب ستحصل على خبرة عسكرية مهمة جدا في حرب تعتبر من أهم الحروب في العصر الحالي, وعلى عكس الانظمة الدكتاتورية القمعية التي ارسلت بعض المقاتلين من المرتزقة الى جانب روسيا فيبدو أن كوريا الشمالية قد ارسلت من القوات النظامية بل ربما من قوات النخبة, مما يعني ان كوريا الشمالية تعول على عودة قسم كبير من هؤلاء القوات احياء الى كوريا, مع ذلك يبقى السبب غامضاً حتى الان والسؤال الغامض الاخر عن دور الصين المحتمل في هذا التدخل وربما تصبح الصورة أوضح في الأشهر القادمة

التأثير
كما سبق وتحدثنا عن الأرقام فأن بقي التدخل الكوري بهذا العدد فهو يبقى عدد محدود لا تأثير كبير له على الأرض! فخسائر الطرفين اكبر بكثير من أضعاف هذا الرقم! المشكلة الاخرى هي عامل اللغة والتنسيق! فعلى سبيل المثال في كورسك نفسها التي تحدثنا عنها يستفيد الأوكران من عدم التنسيق بين وحدات الجيش الروسي فيضرب الجيش الروسي احيانا بعضه بعضا! هذا والجيش الروسي يتحدث اللغة الروسية ويعلم بروتوكولات تساعده على التنسيق! فكيف لنا ان نتخيل دخول هذه القوات لاستخدام اسلحة ومعدات ليست بالضرورة مدربة عليها في بيئة جديدة عليها مع عامل اللغة واختلاف وسائل التنسيق! هذا سيجعل فعالية القوات الكورية اقل بكثير من المطلوب! لكن قد يقول قائل أن ما يشاع أن هذه القوات من النخبة! لكن الحقيقة ان عدد قوات النخبة في كوريا الشمالية كبير! مما يعطي انطباع ان ليس كل قوات النخبة هي نخبة بالفعل! وان الجيش الكوري كأي جيش في نظام دكتاتوري يبالغ في وصف قوات النخبة كجزء من حرب البروباغاندا.
في حال كان التدخل الكوري بالفعل هو تدخل خبراء عسكريين فأن تاثير تدخلهم هو محدود بأنواع الاسلحة التي سيتم استخدامها وبما أن اغلب الاسلحة الكورية لا تحمل فارق عسكري مهم عن الاسلحة الروسية الحالية بالتالي المتوقع ان لا يكون للخبراء الكوريين تاثير مغير لقوانين اللعبة!

التأثير السلبي على روسيا
على الطرف الأخر هناك التأثير السلبي على روسيا! يبدأ التأثير من ساحة الميدان كما تم الشرح عن مشاكل اللغة والتنسيق فأن هناك مشاكل العدة والعتاد! اذ لو فرضنا ان السلاح المؤمن لقوات النخبة الكورية سيكون سلاح حديث نسبياً فعال في الوقت التي تتحدث فيه الكتائب الروسية بشكل شبه يومي عن ما يسمونه ب "جوع العتاد" الكبير على الجبهات فأن هذا ايضا سيؤثر بالتأكيد على معنويات الضباط والعناصر الروسية ويزيد من المشاحنات التي هي موجودة أصلا.
أضف الى ذلك أن الحكومة الأوكرانية تستغل التدخل الكوري الشمالي استغلالا صحيحا! فالتدخل الكوري يعتبر تصعيدا في هذه الحرب! لطالما كانت الحركات اليمينية في أوربا تؤكد على ان الغزو الروسي لأوكرانيا هو شأن بين البلدين وأن هذه الحرب ليست عالمية بالتالي هم غير معنيين فيها! لذلك يضغطون على انظمتهم في اوربا لوقف الدعم لاوكرانيا, انخراط كوريا الشمالية بشكل مباشر بشكل او باخر يحولها من حرب بين بلدين كما هي الان الى حرب محاور! طبعا اعلاميا الحديث عن حرب المحاور حديث حصل حتى قبل اول رصاصة اطلقت في هذه الحرب! لكن الحديث عن حرب المحاور لا يتعدى البروباغاندا فعلى الارض التوصيف الدقيق ان الجنود الروس يقاتلون جنود أوكران! وكما سبق وتكلمنا عن وجود متطوعين ومرتزقة في صفوف الطرفين فأن المتطوعين او المرتزقة لا يمثلوا بشكل مباشر اي دولة اجنبية (وقد رفضت الدول الغربية التدخل المباشر كذلك يبدو ان لوكاشينكو الرئيس البيلاروسي تهرب من المشاركة في هذه الحرب لمصلحة الروس) مما يعني أن التدخل الكوري يعتبر سابقة في هذه الحرب! ويعتبر تصعيدا سوف تستغله أوكرانيا لحشد أكبر ضد الروس وحلفائهم! ويبدو أن الامر بدأ يثمر بالفعل فهناك تعهد من كوريا الجنوبية بأن تتغير سياستها تجاه هذه الحرب التي كانت اقرب للحياد حتى لو ان الواقع كان يقول ان سيؤول باعت أوكرانيا السلاح الا انها فعلت ذلك عن طريق دولة ثالثة كي لا تنخرط بشكل مباشر بالحرب!
لكن روسيا تستطيع الالتفاف بشكل او باخر على هذا البلد اولا باستمرار سياسة الانكار وثانيا ربما بحصر التدخل الروسي ضمن كورسك الروسية, مما يعني انها وبحسب القانون الدولي تواجد الكوريين مقبول على أساس انه محصور بارض روسية تملك الدولة الروسية حق السيادة عليها على عكس الاراضي الاوكرانية المحتلة لذلك بقاء الكوريين في كورسك تحديداً قد لا يعتبر تصعيد عسكري يستلزم الرد

