بعد تأجيل "اللقاء الأول" بينهما مرات عدة، استقبل الرئيس الأميركي، جو بايدن، نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، في البيت الأبيض، وسط توقعات بتركيز المحادثات على قضايا الدعم الأميركي لأوكرانيا، وتسوية النزاع في منطقة دونباس (تضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك) شرقي أوكرانيا، الموالية لروسيا، ومصير مشروع "السيل الشمالي 2" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا من البوابة الألمانية، وغيرها من الملفات.
ثمة مؤشرات تؤكد أن القمة الأميركية الأوكرانية لن تسفر عن أي اختراقات في الملفات الحيوية، في ظل انشغال الإدارة الأميركية بالوضع في أفغانستان مع استكمال عملية انسحاب القوات الأميركية، فضلاً عن توجه واشنطن نحو تطبيع العلاقات مع موسكو منذ قمة بايدن مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في جنيف السويسرية في 16 يونيو/حزيران الماضي.
في هذا الإطار، يتوقّع أليكسي ناوموف، الخبير في الشأن الأميركي في المجلس الروسي للشؤون الدولية (منظمة غير ربحية معنية بدعم اتخاذ القرار في مهام السياسة الخارجية الروسية)، أن تتركز محادثات زيلينسكي وبايدن على قضايا الدعم العسكري والاقتصادي الأميركي لأوكرانيا ومواجهة روسيا، من دون أن تسفر عن اختراقات يراهن عليها الجانب الأوكراني.
ويقول ناوموف في حديث لـ"العربي الجديد" إن "قضايا التعاون الأميركي الأوكراني لم تتغير منذ بضع سنوات، وهي الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، والمواجهة العامة مع روسيا".
ويتطرق إلى تراجع الملف الأوكراني على سلّم أولويات البيت الأبيض، مشيراً إلى أنه "خلال الفترة الأخيرة فقدت أوكرانيا وضع فتى أميركا المدلل، بعدما كان واضحاً بكونها من أهم اتجاهات السياسة الأميركية بعد ضمّ شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا في عام 2014، إلا أنها تراجعت إلى المشهد الخلفي وسط مشكلات في تطبيق اتفاقي مينسك (الأول في 2014، والثاني في 2015)".
ويرى أن هذه المشكلات "تحوّل أوكرانيا إلى نوع من أفغانستان أميركية أخرى، ليس من ناحية سقوط جنود أميركيين، بل في سياق خيبة أمل الولايات المتحدة لعجزها عن تغيير أوكرانيا بشكل جذري، وتحويلها إلى دولة ديمقراطية حديثة".
على الرغم من التصعيد الروسي الأميركي في الأشهر الأولى من ولاية بايدن، التي بدأت في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، إلا أن قمته مع بوتين أسفرت عن انفراجة نسبية وتطبيع في عدد من الملفات، بما فيها عودة السفيرين الروسي أناتولي أنطونوف والأميركي جون ساليفان إلى واشنطن وموسكو، والتأكيد على ضمان الاستقرار الإستراتيجي.
وزاد التقارب الأميركي الروسي الأخير من التساؤلات حول انعكاس ذلك على دعم واشنطن لكييف.
ويعلق ناوموف على ذلك بالقول: "لم تعد أوكرانيا محوراً رئيسياً للسياسة الخارجية الأميركية، وهناك إدراك بأن التطبيع الروسي الأميركي سيثني واشنطن عن القيام بخطوات معادية لموسكو مثل إمداد كييف بأسلحة إضافية، لأن ذلك لن يؤدي أولاً إلى أي تحول عسكري، وثانياً سيُغضب روسيا".
ويعتبر أن التطبيع الروسي الأميركي سيكون نوعاً من عامل ردع للعلاقات الأميركية الأوكرانية، ولن تؤدي إلى اختراقات في لقاء بايدن وزيلينسكي، رغم تعويل الجانب الأوكراني عليها.
من جهته، يتوقع الصحافي الأوكراني، فيتالي بورتنيكوف، أن تتركز قمة بايدن وزيلينسكي على قضايا الدعم العسكري الأميركي والوضع في منطقة دونباس والإصلاحات والدعم المالي لكييف، ومشروع "السيل الشمالي 2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا مباشرة من دون المرور عبر الأراضي الأوكرانية.
ويقول بورتنيكوف في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن "استكمال مشروع (السيل الشمالي 2) هو خطأ بايدن والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لاعتقادهما بامتلاكهما القدرة على إرغام روسيا على استخدام خط أنابيب الغاز كمشروع طاقة بامتياز".
ولا يتوقع الصحافي الأوكراني أن تسفر القمة عن أي اختراقات، لافتاً إلى أنه "حتى الآن لم تتشكّل علاقة ثقة بين بايدن وزيلينسكي".
ويعتبر بورتنيكوف أن اختيار موعد الزيارة لم يكن مناسباً، ويقول: "من البديهي أن الولايات المتحدة غير مهتمة بأوكرانيا في الوقت الحالي بسبب التصعيد الجاري في أفغانستان، بدءاً من سحب القوات وصولاً إلى نشوء تهديد أكبر في الوقت الحالي، وهو انتعاش داعش (ولاية خراسان)".
ومن اللافت أن زيارة زيلينسكي إلى واشنطن تتزامن مع موجة جديدة من التصعيد في دونباس، بعد ورود أنباء عن تجدد القصف المدفعي بين الجيش الأوكراني وقوات "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعلنتين من طرف واحد، مما زاد من مخاوف القوميين الأوكرانيين من قبول زيلينسكي تقديم تنازلات أليمة تحت ضغوط البيت الأبيض.
وعشية توجه زيلينسكي إلى واشنطن، نظم حزبا "سفوبودا" (الحرية) و"الفيلق الوطني" وحركة "سوكول" (الصقر) في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، فعالية تحذيرية أمام مقر الرئاسة الأوكرانية تحت شعار "مطلب الأمة - لا للاستسلام".
ونصح القوميون زيلينسكي قبل سفره إلى واشنطن بتذكير الرئيس الأميركي بأن الولايات المتحدة هي ضامنة الاستقلال ووحدة الأراضي الأوكرانية بموجب مذكرة بودابست المؤرخة عام 1994، والقاضية بضمان أمن أوكرانيا مقابل انضمامها إلى معاهدة منع انتشار السلاح النووي وتخلّيها عن ترسانتها النووية الموروثة من الحقبة السوفييتية.
واعتبروا أنه يتعين على الولايات المتحدة الانضمام إلى المفاوضات حول دونباس وتقديم دعم مباشر للقوات المسلحة الأوكرانية، ومنح البلاد صفة الحليف الرئيسي لأميركا خارج حلف الأطلسي، وأخيراً منع تشغيل مشروع "السيل الشمالي 2".
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
العربي الجديد
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022