مشاركة مسلمي روسيا القيصرية في الحرب العالمية الأولى

فرقة سلاح الفرسان القوقازيين البرية بقيادة شقيق الإمبراطور الروسي الدوق ميخائيل ألكساندروفيتش
نسخة للطباعة2022.01.24

د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة

نشبت الحرب العالمية الأولى في 28 يوليو من عام 1914م، واستمرت إلى 11 نوفمبر 1918م، وقد اشترك فيها 39 دولة انقسمت إلى قوات الحلفاء (روسيا وبريطانيا وفرنسا وإيرلندا واليابان والولايات المتحدة ورومانيا وغيرها) ضد دول المحور (ألمانيا والدولة العثمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية، ومملكة بلغاريا).

وتكتسب الحرب العالمية الأولى أهمية كبيرة فقد كان من نتائجها انهيار 4 إمبراطوريات: الروسية والعثمانية والألمانية والنمساوية- الهنغارية، كما تسببت الحرب في خسائر بشرية كبيرة حيث لقي أكثر من ثمانية ملايين شخص مصرعهم وجُرح وفُقد الملايين من الناس، كما خلّفت الحرب خسائر اقتصادية هائلة.

عاش في روسيا القيصرية في نهاية القرن التاسع عشر -حسب الإحصائيات الرسمية- حوالي 14 مليون مسلم، أي ما يقرب من 11% من سكان روسيا، فيما ذهب بعض أعضاء الدوما الروسية المسلمين وقتها إلى أن عددهم كان يزيد عن العشرين مليونا.

خدمة مسلمي روسيا في الجيش

أيّد أعضاء الدوما المسلمون إجراءات الحكومة الروسية في هذه الحرب، ووفقا لوزارة الخارجية الروسية فقد كان عدد الجنود المسلمين الذين يخدمون في الجيش الروسي في أغسطس من عام 1914م حوالي 40 ألف جندي موزعين على مختلف القطاعات والرتب العسكرية، ولكن بعد اندلاع الحرب زاد هذا العدد بأضعاف كثيرة.

المسلمون في صفوف الجيش الروسي كانوا من قوميات وشعوب عدّة منهم التتار والبشكير والأذر والكازاخ وتتار القرم وقوميات القوقاز، ومع بداية الحرب وتحديدا في أغسطس من عام 1914م تشكلت عدة ألوية وأفواج وقطاعات عسكرية من مسلمي القوقاز منها "فرقة سلاح الفرسان القوقازيين البرية" والتي تألّف 90% منها من المتطوعين المسلمين القوقازيين وكانت بقيادة شقيق الإمبراطور الروسي الدوق ميخائيل ألكساندروفيتش (1878-1918م).

كذلك كانت إحدى الوحدات العسكرية الإسلامية وهي "فوج الفرسان التركمان" والتي بلغ قوامها 627 فارسا أحد أقوى الأفواج العسكرية الروسية، والتي تقلد أكثر من 140 مقاتلا منها أوسمة وميداليات اعترافا وتقديرا لبطولاتهم وشجاعتهم في الحرب.

كذلك وحسب بعض الباحثين فإن عدد من تمّ استدعاؤهم للخدمة العسكرية بين العامين 1914- 1917م من المسلمين في روسيا وصل إلى مليون ونصف مسلم من الجنود النظاميين والمتطوعين من مختلف القوميات المسلمة، كما ويذكر أنه تم تعبئة 19 مليون شخص للحرب في روسيا.

النشاط الخيري لمسلمي روسيا في الحرب

قامت الإدارات والجمعيات الأهلية والإسلامية بجهود كبيرة في سبيل جمع التبرعات المالية والعينية لصالح الحرب وضحاياها.

فمثلا قرر تتار قازان في الأشهر الأولى من الحرب افتتاح مستشفى إسلامي، وتم ذلك في 2 نوفمبر من عام 1914م ووصل عدد الأسرّة فيه إلى 75 سريرا، كما افتح مسلمو القرم مستوصفا من أموال الأوقاف الإسلامية، وشكلو لجنة لجمع التبرعات والملابس الدافئة، أما مسلمي مدينة ستافروبل فقد أنشؤوا على نفقتهم الخاصة مستشفى متنقل، كما ظهرت المشافي الإسلامية في مدن أوفا وأورينبورغ وأورالسك وغيرها.

