خلال الأسابيع القليلة الماضية، شهدت أوكرانيا أحداثا وقضايا مست بشكل مباشر أو غير مباشر اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد"، الذي يعتبر أكبر وأبرز مؤسسة تعنى بشؤون العرب والمسلمين في أوكرانيا.
كما مست هذه الأحداث المراكز الإسلامية التي يشرف عليها الاتحاد في عدة مدن، أو "كان" يشرف عليها في الأجزاء المحتلة من شرق البلاد.
آخر هذه الأحداث كانت عملية تفتيش داخل المركز الثقافي الإسلامي بكييف في مارس الماضي، ثم إغلاق المحتلين الروس للمركز الإسلامي في مدينة دونيتسك شرق البلاد في شهر يونيو، بحجة دعم التطرف والإرهاب، والتبعية لمقر الاتحاد الرئيس في العاصمة.
التفتيش في كييف تناولته معظم وسائل الإعلام المحلية بصورة تقليدية دون تضخيم أو تهويل، على أنه عملية روتينية تشهدها البلاد يوميا في الكثير من المؤسسات الحكومية والاجتماعية والدينية المختلفة.
وتناولت وسائل الإعلام المحلية إغلاق المركز الإسلامي في دونيتسك على أنه حلقة في سلسلة طويلة من عمليات الاضطهاد والتلفيق التي يمارسها المحتلون الروس ضد سكان المناطق المحتلة.
لكن بعض المواقع الناطقة بالعربية في أوكرانيا تناولت هذه الأحداث بعين وأسلوب عربي دارج على ما يبدو، فسوّقت للأمر على أنه حرب ضد "الرائد" الذي يمثل جماعة "الإخوان المسلمين" على أرض أوكرانيا.
بل وذهب أحد القائمين على تلك المواقع إلى أبعد من ذلك، مصرحا بأن مراكز "الرائد" أرضية للتطرف والمتطرفين، ومنهم أتباع وأنصار تنظيم "الدولة" الإرهابي.
هذا الأمر –وإن لم يعره الأوكرانيون أي اهتمام- أثار الشبهات والتساؤلات بين العرب في أوكرانيا، وغيرهم ممن يدعم مسيرة "الرائد" الدعوية الإغاثية فيها منذ أكثر من 20 عاما، ولهذا رأينا أن نجري حوارا مع رئيس الاتحاد الأستاذ سيران عريفوف، ليبين لنا وجه نظره، وموقف "الرائد" من مختلف هذه القضايا وغيرها.
وفيما يلي نص الحوار، الذي أجرته الصحفية أولغا كوزينسوفا:
1- سيد عريفوف...، بداية، كيف تنظرون أنتم إلى عملية التفتيش التي جرت في كييف؟
أهلا بك...، "الرائد" أكبر وأبرز مؤسسة أوكرانية، ولدت في أوكرانيا المستقلة لتعنى بشؤون المسلمين قبل غيرهم على أراضيها، ولدينا –بفضل الله وحمده- انتشار واسع حقيقي لا وهمي في جميع المدن.
"الرائد" يشرف على أكثر من 10 مراكز، وتنضوي تحته أكثر من 20 جمعية، ويمد يد العون لعشرات المساجد والمصليات في جميع أرجاء أوكرانيا.
كما يتمتع "الرائد" بقاعدة شعبية هي الأكبر والأقوى، وعلاقات واسعة وطيبة وشفافة وصادقة مع جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والديني في أوكرانيا، ومع وزارات وهيئات خيرية معتبرة وبارزة حول العالم.
أوكرانيا بعد ثورة الكرامة تشهد الكثير من التحولات والإجراءات الاحترازية التي تصب في إطار الحفاظ على الأمن والاستقرار، وهي إجراءات مست أعلى مؤسسات السلطة وغيرها، كما مست وتمس بصورة شبه يومية الكثير من مؤسسات المجتمع المدني والديني المسيحي وغيرها.
"الرائد" كأبرز وأكبر مؤسسة اجتماعية أوكرانية ذات طابع إسلامي، ليس بمعزل عن هذه التحولات والإجراءات التي تشهدها البلاد في هذه الظروف.
