د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة
كتاب "كارثة القرم الإسلامية في الاتحاد السوفييتي" يوثق لتاريخ القرم ونضال شعب تتار القرم ضد سيطرة روسيا القيصرية والشيوعية والنازية على أرضه، ويرصد للأعمال والأنشطة التي مارسوها بحقهم.
صدر الكتاب باللغة العربية في أغسطس من عام 1950م في مدينة القاهرة، كتبه يوسف ولي شاه اورالكيراي ممثل اللجنة العليا للدفاع عن مسلمي القرم، وهو من علماء الأزهر ومدرس بكلية البنات الفرنسية بالقاهرة.
جاء الكتاب في 190 صفحة، وأهدى المؤلف كتابه إلى الزعيم الوطني القرمي جعفر سيد أحمد (1889- 1960م) وإلى جنوده الأبطال الذين دافعوا عن حرية الوطن والأوطان المستعبدة في الإتحاد السوفيتي، وأرفق الإهداء بصورة للزعيم القرمي ورسم لعلم شعب تتار القرم وخريطة لشبه جزيرة القرم.
أما مقدمة الكتاب فهي بخط الكاتب الكبير وعضو مجلس الشيوخ المصري عباس محمود العقاد (1889- 1964م)، هاجم فيها الكاتب الشيوعية وسياستها الوحشية في قمع الأديان، وعدم احترام خصوصيات الشعوب التي يحكمونها.
اورالكيراي تحدث في الصفحات الأولى من الكتاب عن جغرافية القرم وموقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعة مستنداً على مصادر روسية وأوروبية. ثم عرّج على الأقوام والشعوب التي سكنت القرم، وتوسع في حديثه عن خانية القرم، ومحاولات الروس العديدة للاستيلاء على القرم، ثم نقضهم معاهدة كيتشوك قاينارجه المبرمة عام 1774م بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية، والذين تعهدوا بموجبها بعدم المساس باستقلال القرم والأراضي المجاورة لها.
ثم عرض للجرائم التي ارتكبتها روسيا القيصرية بحق الشعب القرمي ومدنه ومساجده ومقابره والسبل العامة والحمامات والقصور، ثم عمليات مصادرة الأوقاف الإسلامية، الأمر الذي أدى بالشعب القرمي للقيام بهجرات متعددة أهمها في أعوام 1790، 1813، 1860، 1863، 1905، 1906، 1921م.
ثم جاءت الثورة الشيوعية عام 1917م، والتي أيدها عدد من القرميين في البداية وقد دعت إلى المساواة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولكن سرعان ما تبين الوجه الحقيقي لها فقد قام البلاشفة بقتل الرئيس الأول لجمهورية القرم السيد نعمان تشلبي جيهان (1885- 1918م) ثم قتلوا الرئيس المُعيّن من طرفهم ولي إبراهيم عام 1927م، والذي رفض سياسة توطين اليهود في القرم، وسجن واختفى خليفته محمد قوباي عام 1937م، ثم صودرت أملاك خليفته أيضا إلياس طارخان وقتل عام 1938م، والذي حكم القرم لـ7 سنوات.
وبسبب السياسة الشيوعية القاسية ضد الفلاحين القرميين حلّت المجاعة في البلاد عام 1921م وراح ضحيتها حوالي 150 ألف قرمي، الأمر الذي دفع الزعيم القرمي جعفر سيد أحمد للتواصل مع الزعيم التركي كمال أتاتورك وبابا الفاتيكان والأمريكان لمساعدة القرم في هذه المحنة، وقد أشاد الكاتب بموقف بابا الفاتيكان وتضامنه مع محنة تتار القرم وتقديمه المساعدات الغذائية لهم، والتي وزعت بأيدي أئمة المساجد في القرم.
بدأ الشيوعيون بمصادرة المساجد - وعدد المؤلف قائمة بها في مدن بغجه سراي ويفباتوريا- وأملاك وأراضي القرميين وفرض الضرائب، وإجبارهم على العمل في المزارع الجماعية والانضمام للحزب الشيوعي، وإجبارهم كذلك على تعلم اللغة الروسية وحرمانهم من تعلم القرمية التترية في مدارسهم، وتغيير الأحرف العربية التي كانت تكتب بها اللغة القرمية التترية إلى الأبجدية اللاتينية ثم الكيريلية بهدف قطع علاقتهم بالعالم الإسلامي، ثم عمليات مصادرة المصاحف والكتب، كل ذلك في محاولة حثيثة للقضاء وكسر الروح الوطنية الإسلامية لشعب تتار القرم.
ثم عرّج بالحديث عن معاناة القرميين في الحرب العالمية الثانية، وما لاقوه من سياسات النازيين المجحفة بجقهم، فقد زجّ بأبنائهم في حروب على الجبهتين الشيوعية والنازية، وتعرض القرميون لإعدامات ميدانية وحرق لقراهم ومزارعهم.
والمرحلة الأصعب في تاريخ تتار القرم كانت عندما أصدر الزعيم ستالين عام 1944م أوامره بتهجير شعب تتار القرم المسلم إلى جبال الأورال ووسط آسيا بقطارات المواشي وبظروف غير آدمية، بهدف تفريغ القرم من أهله واستجلب بدلاً منهم أناس من روسيا وأوكرانيا وليتوانيا، الأمر الذي أدى إلى فقدان ثلث الشعب التتري المسلم.
في الفصل الأخير نقل الكاتب كلمة للأستاذ محمد عبد اللطيف دراز عضو مجلس النواب المصري [1] والتي قرأها في البرلمان المصري عام 1945م مدافعا عن حقوق المسلمين التتار، داعيا العالم العربي والإسلامي إلى الوقوف إلى جانب قضيتهم ومساعدة المهجرين منهم.
الكتاب غني بالإحصاءات والمعلومات والخرائط المستقاة من كتب وجرائد قرمية وروسية وأوروبية، وهو من الكتب الفريدة التي كتبت باللغة العربية عن القرم وتاريخ شعبه.
[1] الشيخ محمد عبد اللطيف دراز (1890- 1977م): عضو مجلس النواب 1928- 1945م، وكيل الأزهر الشريف، وقاد الأزهر في ثورة 1919م، وحكمدار القاهرة ومؤسس جماعة الكفاح لتحرير الشعوب الإسلامية عام 1954م.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022