وعقد في مدينة بتروغراد في ديسمبر من عام 1914م مؤتمرا عاما ضمّ شخصيات اجتماعية وسياسية مسلمة وممثلين عن الجمعيات الخيرية الإسلامية، وقد تقرر فيه فتح مستشفيات وتشكيل حملات لجمع التبرعات والملابس، كما تأسست جمعية تحت اسم "اللجنة الإسلامية المؤقتة لمساعدة الجنود وأسرهم"، ومع العام 1915م أُنشأت فروع لهذه الجمعية في قازان ومدن أخرى. كذلك في صيف العام 1914م تشكلت "لجنة المسلمات لمساعدة الجنود الروس" في موسكو سرعان ما تكوّنت جمعيات نسائية مماثلة في مدن أخرى، كما قامت الجمعية الخيرية الإسلامية بموسكو بمبادرة بالتعاون مع طلاب تتر لزيارة الجنود المسلمين في مشافي المدينة ومساعدتهم وتقديم الكتب والمصاحف لهم، وافتتحت في نوفمبر من عام 1914م داراً لرعاية أطفال وأيتام الجنود التتار في مدينة سمارا.

وخلال سنوات الحرب تبرع سكان تركستان بحوالي ربع مليون روبل، وأرسلوا 70 ألف فرس لجبهات القتال، وجمعوا آلاف الأطنان من القطن والصابون وغيرها من المواد. كما قدّمت حكومتي خانات بخارى وخوارزم مئات الآلاف من الروبلات للجيش الروسي. وشارك في الجيش الروسي عدد من الأئمة والمؤذنين ومعلمي المدارس الشرعية.

كذلك تعرّضت مئات الأسر المسلمة من المقاطعات الغربية للبلاد ممن يسمّون "تتار بولندا وليتوانيا" مع غيرهم من القوميات الأخرى للتشرد والتهجير إلى مدن في داخل روسيا، واحتضنتهم أسر من تتار قازان والقرم.

اقتصاديا عانى المسلمون في روسيا أيضا – مع غيرهم- في أيام الحرب من الارتفاع الكبير في الأسعار، وفقدان بعض المواد الغذائية، كما أثّرت الحرب سلبا على التجّار المسلمين والذين عانوا من خسائر مادية كبيرة.

في جانب آخر.. روسيا تشكك بولاء مسلميها

تعرض مسلمو روسيا القيصرية لاتهامات من بعض الشخصيات والأحزاب والسياسيين والصحفيين الروس فقد وصفوا بالإسلامويين والطورانيين والانفصاليين، وواجه المسلمون ضغوطات ومشاكل كبيرة في التعامل مع هذه الحرب وتداعياتها، خاصة بعد دعوة شيخ الإسلام في الدولة العثمانية في أكتوبر من عام 1914م والسلطان محمد الخامس (1844- 1918م) المسلمين في العالم للجهاد والوقوف ضد حكومات الدول المناوئة للدولة العثمانية، فيما دعا مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أورينبورغ محمد يار سلطانوف (1837- 1915م) وخليفته من بعده محمد صفا بايزيدوف (1877-1937م) لمؤازرة ودعم القوات الروسية وللقتال ضد القوات الموالية للعثمانيين، واتهم سلطانوف الحكومة التركية بأنها اتخذت خطوة متهورة تحت تأثير الحكومة الألمانية، وأن إعلان الدولة العثمانية للجهاد لم يك ليخدم مصالح تركيا والعقيدة الإسلامية، ولكنه جاء بسبب مكائد ودسائس ألمانية.

يذكر أن ألمانيا قامت بدور كبير في سعيها لضم تركيا - دخلت تركيا الحرب في نوفمبر 1914م- وراهنت على زعزعة الجبهة الداخلية وتقويض استقرار العلاقات بين السكان المسلمين وحكوماتهم في دول الحلفاء.

