عرب مروا من مدينة كييف 1.. البطريرك مكاريوس الثالث ابن الزعيم الحلبي

نسخة للطباعة2020.07.27

د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة

كان للنصارى العرب في المشرق العربي دور في الحياة الثقافية والإجتماعية والسياسية منذ القرن الثالث عشر الميلادي، فقد ساهموا في النهضة المعرفية والثقافية واعتنوا بنشر العلم والتعليم والترجمة، وظهر من بينهم علماء وقادة تخطى دورهم المنطقة العربية، ومنهم شخصيتنا في هذه المقالة.

ولد يوحنا بن الخوري بولس بن الخوري عبد المسيح الملقب بالزعيم أواخر القرن السادس عشر الميلاد في كفربهم من قرى مدينة حماة.

تلقى العلم صغيرا على يد كل من والده الذي كان خوريا وأسقفا لمدينة حلب وجده بولس الذي كان خوريا أيضا.

انتخب مطرانا لحلب ثم استلم الكرسي الأنطاكي مدة ربع قرن (1647- 1672م)، وكان له دور كبير في تثقيف أتباعه ورفع مستواهم العلمي والاجتماعي والروحي.

تعتبر رحلته الشهيرة التي رافقه بها وسجل أحداثها ابنه الشماس بولس الزعيم وثيقة تاريخية قيمة عن تاريخ البلدان التي زارها، فقد زار عدة مدن ووثق عادات أهلها وكنائسهم وملوكهم وكتب عن تاريخهم، وخلال رحلته الأولى بين عامي (1652- 1659م) انطلق من بلاد القسطنطينية إلى مولدافيا وبلغاريا ثم رومانيا وأوكرانيا وروسيا، واستقبله القيصر الروسي والبطريرك نيكون، وخلال رحلته رقّى عدداً من الكهنة إلى درجة الأسقفية، وفي زيارته الثانية (1665- 1669م) زار روسيا وبلاد الكرج ونزل موسكو عام 1667م وفيها أعلن استقلالية الكنيسة الروسية عن الدولة القيصرية.

إن حدة ذكاء البطريرك مكاريوس ابن الزعيم وحنكته ساعدتاه بالمحافظة على علاقة متوازنة بين الكنيسة الأنطاكية وكنيسة روما، ومن ثم مع كنيسة القسطنطينية، فهو بنظر العديد من الدارسين بطريرك كاثوليكي- أرثوذكسي في آن واحد.

كان البطريرك مكاريوس ابن الزعيم، حليما مولع بالعلم والمعرفة، غزير الإنتاج، إذ كان يؤلف ويترجم، ويجمع المعلومات التاريخية ليقدمها إلى أبناء كنيسته الأنطاكية، وقد ترك عدة مؤلفات الموسوعية هامة.

زيارته لأوكرانيا

زار البطريرك مكاريوس الثالث ابن الزعيم عدد من المدن في بلاد أوكرانيا عام 1655م، وأطلق عليها "بلاد القَزَق" و"بلاد الروس الصغرى"، وسمّى عاصمتهم كييف "كيوف" وتارة "كيف".

وقد التقى البطريرك مكاريوس بهتمان "القوزاق" بغدان خميلنيتسكي (1596- 1657م) مرتين ورحب به وأكرمه، ومن جانبه قدّم له البطريرك هدايا منها كما في رحلته: "علبة صابون ممسّك وصابون طيب، وصابون حلبي، وسكر نبات.. ورز ووعاء بُن أي قهوة..".

وقال عن الأراضي الأوكرانية: "واعلم أن هذه بلاد القزق أشجار فواكه ملونة كمثل دمشق وأزيد، بساتين لا تعد وجناين حسنة لا توصف".

ولاحظ كثرة الأولاد عند الأوكران فقال: "وكنا لا يشقينا في تلك البلاد إلا الأطفال، كنا ندخل إلى الدار ننظر عند الرجل عشرة أولاد وأكثر وأقل.. ووجهوهم شقر، وشعورهم شقر ملونة، خلقة شريفة تشتهي النظر.. وحكوا لنا أن ولا امرأة في هذه البلاد عاقر، كل سنة تحبل وتلد من غير تعب، وذلك لأجل حسن المياه والهواء، وأولادهم شبه النمل والحشيش بكثرته، الله يبارك فيهم وينميهم!".

ووصف مدينة كييف: " ثم أتينا إلى مدينة كيوف ولها أشجار الجوز الكبير والتوت وكروم عنب وبساتين لا تعد والفواكه أشكال..".

ويكمل واصفا نساء كييف: " اعلم أن بنات أكابر مدينة كيوف بيضعوا على شعور رؤوسهم دايره حلقة مخمل أسود مزركش بذهب ولؤلؤ وأحجاره صفت مثل التاج، أما بنات الفقرا بيعملوا لهم مثل تاج من زهر ملون.. ونساؤهم حسنات للغاية".

ووصف كهوف الرهبان وجبالهم، وثمّن مساعدة أهل البلاد للفقراء والاهتمام بالأيتام والكنائس.

توفي بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق مكاريوس الثالث ابن الزعيم الحلبي مسموما عام 1672م في دمشق، ودفن في دير سيدة صيدنايا.

ويبقى البطريرك مكاريوس الحلبي ابن الزعيم واحدا من أكبر أعلام الرؤساء الذين ساسوا الكرسي الأنطاكي في العصر الحديث، وأبرشية حلب بنوع خاص.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022