قبل 76 سنة، وتحديدا في ليلة الـ18 من مايو 1944، أمر القوات السوفييتية جميع العائلات التترية بالتجمع في وسط قراها بالقرم المحتل حاليا من قبل روسيا، مانحة إياهم 15 دقيقة فقط لإيقاظ أطفالهم وجمع حاجياتهم الضرورية.
لم يدرك التتار وقتها ما يحدث، ولكن سرعان ما اتضحت الصورة، فقد قتلت القوات جميع الممتنعين عن تنفيذ أوامر الخروج، قبل أن تقود الباقين إلى محطة القطار بمدينة "بختشي ساراي"، وتكدسهم في عربات مخصصة لنقل الحيوانات.
رحلة التهجير القسري نحو دول شرق آسيا وشمال روسيا قضت على 45% من التتار الذين كانت تقدر أعدادهم آنذاك بنحو 400 ألف نسمة، ومزقت أواصر عائلاتهم بين دول شتى، لم يعرفوها إلا عند الوصول، ناهيك عن أنها رحلة قاسية قضت وحدها على نحو 45% من المهجرين.
كما أدى التهجير القسري إلى تدمير جزء كبير من هوية ولغة وثقافة وعادات التتار الخاصة بهم، المستوحاة من دينهم الإسلام، وامتدادهم العرقي المرتبط بتركيا ودول أخرى.
حجة التهجير هي الخيانة أثناء الحرب، وبالمناسبة، هي حجة واجهت أقليات بولندية في مناطق الغرب قبل الترحيل أيضا في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي.
بطبيعة الحالة، أراد نظام ستالين تدمير كل ما يمس لغير الشيوعية بصلة، فكانت عملية تهجير التتار تتويجا لعملياته "التطهيرية" آنذاك، و"الإجرامية" بامتياز في زماننا الحاضر.
استمرت مآسي التتار في مجتمعات المهجر سنوات طويلة، فقد كانوا يعاملون كخونة وعبيد، وهكذا استمر الحال حتى بزغ فجر عهد جديد في 1991، فبدأ مشوار عودتهم إلى الوطن المفقود، حيث لا شيء يعود لهم فيه إلا الذكريات.
وحتى بعد العودة، استمرت مآسيهم، فالوطن المستقل وزع على غيرهم، ومشوار استعادة البيوت والأراضي والممتلكات كان طويلا، وعمليا، لم ينته حتى يوما هذا؛ ناهيك عن سنوات طويلة قضوها أيضا لإثبات "الجنسية" والحصول عليها في أحضان أوكرانيا.
وفي حقيقة الأمر، بقيت في أوكرانيا المستقلة عيون تنظر إلى التتار كخونة، ولاؤهم لا لأوكرانيا، بل لأي جهة أخرى ينتمون إليها دينيا وعرقيا، وعلى رأسها تركيا؛ لكن هذه النظرة تغيرت جذريا في 2014.
خرج آلاف التتار في 26 فبراير متظاهرين ضد الاحتلال الروسي للقرم، وعانوا بسبب هذا الموقف لاحقا مضايقات وملاحقات، دفعت الآلاف منهم للنزوح والهجرة مجددا، إلى مدن أوكرانية أخرى، أو حتى إلى الخارج.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022