تأسس حلف الناتو بعد الحرب العالمية الثانية، ثم نشأ حلف وارسو كحلف مضاد بعد أن قسم الحلفاء أوروبا فيما بينهم، خلال سنوات الحرب الباردة، ولأسباب تتعلق بالأيديولوجية ومناطق النفوذ في العالم، ناصب الحلفان بعضهما البعض العداء بشكل واضح وصريح.
لكن قنوات الاتصال بين الحلفين المتنافسين ظهرت فقط في عام 1991، حيث عين الاتحاد السوفييتي نيكولاي أفاناسيفسكى ممثلا له لدى الناتو، وبعد ذلك، وإثر انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبح يمثل روسيا كوريث للاتحاد السوفييتي.
عمل الممثل السوفييتي ثم الروسي لم يكن مقتصراً على حلف الناتو فقط، وإنما في الأساس كان سفير روسيا لدى بلجيكا، أي لم يكن متفرغا. وهذا منطقي، فالحرب الباردة وضعت أوزارها منذ وقت ليس بالبعيد.
لكن في ديسمبر عام 1991، انضمت روسيا إلى ما عرف حينها بمجلس الناتو للتعاون، وكان الناتو يهدف من وراء ذلك تحسين العلاقات مع الدول غير الأعضاء في الحلف، وتغير شكل التعاون في عام 1997، وتحول إلى مجلس حلف شمال الأطلنطى إلى مجلس شراكة، الذي وحد بين الدول الأعضاء في الحلف والدول غير الأعضاء في المنطقة الأوروبية.
الشراكة من أجل السلام
في شهر يونيو عام 1994، انضمت روسيا إلى ما عرف حينها بـ"برنامج الشراكة من أجل السلام".
بمقتضى هذا البرنامج، أرسلت روسيا قوات حفظ سلام إلى غرب البلقان تحت قيادة الناتو. وفي مايو 1997، في باريس، جرى توقيع اتفاق روسيا ـ الناتو، الذى وضع أساس للعلاقة الثنائية بين روسيا والحلف.
كان الاتفاق ينص على لقاءات منتظمة بين الجانبين، وكذلك فتح ممثلية لكل طرف لدى الآخر في بروكسل وموسكو، وتبادل معلومات وممثلية عسكرية للناتو في موسكو، ونص الاتفاق على إلزام حلف الناتو بعدم جواز نشر قوات بالقرب من الحدود الروسية على الإطلاق.
في مارس 1998، تم افتتاح ممثلية روسيا لدى حلف الناتو، المهمة الرئيسية لها هو العمل على تشجيع وتوسيع الحوار الثنائي بين روسيا والناتو.
وأخيراً تطورت العلاقة بدرجة كبيرة، لكن هذه المرة على لسان القائم بأعمال الرئيس الروسي والمرشح للرئاسة فلاديمير بوتين، عندما صرح في لقاء متلفز مع قناة "بي بي سي" البريطانية في مارس عام 2000، أنه لا يستبعد انضمام روسيا لحلف الناتو، لكنه وضع شروطا عدة، منها التكامل مع أوروبا، وأن تكون روسيا شريكا على قدم المساواة، والأهم من ذلك هو عدم توسع الحلف شرقا والاقتراب من الحدود الروسية.
11 سبتمبر 2001
وفي شهر سبتمبر عام 2000 تم افتتاح ممثلية الناتو لدى روسيا في العاصمة موسكو، كجزء من سفارة بلجيكا. لكن علاقة روسيا بحلف الناتو أصبحت أكثر قوة بعد الأعمال الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة، وبذلك تطورت العلاقة على خلفية مكافحة الإرهاب.
ووصلت العلاقات بين روسيا وحلف الناتو إلى ذروتها في عام 2002، حيث تم توقيع ما عرف باسم إعلان روما (علاقات روسيا ـ الناتو.. نقلة نوعية جديدة)، والتى على أساسها تم إنشاء مجلس روسيا ـ الناتو.
مهمة المجلس التوافق والعمل على اتخاذ مواقف مشتركة فيما يتعلق بالقضايا المحورية، وفي المستقبل تحويل العلاقة بين الحلف وروسيا إلى مستويات أعلى، مع احتمال العضوية الكاملة.
في عام 2003، روسيا والناتو يتعاونان في تأمين الاستقرار في أفغانستان، وهذه المسألة أصبحت محور اللقاءات الدورية لمجلس روسيا ـ الناتو.
وفي إحدى هذه اللقاءات، اقترح وزير الدفاع الروسي حينها، سيرغي إيفانوف، على حلف الناتو، تخصيص ممر جوى عبر الأراضي الروسية لتقديم الدعم اللوجستي لقوات الحلف، وقبل الأخير الاقتراح، فكانت طائرات الحلف تمر عبر الأراضى الروسية إلى أفغانستان بمئات الرحلات في اليوم الواحد.
لكن دوام الحال من المحال، ففي عام 2007 بدأت البرودة تدب في أوصال العلاقات بين روسيا وحلف الناتو، وأحد أهم علامات البرودة في العلاقات كان حديث الرئيس بوتين في مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث أعلن سيرغي ريابكوف، على لسان الرئيس الروسي (وحينها كان يشغل منصب مدير قسم التعاون الأوروبي في وزارة الخارجية الروسية ـ حالياً نائب وزير الخارجية) أن ما يربط روسيا بالناتو في الوقت الراهن هو مكافحة تهريب المخدرات.
جورجيا وأوكرانيا
في عام 2008، ازدادت العلاقة بين روسيا وحلف الناتو تعقيداً، بسبب مناقشة الحلف إمكانية انضمام كل من جورجيا وأوكرانيا (من دول الاتحاد السوفييتي السابق).
