شرق أوكرانيا.. أمام سيناريو جورجيا أم قره باغ؟

نسخة للطباعة2021.11.29
باسل الحاج جاسم

تشهد العلاقات بين كييف وموسكو توترا متصاعدا منذ نحو 7 سنوات، بسبب ضم روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، ودعمها الانفصاليين الموالين لها في شرق أوكرانيا، إلا أن حجم التوتر في الأشهر والأسابيع القليلة الماضية يختلف عن كل المرات السابقة.

وتحذر كييف باستمرار حلفاءها الغربيين من وجود عسكري روسي كبير على حدودها الشرقية، وأن شبه جزيرة القرم تحولت إلى قاعدة عسكرية روسية منذ عام 2014، وهو ما تعتبره تهديدا لها ولأمن القارة الأوروبية، بينما اعتبر متحدث الكرملين ديمتري بيسكوف، أن تحركات القوات والمعدات العسكرية قرب الحدود تهدف إلى "ضمان أمن روسيا ولا تشكل أي تهديد لأوكرانيا".

كما نفى بيسكوف، قبل أيام، ادعاءات تنفيذ جيش بلاده هجوما عسكريا على أوكرانيا، وقال المتحدث باسم الكرملين في تصريح للصحفيين بموسكو، إن بلاده لا تعتزم شن هجوم على أي دولة، وقد "أكدنا مرارا عدم امتلاكنا أي خطط عدوانية ضد أي دولة".

واعتبر المتحدث أنه من الخطأ ربط المناورات التي يجريها الجنود الروس بخطط من هذا القبيل، وذلك ردا على ما قاله رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف، إن روسيا تخطط لشن هجوم ضد بلاده أوائل 2022، مشيرا إلى أن موسكو حشدت أكثر من 92 ألفا من قواتها حول حدود أوكرانيا وتستعد لشن هجوم بحلول نهاية يناير/كانون الثاني، أو بداية فبراير/شباط المقبلين.

لم تهدأ أوكرانيا، الجمهورية السوفياتية السابقة، منذ أن شهدت احتجاجات واسعة قبل 7 سنوات، وعرفت باحتجاجات الميدان الأوروبي، وأطيح على إثرها بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، وانقسمت البلاد إلى طرف موال للغرب، وآخر موال لموسكو، ونظّم الموالون لروسيا استفتاء القرم عام 2014، وأعلنوا الانضمام إليها، وكذلك استفتاء شرق البلاد في مناطق ما يعرف الدونباس، وأعلنوا كذلك قيام جمهوريات جديدة من جانب واحد، لم تعترف بها سلطات كييف.

وما زالت كييف، بعد مرور 7 سنوات على الأزمة الأوكرانية، تأمل أن تكون الولايات المتحدة الأميركية مستعدة اليوم للعب دور فاعل في عملية السلام المجمدة، وربما انضمامها إلى رباعية نورماندي التي تقود المفاوضات، وتضم ألمانيا وفرنسا، وأوكرانيا وروسيا، ولا سيما بعد وصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض، ولديها اطلاع على كامل تفاصيل الأزمة الأوكرانية، حيث ظلت كييف متمسكة بموقفها، ولم تستسلم للشروط الروسية لإنهاء الحرب في شرق البلاد، في الوقت الذي وصلت فيه العلاقات بين روسيا والغرب إلى أدنى مستوياتها وفق تعليق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وفشلت الحكومات الأوكرانية منذ عام 2014 في إيجاد حل ينهي أزمة شبه جزيرة القرم والنزاع المستمر منذ 7 سنوات في شرق البلاد، ويعيد المنطقة إلى السيطرة الأوكرانية الكاملة، في الوقت الذي يستمر فيه سعي أوكرانيا للدخول إلى الهياكل الأوروبية وحلف شمال الأطلسي "ناتو".

وإضافة إلى قلق أوكراني من أن روسيا لا تسعى إلى السلام بعد قرار موسكو عام 2019 بتسهيل الحصول على الجنسية الروسية بالنسبة لمئات آلاف الأوكرانيين الذين يعيشون في المناطق الشرقية، وهو ما يخفض فرص عودة هذه المناطق إلى السيطرة الأوكرانية بالكامل.

