حجاج تتار يحملون علم أوكرانيا أثناء أدائهم مناسك الحج (أوكرانيا برس - أرشيف)
يروي حجاج بيت الله الحرام من التتار المسلمين العائدين إلى وطنهم أوكرانيا حكايات ومشاعر مختلفة عن تلك التي يرويها ملايين آخرون من مسلمي العالم، كيف لا وهم يشاركون في مؤتمر إسلامي ضخم يجمعهم مع الملايين من أبناء دينهم بعد عقود من الاضطهاد الديني الذي أبعدهم عن أمتهم، وأبعد أمتهم عنهم.
شعيب سليمانوف كان من بين 150 حاجا انطلقوا من أوكرانيا هذا العام، وصف ما شاهده خلال الشعائر بالحدث الذي يدل على عظم أمة الإسلام التي تجمع بين مختلف الأعراق والألوان دون فرق إلا بالتقوى.
وببساطتها تقول الحاجة مريم (70 عاما) إن والدها كان يحدثها عن الإسلام ويحببه إليها عندما كانت صغيرة، وكانت تجمع لذلك المال من مصروفها ببراءة الطفولة، وعندما استطاعت الحج في العام 2008 أحست أن 1.5 مليار مسلم أرسلوا حجاجهم للحج، وللترحيب بوجود التتار بينهم بعد طول فراق.
اضطهاد وحرمان
عاش التتار المسلمون في أوكرانيا سبع عقود في ظل الاتحاد السوفيتي الذي حرمهم من تعلم وممارسة تعاليم دينهم، فدمر وصادر معظم مساجدهم ومؤسساتهم التعليمية والدينية وأحرق كتبهم، ووضع خططا وبرامج عدة لكي يذوبوا في مجتمع الشيوعية والإلحاد.
يقول الشيخ سعيد إسماعيلوف مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة" إن التتار كانوا محرومين من الصلاة والصوم وقراءة القرآن وحتى من تعلم لغتهم التتارية، فكانوا يصلون ويصومون ويقرؤون سرا، والعقاب الشديد كان نصيبهم إذا ما كشف أمرهم، خاصة في الجيش ومؤسسات الدولة.
ويشير إسماعيلوف إلى أن الكثير من التتار كانوا يخبئون الكتب تحت الأرض ويدعون المرض لأداء الصوم، ولم يسمح لأحد منهم ولغيرهم من مسلمي دول الاتحاد بالحج على مدار عقود خشية الفكر الإسلامي على الشيوعي، إلا في نهاية تاريخه، حيث سمح لرموز دينية تعد على الأصابع، وهي "رموز مصطنعة تثق بولائها المخابرات السوفيتية".
وأكد أنه كان لدى الاتحاد السوفييتي برنامج ممنهج لإذابة التتار في المجتمع، فكان يشجعهم على الزواج بغير المسلمات، وتسمية الأبناء بأسماء الأبطال والقادة، وكان يتعمد إرسالهم إلى مناطق بعيدة للعمل.
وحول ذات السياق قال مسلم غفاروف (73 عاما) إنه كان يصوم سرا عندما كان جنديا، ويفطر بعد الغروب خشية أن يكشف أمره، وكان المسلمون يعاقبون بإطعامهم لحم الخنزير إن أصروا على الالتزام، وبذلك يرتاح القادة العسكريون إلى ولائهم.
أدوار إيجابية وعقبات
واليوم، بعد عشرين عاما من انهيار الاتحاد، بات التتار أقرب من أمتهم وهويتهم الإسلامية، فهم يعيشون فترة "الصحوة" بعد طول سبات، ويتجهون للعب أدوار إيجابية على مستوى وطنهم وأمتهم، بحسب بعض الرموز الدينية.
يقول د. إسماعيل القاضي رئيس اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد"، وهو أكبر مؤسسة تعنى بمسلمي أوكرانيا البالغ عددهم نحو 2 مليون نسمة من أصل 46 ميلونا، إن التتار في أوكرانيا (نحو 700 ألف نسمة) اليوم يلعبون أدوارا إيجابية في مجتمعهم على جميع المستويات رغم بعض العقبات.
وأوضح أن للتتار تمثيل برلماني (نائب واحد من أصل 450)، وحرص على المشاركة بالفعاليات الثقافية التي تبين وجهة نظرهم إزاء قضايا المجتمع وتعرف بثقافتهم والمآسي التي مروا بها في القرن الماضي، مشيرا أن "الرائد" أقام مركزا خاصا في إقليم شبه جزيرة القرم جنوبا للإعداد والتدريب المهني، حتى يتعلم التتار مهنا وحرفا يكونون بها عناصر منتجة في المجتمع، ذكورا وإناثا.
وعلى صعيد الإيجابية إزاء الأمة قال القاضي إن التتار حريصون اليوم على تتبع أخبار أمتهم، والتفاعل معها قدر المستطاع، وقد أقاموا على سبيل المثال معرض صور لما خلفته الحرب الإسرائيلية على غزة من آلام وخراب.
لكنه لفت إلى أن غياب أي حلول لهمومهم وقضاياهم يعرقل اندماجهم الإيجابي في المجتمع، كقضايا استعادة البيوت والأراضي والممتلكات وحتى الجنسية بعد مأساة التهجير القسري الذي تعرضوا له في العام 1944 إلى دول شرق آسيا بحجة خيانة النظام في الحرب العالمية الثانية.
وأشار أيضا إلى أن انتشار ظاهرة العنصرية ضدهم موضوع عرقلة أيضا، وهذا ما يسعى "الرائد" إلى حله مع التتار، بالحوار مع جميع الأطياف العرقية والدينية الأخرى، حفاظا على التعايش البناء في مجتمع أوكرانيا.
صورة لأسرة تترية هجرت قسرا في العام 1944
أوكرانيا برس + إسلام أون لاين
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022
التعليقات:
(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")