رغم انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينات القرن الماضي، وما تبع ذلك من تفكك دوله، فإن موسكو لا زالت ترنو إلى حلم إعادة أمجادها الماضية كقوة عظمى، ولم تستسلم لواقع جديد على غرار ألمانيا التي جرّمت النازية، واليابان التي اختارت التنمية الاقتصادية والمنافسة في السوق بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، بديلاً من النهج التوسعي.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال في أكثر من مناسبة، إن انهيار الاتحاد السوفييتي كان «أكبر كارثة جيوسياسية» في القرن العشرين، ثم ليعود وفي خضم الأزمة الأخيرة مع أوكرانيا وداعميها من الغرب، إلى طرح الأمر من زاوية أخرى بقوله إن انهيار الاتحاد السوفييتي قبل ثلاثة عقود كان أفولاً لنجم «روسيا التاريخية»، ليعزز ذلك آراء بعض المحللين بأن أوكرانيا مسألة لم تنته بعد بالنسبة لبوتين الذي «يطمح» لإعادتها بالكامل أو جزء منها لسيطرة موسكو.
بوتين ألقى في تصريحه هذا، تهديداً مبطناً لأوكرانيا التي لا تسير في فلك موسكو، وتستنجد بالغرب ضد «غزو» روسي محتمل لها، وتهديداته ترافقت مع مقال له من أكثر من خمسة آلاف كلمة نُشر في موقع الكرملين على الإنترنت هذا العام، ليبين لماذا يعتقد أن الدولة التي تجاور روسيا من الجنوب وشعبها كانا جزءاً لا يتجزأ من التاريخ والثقافة الروسيين، ملمحاً إلى أن الروس والأوكرانيين شعب واحد اشترك في «حيّز تاريخي وروحاني واحد»، وإن ظهور «جدار» بينهما في السنوات الأخيرة أمر مأساوي. ورفضت كييف حديثه هذا واعتبرته ذا دوافع سياسية وينطوي على تبسيط مخل للتاريخ.
ورغم أن روسيا فقدت 14 دولة بعدما انهار الاتحاد السوفييتي، فإن أوكرانيا تعد الرئة بالنسبة لموسكو، ولها وضع خاص مختلف عن بقية الدول، حيث تشكل لها بعداً جيوسياسياً. فكييف كانت عاصمة لروسيا القديمة، وفي عام 988 أدخل حاكمها الأمير فلاديمير الأول المسيحية الأرثوذكسية إلى روسيا، وفي 1654 اتحدت روسيا وأوكرانيا بموجب اتفاقية في ظل حكم قيصر روسيا، كما يتحدث البلدان لغتين متقاربتين، حيث يشعر كثير من الروس بصلة تربطهم بأوكرانيا بشكل أكبر من جمهوريات سوفييتية سابقة أخرى.
لا شك في أن روسيا تطمح إلى إعادة ضم أوكرانيا بشتى الطرق، لكن الأخيرة لن تكون لقمة سائغة وسهلة مع الحشد الغربي الكبير الداعم لها، وحصولها أيضاً على أسلحة نوعية. فموسكو ربما لن تغامر في حرب شاملة؛ لأن ذلك يعني خسائر مادية فادحة، إضافة إلى مواجهة مع الغرب الذي يشهر سلاح العقوبات الاقتصادية، في حين أنه في حال اشتعال شرارة الحرب، فإن كرة النار قد تتسع لتشمل الشرق والغرب.
لن يتوانى بوتين رجل روسيا القوي عن أحلامه، فسائق «التاكسي» (كما كان عمله بعد انهيار الاتحاد السوفييتي) سيسعى بأي وسيلة كانت لمد نفوذه، لكن هل سيعيد حساباته تحت الضغط العالمي، أم إن ثقته بقوة بلادة قد تدفعه إلى المغامرة؟
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
الخليج
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022