ولا بد من الأخذ بالحسبان أن المساهمة التي قدمتها تركيا لأذربيجان في معارك استعادتها إقليم ناغورني قره باغ، غذت الأحاديث بين عديد من الأوساط الأوكرانية حول فرص تطبيق سيناريو مماثل لاستعادة أراضي إقليم الدونباس الخارجة عن السيطرة، ولو بشكل جزئي "مبدئيا".

إلا أن الأوضاع في أوكرانيا وجنوب القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا، يشوبها الكثير من الاختلافات، والمقارنة بشكل مباشر بين الحالتين غير واقعية، ولكن انتصار أذربيجان حرّك المياه الراكدة في نزاع آخر بين فضاء دول الاتحاد السوفياتي السابق.

والجدير ذكره، أن سكان دونباس في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك (غير معترف بهما)، معظمهم اليوم يحمل الجنسية الروسية، مع وجود 400 كيلومتر حدودا مشتركة بين روسيا وجمهوريتي دونباس، وهي العوامل التي لا تنطبق على أزمة أرمينيا وأذربيجان عند مقارنتها مع أزمة شرق أوكرانيا، كما أنه من المستبعد أن تتدخل تركيا أو إسرائيل في الصراع إلى جانب أوكرانيا، كما حصل في حرب قره باغ الثانية، لكن على الأغلب سيستمر بيعهما الأسلحة في إطار فرصة كسب الأموال.

استعراض موسكو قدراتها العسكرية ليس بالشيء الجديد، والمؤكد أن هذه التحركات مؤخرا تختلف كثيرا عن التدريبات العسكرية التي تقوم بها روسيا في العادة، وأهميتها اليوم تأتي في إطار توجيه رسالة إلى كييف بالدرجة الأولى، بعد حديث روسي متكرر وتحذيرات من استعدادات لشن هجوم أوكراني على شرق البلاد حيث يسيطر الانفصاليون المدعومون من روسيا.

حدث شيء مشابه في أغسطس/آب 2008 في إقليم أوسيتيا الجنوبية في جورجيا، حيث أوردت صحيفة "فيزغلاد" الروسية خبرا عن كشف الأجهزة الروسية معلومات وقتها، أن جورجيا تستعد لاجتياح أوسيتيا الجنوبية، حين كانت تتمركز قوات حفظ السلام الروسية، بعد تأكيدات تلقاها الرئيس الجورجي آنذاك ميخائيل ساكاشفيلي بدعم واشنطن له.

وأظهرت التجربة الجورجية أن الاحتفاظ بالقوات العسكرية بشكل متقدم في مناطق النزاع المجمد والمتوقع اشتعاله، أكثر فاعلية من استقدامها في ما بعد من أماكن انتشارها الدائمة، وقد تكون الحشود العسكرية الروسية اليوم على الحدود مع أوكرانيا قرب جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك في الدونباس (غير معترف بهما) في إطار تدريبات روتينية، مع إمكانية استخدامها العاجل في حالة حدوث أي تغيير في الموقف الميداني، في سيناريو مشابه لحالة إقليم أوسيتيا الجنوبية مع جورجيا.

يبقى القول، إن ما يميز حالة أوكرانيا اليوم عن جورجيا عام 2008، هو التأهب القتالي الذي يعززه الناتو في أوكرانيا يوما بعد يوم، بالإضافة للتحذيرات الأوروبية من مغبة دخول روسيا بشكل مباشر في الحرب شرق أوكرانيا، وسط تصاعد التوتر بين الغرب وروسيا حول مسألتين أساسيتين، الحرب شرق أوكرانيا وملف المهاجرين بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، وسبق أن حذر رئيس أركان الجيش البريطاني نيكولاس كارتر، من أن هناك مخاطر أكبر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة، تنذر بنشوب حرب بين الغرب وروسيا في غياب الآليات الدبلوماسية التقليدية.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

الجزيرة

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022