هذا لا يعني أننا راضون عما جرى، وخلال مؤتمر صحفي عقدناه في السابع من شهر مارس الماضي، قلنا إن الأسلوب الذي جرت به عملية التفتيش في مركز كييف مستفز وموجه، ومستنسخ من الطرق الأمنية الروسية في عمليات التلفيق.
مسؤولون ونواب أوكرانيون كثر، وشركاء وأصدقاء انتقدوا عملية التفتيش، فهي بحق مهزلة سخيفة وثَّقتها كاميرات المراقبة بحق من يقف خلفها، وأمرها متروك إلى القضاء الأوكراني؛ ولا أخفيك أنها أثارت غضب مسؤولين في الأجهزة الأمنية والحقوقية المعنية، الأمر الذي أكد لنا أن عملية التفتيش مأجورة وموجهة فعلا.
ولا أريد الخوض في التفاصيل مجددا، ولكن أشير إلى أن موضوع كتابيّ التطرف المهترئين، التي قال المفتشون إنهم عثروا عليها، فهو موضوع سخيف لدرجة كبيرة، ونحن في زمان يستطيع فيه أي شخص تحميل أي كتاب في أي وقت على أي هاتف أو جهاز؛ ثم إن منابر مساجدنا ومدارسنا تشهد أننا نبتعد بالعامة والأبناء عن أي فكر أو رأي متطرف أو مشبوه.
عملية التفتيش أساءت بأسلوبها ونتائجها إلى مجتمع أوكرانيا عموما، ومسلميها خصوصا، وهذا أشد ما نخشاه فعلا، لأن من يعتدي على حدود بلادنا، لن يتوانى عن إثارة الفتن وإشاعة الأكاذيب، التي تشق الصف وتهدم البيت الأوكراني من الداخل.
2- وماذا عن إغلاق المركز الإسلامي التابع لكم في دونيتسك بشرق أوكرانيا؟
أولا، هذا الإغلاق يؤكد ما نعتقده ونؤمن به، وما ذكرته لك، بأن من يقف خلف هذا الأسلوب طرف روسي يستهدف مجتمع أوكرانيا بالسوء من بوابة مسلميها.
ثانيا، المركز واحد من عدة مساجد وجمعيات إسلامية أغلقت في دونيتسك أيضا، فلسنا الوحيدين.
ثالثا، وهذا لا يقل أهمية، فإننا منذ العام 2014 لا نشرف على المراكز والجمعيات والمساجد والمصليات في القرم المحتل جنوبا، والمناطق المحتلة في شرق البلاد، واتخذنا قرارا بعدم التعامل معها بأي صورة أو مجال إداري أو مالي أو غيره، شأننا كشأن المؤسسات الأوكرانية التي خسرت فروعها وعملها في تلك المناطق.
وفي النهاية، نحن لا نريد إلا الخير لمسلمي القرم وإقليم الدونباس، وهم أهل مكة وأدرى بشعابها، كما يقول العرب.
3- ولكن حججهم واتهاماتهم تربطكم بالتطرف والإرهاب والتبعية لكييف، أو لجماعة الإخوان المسلمين، وهذا ما ذكرته مواقع تابعة لهم، وأخرى ناطقة بالعربية في أوكرانيا؟
مواقعهم تنشر ما يريدون، وتعكس سياستهم وتوجهاتهم، والحب والولاء لأوكرانيا تطرف وإرهاب بالنسبة لهم، لذلك لا عجب فيما يصدر أو سيصدر عنهم تجاهنا.
هذه المواقع الناطقة بالعربية التي ذكرتها كالذباب، لا تحوم إلا حول قمامة الأخبار، بل وتختلقها وتحورها إذا لزم الأمر، لكسب شهرة مزيفة أو "لايكات" أكثر.
بعض القائمين على هذه المواقع أناس حقدة مأجورون قد تعرفينهم، تاريخهم يحمل كثيرا من السوء والسواد، وهم لا ينتمون أصلا إلى مهنة الصحافة.
لا أريد ذكر أسماء الآن، لكن حقدهم ظهر جليا خلال الأعوام الأخيرة، وما تخللها من أحداث شهدها العالم العربي، حالهم كحال الكثير من الحساد والمنافسين غير الشرفاء، الذين يصطادون في الماء العكر، أملا بضرب وإقصاء أي شخصية أو مؤسسة ناجحة.
