بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، تنعقد في العاصمة الفرنسية باريس اليوم الاثنين، القمة الرباعية في إطار عملية نورماندي للتسوية الأوكرانية بمشاركة الرؤساء الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والروسي، فلاديمير بوتين، والأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وسط تساؤلات عمّا إذا كان اللقاء سيؤدي إلى تقدّم في إنهاء الحرب وإحلال السلام في منطقة دونباس (تضمّ إقليمي دونيتسك ولوغانسك) الواقعة شرق أوكرانيا. لم تكن الاستعدادات للقمة سهلة، بل استمرت لبضعة أشهر، وشملت تبادلاً للأسرى بين روسيا وأوكرانيا مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، وفصلاً بين القوات في بضع بلدات في دونباس شهدت منذ عام 2014 مواجهات بين الجيش الأوكراني والمسلحين الموالين لروسيا في دونيتسك ولوغانسك، والتوقيع على "معادلة شتاينماير" لمنح صفة خاصة لهاتين المقاطعتين بعد إجراء انتخابات محلية. وما يزيد من أهمية قمة اليوم، أن بوتين وزيلينسكي سيلتقيان للمرة الأولى وجهاً لوجه، وسط رهان الكرملين على التخلص من إرث الرئيس الأوكراني السابق، بترو بوروشينكو، الذي بلغت التوترات بين موسكو وكييف ذروتها في عهده.
في هذا الإطار، يرسم الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، سيناريوين رئيسيين لنتائج لقاء نورماندي، أولهما "استسلام" زيلينسكي أمام بوتين وقبوله الشروط الروسية للتسوية، وثانيهما سيناريو "لا حرب ولا سلام" والتجميد النهائي لأزمة دونباس وتحوّلها إلى نزاع متجمد آخر مثلما هو حال إقليم ترانسنيستريا في جمهورية مولدوفا السوفييتية السابقة. ويقول سيميفولوس في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف: "تثير هذه القمة مخاوف كثيرة وحالة من الغموض، وسيؤدي سيناريو الاستسلام أمام روسيا إلى موجة من الاحتجاجات وأزمة سياسية داخلية كبرى في أوكرانيا".
وفي معرض تعليقه على العقبات أمام تحقيق مطلب روسيا بما يتعلق بمنح صفة خاصة لدونباس، يضيف سيميفولوس: "هناك آلية محددة لذلك تنص على منح صفة خاصة بعد إجراء الانتخابات المحلية وفقاً للقوانين الأوكرانية، وإلا فلا مجال للحديث عن أي صفة خاصة". وحول رؤيته للسيناريو الثاني، يتابع: "يقتضي سيناريو لا حرب ولا سلام أن يواصل زيلينسكي سياساته الرامية إلى وقف القتال، لتتحول الحرب نهائياً إلى نزاع متجمّد على غرار الوضع في ترانسنيستريا".
ويرجّح سيميفولوس أن تمهد القمة الرباعية ولقاء بوتين وزيلينسكي على الانفراد، لاستعادة العلاقات بين البلدين وتسوية حزمة من الملفات مثل صفقة ترانزيت الغاز والتخلي عن قرارات التحكيم، ما يصبّ في مصلحة الطرفين، متخوفاً في الوقت نفسه من أن تكون الصفقة بشروط روسية. وعشية انعقاد القمة، أعرب رئيس الوزراء الروسي، دميتري مدفيديف، عن قناعته بأنه لن يتسنّى تجاوز الخلاف الروسي الأوكراني في مجال إمدادات الغاز إلا من طريق العودة إلى النقطة "الصفر"، أي تخلي الطرفين عن كل المنازعات السابقة بالتحكيم الدولي.
من جهتها، ذكرت صحيفة "إر بي كا" الروسية، نقلاً عن مصدر مطلع على سير الاستعدادات للقاء باريس، أن موسكو ستصرّ خلال القمة على المضي قدماً في تحقيق اتفاقات مينسك و"معادلة شتاينماير"، بما في ذلك من طريق تثبيت الصفة الخاصة لدونباس في الدستور الأوكراني. وأضاف المصدر: "نريد أيضاً العمل على الفصل الكامل بين القوات على خط التماس، والعفو عن جميع المشاركين في أعمال القتال في تلك الأراضي، وتبادل المحتجزين بين كييف ودونباس بنظام الجميع مقابل الجميع".
ويبدو أن هذا المطلب الروسي يلاقي قبول كييف حتى الآن، إذ أكد زيلينسكي في حوار مع وسائل إعلام غربية قبيل انعقاد القمة أنه يعتزم مناقشة تفاصيل تبادل الأسرى وموعده في باريس، بينما أعرب وزير خارجيته، فاديم بريستايكو، عن أمله أن يؤدي اللقاء إلى ما أطلق عليه "روكسيت"، أي انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا. ومع ذلك، أوضح مصدر مطلع على المفاوضات لـ"إر بي كا" أن الأوكرانيين يدركون ضعف احتمال أن تسلّم موسكو لهم السيطرة الكاملة على الحدود في دونباس، لذلك يقترحون فرض مراقبة دولية من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مثلاً، إلى حين إجراء الانتخابات.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، قلّل المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، من واقعية نجاح قمة نورماندي واتفاقات مينسك، بسبب تباين رؤى أطراف الأزمة لتطبيق التسوية على أرض الواقع، في ظل إصرار كييف على العودة إلى الوضع ما قبل عام 2014 مقابل تطلع سكان دونباس إلى أعلى درجة من الاستقلالية عن السلطة المركزية. وتعود تسمية المحادثات حول أوكرانيا بـ"إطار نورماندي" إلى يونيو/ حزيران 2014، حين اجتمع بوتين وبوروشينكو وميركل والرئيس الفرنسي آنذاك، فرانسوا هولاند، للمرة الأولى لمناقشة التسوية الأوكرانية على هامش الاحتفالات بالذكرى الـ70 لنزول قوات الحلفاء إلى سواحل نورماندي في أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945).
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
العربي الجديد
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022