أصرت الولايات المتحدة وكل من بولندا وجمهوريات البلطيق والتشيك وغيرها من دول شرق أوروبا الأعضاء في حلف وارسو على ضم الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين، وأعلن الحلف أن جورجيا وأوكرانيا يمكنهما أن تصبحا أعضاء في الحلف عندما تنطبق عليهما المواصفات، التي تنص عليها شروط العضوية في الحلف، ورأت روسيا في إعلان الحلف أنه توسع للحلف شرقا، واعتبرته تهديدا مباشرا لها.
في أبريل 2008، صرح رئيس الأركان الروسي، يوري بالويفسكي، بأنه إذا ضم الناتو أوكرانيا وجورجيا، فإن روسيا سوف تتخذ إجراءات، من بينها عسكرية، للمحافظة على مصالحها على حدودها.
ثم كان الصدام الكبير بين روسيا والناتو في أغسطس عام 2008 بسبب حرب الأيام الخمسة، عندما اتهم الناتو روسيا باستخدام القوة المفرطة ضد جورجيا بسبب هجوم الأخيرة على أراضي أوسيتيا الجنوبية، التى يعيش فيها كثيرون من مواطنى روسيا، وهى إحدى مقاطعات جورجيا التى تتمتع بحكم ذاتي، وترغب في الانفصال.
بعد ذلك، وفي عام 2009 تم وقف اجتماعات مجلس روسيا ـ الناتو، وبالتالي إلغاء تنفيذ العديد من البرامج التى كانت معدة سلفا.
احتلال القرم
لكن القشة التى قصمت ظهر البعير في علاقة روسيا والناتو، وأدت إلى وقف كافة أشكال التعاون بينهما، كان النزاع في شرق أوكرانيا، حينها اتهم الحلف روسيا بالعدوان والتدخل في الشئون الداخلية، وضم القرم بالقوة وبشكل غير قانوني، في أبريل 2014.
وفي نفس الشهر، منع الحلف كل العاملين في البعثة الروسية لدى الحلف، باستثناء رئيس البعثة ونائبه، من دخول مقر البعثة، وخفض عدد الأعضاء من 70 إلى 50 فردا.
وهكذا، لأول مرة، لم تدع روسيا إلى قمة الناتو التي عقدت في لندن في سبتمبر عام 2014، وناقش الأعضاء فيه الوضع في أوكرانيا، وأعلنوا عن وجود تهديد من جانب روسيا، وتم اتخاذ قرار برفع حالة الاستعداد تحسباً لقيام روسيا بالعدوان على إحدى الدول الأعضاء في الحلف.
لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي، فاتخذت في ديسمبر 2014 قرارا بالإعلان عن عقيدتها العسكرية الجديدة، التي أشارت في إحدى نقاطها أنها تعتبر التهديد الرئيسي لها هو نشر قوات الناتو، واقتراب الحلف من حدودها.
قلق الناتو
في يوليو عام 2016، أعلن الحلف، في قمته التي عقدت في وارسو عاصمة بولندا، أن روسيا هي التهديد الأساسي للدول الأعضاء في الناتو.
أسفرت القمة عن إقرار برنامج لرفع القدرات الدفاعية للحلف في مجال الأمن السيبراني، تحسباً لأعمال عدوانية قد تقوم بها روسيا ضد إحدى دول الحلف، كما اتفق أعضاء الناتو على الاستمرار في تقوية القوات المتمركزة في دول البلطيق (لاتفيا ـ ليتوانيا ـ إستونيا).
في عام 2018، أعلن حلف الناتو عن أعمال استفزازية تقوم بها روسيا على الحدود الغربية والبحرين الأسود وبحر البلطيق.
واتهم الحلف روسيا بمحاولة تسميم جاسوس روسي سابق وابنته في سالسبوري ببريطانيا، ثم غادر ممثل روسيا لدى الحلف، ألكسندر غروشكو، بروكسل، في يناير 2018.
الناتو وأوكرانيا
وهكذا، في عام 2019، توقف الحوار بين روسيا والناتو تماما، وهو ما فسره وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن الحلف يعتبر المشكلة الأوكرانية ذات أولوية، وروسيا لا تريد حتى مجرد مناقشة هذا الأمر، وتعتبر شرق أوكرانيا مشكلة داخلية، والقرم أرض روسية استعادتها روسيا.
كما نشاهد، العلاقات بدأت باحتمال انضمام روسيا للحلف، وانتهت كما نرى في عام 2021 بحرب دبلوماسية وغلق البعثات في بروكسل وموسكو، ويمكن القول إنها حرب باردة جديدة على خلفية عدم الثقة، واتهامات بالتجسس، و الزحف البطئ لضم أوكرانيا، وإرسال قوات وخبراء عسكريين وتقديم معونات عسكرية لكييف، تمهيدا لضم أوكرانيا للحلف.
الحلف يرى أن ما يحدث في شرق أوكرانيا، واحتلال روسيا للقرم، عدوان على وحدة وسلامة الأراضي الأوكرانية، وتدخل في شؤونها الداخلية.
مع حلول 1 نوفمبر ستتوقف العلاقات بين الناتو وروسيا تماما، وهو ما يثير مخاوف كثيرة لدى الحلف وروسيا في نفس الوقت، من أي خطأ قد يحدث أو تصرف يجرى تفسيره في غير موضعه، وستنتهى كذلك المشاورات بين الجانبين، التي تخفف الكثير من حدة التوترات في مناطق كثيرة حول العالم.
هناك احتمال لقاء قد يجري بين الرئيسين بوتين وبايدن قبل نهاية العام الجاري، ومن المحتمل أن يخفف من حدة الأزمة بعض الشئ لبعض الوقت.
التناقض بين الجانبين يصعب تسويته بشكل نهائي، وطوال الوقت.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
الأهالي
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022