وعموما، "الرائد" اتُّهم سابقا بالتبعية إلى الوهابية المتشددة من قبل الإدارة الدينية التي يدريها المدعو أحمد تميم، والقضاء الأوكراني كذب هذه الاتهامات وعاقب المدعي، ثم اتُّهم "الرائد" بالتبعية إلى "حزب التحرير"، والقضاء الأوكراني وقف لهذا بالمرصاد أيضا.
تهمة التبعية للإخوان كتنظيم إرهابي هي التهمة الدارجة حاليا في العالم العربي والإسلامي، بعد الثورات التي شهدتها المنطقة، تماما كما كانت تهمة الانتماء إلى حركات التحرر الثورية دارجة في أمريكا الجنوبية بأواسط القرن الماضي، وحقيقة لا نستبعد أن يأتي مستقبلا من يتهمنا بالانتماء إلى الشيوعية أو عبدة الشيطان.
وكما في السابق، سيكون القضاء حكما بيننا وبين أي من تسول له نفسه الإساءة إلينا واتهامنا كذبا، لأننا نرى في ذلك إساءة مباشرة للإسلام في أوكرانيا، ولمؤسسة أوكرانية تمثل الشريحة الأكبر والأوسع من المسلمين فيها، بل ولأوكرانيا نفسها، لأن "الرائد" –بشهادة الدولة- من أبرز المؤسسات الاجتماعية الناشطة في البلاد.
"الرائد" قام على مبادئ رئيسية، منها عدم إقحام مسلمي أوكرانيا بأي نزاع خارجي تشهده الدول العربية أو الإسلامية، وعدم الترويج لأي فكر أو رأي أو تيار أو جماعة أو حركة، أيا كانت.
مواقف "الرائد" كمؤسسة تلتزم دائما بهذا الأمر، حتى وإن اختلفت الآراء، وكل ما يصدر خارج هذا الإطار من مواقف مردود على صاحبه أيا كان، ولا يعبر إلا عنه.
مساجدنا ومؤسساتنا محضن الجميع دون تمييز، وتضم على سبيل المثال السنة والشيعة، وأتباع النظام السوري ومعارضيه، ومؤيدي النظام المصري ومعارضيه، وأبناء ومؤيدي فتح أو حماس أو الجهاد أو غيرها في فلسطين، ومختلف أطياف الوضع الليبي، إضافة إلى أبناء وأنصار عدة جمعيات وأحزاب تترية، وإن قلت.
الفكر الذي نلتزم به ونفاخر هو "الإسلام الوسطي المعتدل"، الذي نرى فيه حقيقة وجوهر الإسلام، ومصلحة مسلمي أوكرانيا وأوروبا والعالم الغربي كأقلية، لأنه فكر يعكس سماحة ديننا، ويحقق السلام ويحفظ الأمن محليا وعالميا، حتى وإن سعت أطراف لعكس هذه الحقيقة، وتلوينها وتشويهها.
4- ولكن، من بين الكتب التي صودرت أثناء عملية التفتيش في كييف كتاب "الحلال والحرام" للكاتب القرضاوي المحسوب على "الإخوان المسلمين"، وأنتم من أنصاره، أليس كذلك؟
هذا الكتاب لا يتضمن أي شيء متطرف، وخبراء أوكرانيون متخصصون في هذا المجال قرأوه وحرروه قبل أن نقوم بترجمته وطباعته لتعم الفائدة على المسلمين.
القرضاوي إمام الوسطية، له مكانته بين علماء المسلمين، وله الكثير من المؤلفات التي ترجمناها وطبعناها فعلا، لأنها كتب قريبة من واقع عيش المسلمين في الغرب كأقلية، وكلها تتمسك بمبادئ التعايش والتفاهم والتسامح والعيش المشترك.
ولكننا لم نترجم للقرضاوي فقط، بل لكثيرين غيره، ومواقعنا الإسلامية التعريفية تشهد أننا نختار الكثير من فتاوى غيره المحسوبين على مدارس فكرية أخرى، إذا وجدنا فيها ما هو أقرب إلى واقع المسلمين، وأيسر عليهم.
