أجواء الحرب الملبدة في سماء أوكرانيا لم تمنع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الطيران نحوها، لكن هذه الزيارة فتحت باب التساؤلات حول طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا لتخفيف التوتر، ومدى استفادتها من التجاذب الروسي الأميركي.
كما تثار تساؤلات عن مخاوف أنقرة من أن يدفعها النزاع إلى مواجهة خيارين أحلاهما مر، وهما الوقوف في صف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يمسك بأوراق اقتصادية وعسكرية عدة على صلة بتركيا، أو في صف الحلفاء الغربيين التقليديين الذين بدأ صبرهم ينفد.
وبعد وصول أردوغان إلى كييف صرح بأنه يتابع التوتر بين روسيا وأوكرانيا عن كثب، معبرا عن دعم بلاده لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها.
وتأتي زيارة أردوغان بمناسبة مرور 30 عاما على بدء العلاقات بين تركيا وأوكرانيا، حيث تعقد النسخة العاشرة من اجتماع المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى بمشاركة رئيسي البلدين.
بدورها، أكدت الخارجية التركية -في بيان- عدم اعترافها بالضم "غير الشرعي" لشبه جزيرة القرم من قبل روسيا، أما في إقليم دونباس (شرقي أوكرانيا) فإنها تؤيد إيجاد حل سلمي يتوافق مع القانون الدولي.
وفي 21 يناير/كانون الثاني الماضي أعلن أردوغان أن أنقرة مستعدة للقيام بالوساطة لنزع فتيل التوتر بين روسيا وأوكرانيا.
علاقات اقتصادية متطورة
ووفقا لبيانات هيئة الإحصاء التركية، فقد بلغت الصادرات التركية إلى أوكرانيا 2.1 مليار دولار عام 2020، وارتفعت إلى 2.9 مليار دولار في 2021، بزيادة 43%. في حين ارتفعت الواردات بنسبة 87%، من 2.59 مليار دولار عام 2020 إلى 4.52 مليارات دولار عام 2021.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 4.68 مليارات دولار عام 2020، وارتفع إلى 7.42 مليارات دولار عام 2021، محققا زيادة كبيرة بلغت 67%.
وذكرت تقارير تركية أنه في حال توقيع اتفاقية تجارة حرة أثناء زيارة أردوغان الحالية، سيرتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 10 مليارات دولار خلال عامين أو 3 أعوام، لافتة إلى أن الزيارة ستشهد مباحثات حول الصناعات الدفاعية.
وتصدر تركيا لأوكرانيا الصلب، والسفن واليخوت وخدماتها، ومنتجات قطاع التكييف، والورق، ومنتجات الغابات، والسيارات، والتبغ، والخضروات والفواكه، إضافة إلى منتجات قطاع الصناعات الدفاعية.
الدور التركي
وقال الباحث التركي في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو للجزيرة نت إن زيارة الرئيس أردوغان إلى أوكرانيا في هذا التوقيت تمثل في ظروفها ومعطياتها تطورا وتحولا نوعيا كبيرا في العلاقات التركية الأوكرانية، الذي كان شاهدا على مدار السنوات السبع الماضية على تطورات مهمة ترافقت مع توقيع اتفاقيات تاريخية على مختلف الأصعدة.
وحول طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه أنقرة لتخفيف التوتر، أكد عودة أوغلو أن تقارب تركيا مع أوكرانيا لا يستهدف روسيا التي تنظر بعين الريبة إلى التعاون العسكري بين أنقرة وكييف، لكن هذا لم يمنع تركيا بما تملكه من علاقات جيدة مع روسيا وأوكرانيا من عرض الوساطة وممارستها بين الجانبين.
وأضاف "بينما أنقرة تمضي بشكل مستقر في طريق تطوير علاقاتها مع موسكو، فإنها على خط مواز تتمسك بكل حزم بموقفها المتمثل في الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، وإيجاد حل لخلافاتها سلميا، إدراكا منها بالدور المحوري الذي تلعبه كييف في ضمان الاستقرار بمنطقة البحر الأسود، حسب قوله.
ولفت الباحث التركي إلى أن تركيا ترى في الأزمة الأوكرانية والخلاف الروسي مع الغرب فرصة لاختبار قوتها الناعمة، ولكي تظهر للمعسكر الغربي -لا سيما الولايات المتحدة- أنها يمكن أن تكون طرفا قويا للتعامل مع قضية حساسة في المنطقة تتصل بروسيا وتضيّق الخناق عليها في مياه البحر الأسود.
ورأى أن تركيا تكسب بذلك ورقة تفاوضية قوية مع واشنطن المستاءة من سياسات أردوغان في أكثر من ملف بالشرق الأوسط، لتخفف الضغوط عليها، خاصة في مرحلة الصراع الداخلي بين الحكومة التركية والمعارضة قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها عام 2023.
موقف معقد
وقال الباحث في سياسة تركيا الخارجية وشؤون القوقاز باسل الحاج جاسم "نظرا لطبيعة علاقات تركيا الوطيدة مع طرفي الأزمة روسيا وأوكرانيا، فليس أمامها سوى لعب دور الوساطة والبقاء على مسافة واحدة بينهما".
وأضاف الحاج جاسم للجزيرة نت أنه قد تكون أزمة أوكرانيا اليوم والتجارب بين موسكو وواشنطن في هذا الملف تحديدا فرصة لتركيا من أجل إعادة اختبار علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي تضررت في السنوات الأخيرة وارتبط ذلك بملفات كثيرة.
واستدرك قائلا "لكن لا يمكن لتركيا الذهاب بعيدا نحو الولايات المتحدة وإغضاب روسيا؛ فأهمية أوكرانيا لروسيا لا يمكن أن تقارن بأي من الملفات الأخرى التي شهدت نوعا من التصادم في المواقف بين أنقرة وموسكو".
ولفت الباحث إلى أن أردوغان يحاول تقديم نفسه على أنه وسيط بين موسكو وكييف، مستفيدا من علاقاته الشخصية مع بوتين، وكذلك من الشراكة المتزايدة لبلاده مع أوكرانيا.
وتابع "لكن لدى روسيا الكثير من التحفظات تجاه هذا الدور؛ كونها لا ترى نفسها طرفا وترى أن الأزمة أوكرانية داخلية، أي بين الجمهوريات التي أعلنت استقلالها من جانب واحد وبين السلطة في كييف، وأيضا لأن تركيا باتت مزودا رئيسيا للطائرات المسيرة التي قد تستخدمها أوكرانيا ضد مصالح روسيا".
ويعتقد الباحث في سياسة تركيا الخارجية أنه في حال أراد بوتين التراجع عن عمل عسكري ضد أوكرانيا فسيقبل وساطة صديقه أردوغان.
وأكد أن تركيا اليوم في موقف لا تحسد عليه، وسيزداد موقفها تعقيدا عند بدء أي أعمال عسكرية بين روسيا وأوكرانيا، لأن موقف الحياد لن يرضي طرفي النزاع وكذلك حلف الناتو.
وأضاف الحاج جاسم أن خشية أنقرة لها ما يبررها لأن وقوفها إلى جانب طرف يعني خسائر كبرى، مبينا أنها اليوم ليست في وضع يسمح لها بالمغامرة والاصطفاف مع أي جهة حتى لو كان حلف الناتو الذي سبق أن خذلها في عدة مواقف، ومن بينها عند إسقاطها طائرة روسية عام 2015.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022