الرسائل المستفادة من التدخل الكوري
من الواضح انه اي يكن سبب التدخل الكوري مع زيادة السلاح الايراني والكوري في هذه الحرب فهو يرسل رسالة واضحة على مشاكل روسيا اللوجستية في ادارة هذه الحرب وان روسيا لم تعد وحدها قادرة على تمويل هذه المحرقة التي طحنت الطرفين, روسيا أكبر دولة في العالم اصبحت معتمدة بشكل مؤثر على المعونة الكورية والايرانية, قد يقول قائل أن اوكرانيا ايضا تحصل على مساعدة كبيرة من الغرب لكن أوكرانيا ليست أكبر دولة في العالم ولا تملك ثاني أكبر جيش في العالم, وهي ليست دولة نووية, بالتالي من الطبيعي بل والمنطقي ان تستعين بحلفائها! الغير طبيعي هي ان حرب الايام العشرة كما سماها بعض الروس تحولت الى حرب تكاد تنهي عامها الثالث والجيش الروسي لحد الان لم يستطع ان يسيطر حتى على الدونباس (التي يحارب من اجلها منذ عام 2014) بل فشل حتى بحماية الاراضي الروسية من السيطرة الأوكرانية, هناك تقدم ملحوظ للقوات الروسية لكنه مرة ثانية لا يتناسب أبدا لا مع حجم روسيا ولا امكانيات الجيش الروسي الذي يفترض انه كان قادرا على حسم هذه الحرب بايام وبمفرده ودون حتى ان يشغل الكثير من وحدات جيشه! لكن واقع الميدان يفرض واقع اخر مخالف لاي من التوقعات الروسية.
يحاول بوتن بكل قوته ان يظهر انه الطرف الاقوى الذي يسيطر على الوضع تماماً لكن قبور مقاتليه ومحاولات وزارة حربه من منع المقاتلين الروس من تصوير الفيديوهات من ارض المعركة التي تظهر فداحة الثمن الباهظ لكل متر تسيطر عليه القوات الروسية, واعتماده بشكل كبير على دول كان ينظر لها في موسكو يوما ما على انها اصغر من ان يكون لها اي فائدة حقيقية ترتجى منها قبل ان تتحول الى حليف رئيسي يظهر ان "القيصر" بعيد جدا عن اي من اهداف حربه العسكرية وانه مع انه يمسك زمام المبادرة لكنه لا يملك كل الاوراق لحسم هذه المعركة, مع ذلك لا يعني هذا ان ما يحصل هو "انتصار" للطرف الاوكراني, فواقع الحال يظهر أن الدول الداعمة لأوكرانيا باتت تدرك صعوبة استعادة الاراضي الاوكرانية المحتلة وبات كل من طرفي النزاع يريد ضرب الطرف الاخر ضربات قوية قبل ان يصل النزاع الى طاولة المفاوضات.

 

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022