ما أريد قوله هو أننا لا نتمسك بأشخاص دون غيرهم، ولا نعتمد مدارسهم أساسا لما نحتاج إليه من كتب وآراء وفتاوى، ولدينا لجنة خاصة تحسن التتبع والانتقاء.
وهنا أشير بالمناسبة إلى أننا خاطبنا وزارة الثقافة حول هذا الأمر، وقد نفت في رسالة رسمية وجود أي من كتبنا ضمن قائمة الكتب المحظورة، بل وقالت إنه لا توجد في أوكرانيا قائمة كتب إسلامية محظورة أصلا.
5- تتحدث وكان الأمر مرتبط بأطراف خارجية غير روسيا التي أشرت إليها مسبقا، فهل صحيح ما فهمت؟
للأسف نعم، فلسنا بمعزل عما يحدث في العالم مهما سعينا إلى النأي بمسلمي أوكرانيا، فالنزاعات والأحقاد السياسية والاقتصادية والدينية تمس الجميع، دون تفريق بين مسلمين وغيرهم.
نحن كمسلمين نرى ونشعر بالحملة العالمية التي تريد النيل من أي إسلام أو مسلم ملتزم وصاحب رأي، أو حتى منعزل صامت، لا يردد عبارات التملق والولاء التي تريدها حكومات وأنظمة.
لسنا دعاة تسييس أو مواجهة، ولكننا كأوروبيين نتمتع بحرية نتمسك بها ولا نتخلى عنها، ولهذا السبب قبل غيره تمتد هذه الحملة العالمية الحاقدة إلى مؤسسات المسلمين في الغرب، للنيل من تلك الحرية، والوعي والانفتاح الناتج عنها، مستخدمة لذلك الحجج والمصطلحات القديمة والدارجة، كالوهابية والإخوان والتطرف والإرهاب والتشدد والخلايا وغيرها.
6- عفوا، من هي هذه الأطراف، وما الذي تقوم به في أوكرانيا ضدكم؟
هي أطراف تمثل حكومات ودول وتيارات، نعرفها ولا نسميها الآن، تعمل حثيثا على تسريب ونشر الفكر المتشدد إلى أوكرانيا، ودعم وجود مؤسسات تحضنه، الأمر الذي قد يستخدم مستقبلا كفزاعة تبرر أي تحرك ضدها وضد غيرها، أو للقيام بضرر يسيء إلى صورة المسلمين، ويضعهم في قفص الاتهام والشك، وأمثلة ذلك كثيرة في دول الغرب؛ نسأل الله السلامة.
تعمل هذه الأطراف كذلك على شراء المواقف وتوجيهها في صفوف بعض الإعلاميين وأبناء الجاليات والرموز الدينية، ولا نستبعد أبدا ضلوعها في عملية التفتيش التي جرت بالمركز الإسلامي في كييف، أو أي عمل يدبر ضدنا في المستقبل؛ لا قدر الله.
كما تعمل هذه الأطراف على استهداف قاعدتنا الشعبية، وهذا ما لاحظناه في رمضان، من خلال تنظيم فعاليات بتهدف إلى تشتت الجمهور وإبعاده عن مراكزنا؛ ولكنها فشلت بحمد الله وتوفيقه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا الشيء الذي يجده المسلمون لدينا دون غيرنا هو الطمأنينة والأجواء الروحانية الإيمانية الخالصة لوجه الله سبحانه.
7- في ظل كل هذه الأمور، كيف تنظرون إلى المستقبل؟
ننظر دائما بإيجابية وتفاؤل إلى المستقبل، ولا نعتبر ما حدث أو قد يحدث إلا ابتلاءات يريد الله بها امتحاننا، وهي دليل على أننا نسير على الطريق الصحيح.
هي ابتلاءات تزيدنا إيمانا وعزيمة، وتنعكس مزيدا من العطاء والعمل، حتى نبقى رائدين في المجالات التعريفية والإغاثية والحضارية، ومحل ثقة المسلمين والشركاء، في داخل أوكرانيا وخارجها.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022