كذلك نذكر في هذا الجانب أنه في الفترة بين ديسمبر من عام 1912م ويناير 1913م فرّ من داغستان إلى تركيا حوالي 300 مقاتل قوقازي مع أسلحتهم، في المقابل التحق بالجيش الروسي من الجانب العثماني حوالي 50 ألف مقاتل جلّهم من الأرمن في الفترة بين أغسطس وأكتوبر من العام 1914م.

كذلك قام مسلمو أجاريا بانتفاضة ضد الحكم الروسي في الأيام الأولى للحرب، وأيدوا الدولة العثمانية التي دخلت أراضيهم وحكمتها لمدة 3 أشهر خلال الحرب.

كما قام مجموعة من المثقفين المسلمين من الأذر والتتر -الذين فروا من روسيا بعد ثورة 1905- 1907م- بتشكيل ما أطلقوا عليه "لجنة حماية حقوق التُرك والشعوب المسلمة في روسيا القيصرية" عام 1915م في اسطنبول، كما زار وفد منهم عدد من الدول الأوروبية، والتقوا برئيسي الوزراء الألماني والبلغاري عام 1916م وعدد من المسؤولين الأوروبيين، وأخذ الوفد المسلم تعهدا بحماية حقوق المسلمين في مناطق روسيا بعد انتهاء الحرب، وقد عدّت ألمانيا أن أنشطة كل من اللجنة والوفد المسلم تخدم أهداف السياسة الألمانية، وتفكك الجبهة الداخلية الروسية، وترفع مكانة ألمانيا بين الشعوب المسلمة في روسيا.

كذلك حدثت انتفاضات جماعية في تركستان والأقاليم السهلية صيف عام 1916م ضد قرارات القيصر باستجلاب سكان تلك المناطق للعمل في المنشآت العسكرية الروسية وتوافق ذلك مع بدء شهر رمضان.

وقد ظهر على أراضي الإمبراطورية الروسية منذ نهاية العام 1914م أسرى حرب أتراك إلى جانب أسرى من جيوش ألمانيا النمسا والمجر، ووصل إجمالي الأسرى الأتراك خلال هذه الحرب إلى أكثر من 64 ألف أسير عثماني من ضباط وجنود تم وضعهم في معتقلات بعيدة عن أماكن تواجد المسلمين الروس.

قام المسلمون في روسيا بدفن آلاف الجنود الموتى الأتراك وفقا لأحكام الشعائر الإسلامية، وتشكلت "مقبرة إسلامية جديدة للجنود الأتراك" في مدينة سامارا، كما حصلت زوجة أحد الجنرالات المسلمين في بتروغراد على إذن بجمع التبرعات لصالح أسرى الحرب الأتراك المرضى والجرحى، كذلك سجلت حوادث مساعدة بعض العائلات المسلمة للجنود الأتراك الناجين والهاربين على الإختباء، وتم تفتيش واعتقال عدد من التجار التتار بتهمة مساعدة جنود أتراك أسرى على الهروب من المعتقلات.

في العمل الترويجي الدعائي الألماني عمل فيما سُمي "المكتب الروسي للخدمة الإعلامية في الشرق" - وهو أحد دوائر الدعاية الإعلامية الألمانية- ثلاث من مسلمي روسيا من أصل 4 موظفين، هذا غير المتعاونين معهم، وقد أصدر هذا المكتب عدة نشرات وكتيبات دعائية ودينية وجريدة "الجهاد" باللغتين التترية والروسية موجهة للأسرى والجنود المسلمين.

كذلك مارس بعض المسلمين الروس الإرشاد الديني بين الأسرى في مخيمات الإعتقال الألمانية خلال الحرب.

وقد أسر الجيش الألماني حوالي مليونان ونصف أسير روسي، بينهم حوالي من 80- 85 ألف مسلم حسب إحصائيات نوفمبر من عام 1917م.

وقف غالبية المسلمين في روسيا في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحكومة القيصرية في حربها ضد دول المحور، وكان لهذه الحرب تأثير كبير على الوضع الإقتصادي والاجتماعي والثقافي لشعوب وقوميات المسلمين في روسيا القيصرية.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

أوكرانيا برس

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022