نشر موقع Post The Jerusalem مقالا للكاتب Seth Frantzman تناول فيه قدرة الأحزاب أو حكومات الدول الأجنبية على التدخل فى صنع السياسة الخارجية الأمريكية... ونعرض منه ما يلى:
تكشف النقاشات المتزايدة حول الدور الذى لعبه المسئولون الأمريكيون فى أوكرانيا وسط جلسات الاستماع فى واشنطن كيف أصبحت السياسة الخارجية للولايات المتحدة مسيسة على نحو كبير. بغض النظر عن الانتماء السياسى للمسئول الأمريكى، فإن التفاصيل التى خرجت من جلسات المساءلة تظهر أن المسئولين الأمريكيين على مر السنين ارتبطوا بمحاولات، فى كل من كييف وواشنطن، للتأثير على صنع السياسة.
وفقًا لنقاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أظهرت الجلسات أن الرئيس سعى إلى حجب المساعدات فى مقابل الحصول على معلومات حول ابن جو بايدن ــ مرشح الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. ووفقًا لأنصار ترامب، فإن جلسات الاستماع هى مجرد هجوم ضد الرئيس، والقصة الحقيقية هى أن أوكرانيا تدخلت فى الانتخابات الأمريكية عام 2016. وهذا يعنى الآن أن الديمقراطيين والجمهوريين يدّعون أن الدول الأجنبية والسياسة الخارجية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالانتخابات الأمريكية. هذا الأمر لا ينطبق فقط على أوكرانيا ولكن أيضا على روسيا.
وسعت هذه الفضيحة من دائرة الأشخاص المرتبطين بالسياسة الأمريكية فى أوكرانيا، وبالتالى السياسة الأمريكية المتعلقة بروسيا أيضًا. فخلال أزمات عام 2014 فى أوكرانيا، تم إجبار الرئيس الموالى لروسيا فيكتور يانوكوفيتش على التخلى عن السلطة من قبل المتظاهرين المؤيدين للغرب. لقد تم نسيان أمره إلى حد كبير الآن، لكن روسيا نظرت إلى دور الولايات المتحدة فى الاحتجاجات الأوكرانية التى أجبرت يانوكوفيتش على التخلى عن منصبه على أنها تدخل فى الخارج القريب من روسيا. وأظهرت المحادثة المسربة التى نُشرت على موقع يوتيوب عام 2014 بين مساعدة وزيرة الخارجية فيكتوريا نولاند والسفير الأمريكى جيفرى بيات أن الولايات المتحدة كانت تناقش من الذى يجب أن يقود أوكرانيا فى المستقبل.
وبعد بيات جاءت مارى يوفانوفيتش، السفيرة الأمريكية التى أدلت بشهادتها أمام لجان الرقابة والإصلاح فى مجلس النواب وكذلك لجنتى الشئون الخارجية والاستخبارات كجزء من التحقيق فى مسألة طلب ترامب معلومات من أوكرانيا حول ابن جو بايدن. تحدثت عن «تحالف مؤسف» بين الأوكرانيين والأمريكيين الذين سعوا إلى تقويض دورها. قالت إن السياسة الخارجية المثالية يجب ألا تكون حزبية. ولكن يبدو بشكل متزايد أن الدول الأجنبية تعمل بشكل مباشر مع عناصر من السياسية الأمريكية حتى يتمكن كلا البلدين من التأثير على سياسة كل منهما. قال السفير الأمريكى السابق إنه «عندما نتعامل مع دول أخرى، يجب أن تكون مصلحة الولايات المتحدة نصب أعيننا».
الواضح الآن أن السياسيين الأمريكيين يستعيرون بالدول الأجنبية لتشويه سمعة معارضيهم.. وينظرون إلى الدول الأجنبية أو الأحزاب السياسية فى تلك البلدان على أنهم حلفاؤهم ضد خصومهم السياسيين. تدرك الدول الأجنبية الآن أن ما يتعين عليهم القيام به فى الولايات المتحدة للحصول لتحقيق مصالحهم هو العمل مباشرة مع حزب أو آخر، وقد يعملون مع مسئولين سابقين فى الحكومة الأمريكية وقد يصل الأمر إلى التعاقد معهم كمجموعات ضغط للحصول على ما يريدون.
فى حالة أوكرانيا، عمل حزب يانوكوفيتش السياسى مع بول مانافورت، الذى أصبح فى نهاية المطاف رئيس حملة ترامب فى الفترة من مايو إلى أغسطس 2016، وفقًا لـ NBC. لم يكن السياسيون الأوكرانيون المؤيدون لروسيا آنذاك يدركون أنهم يعملون مع شخص أصبح فيما بعد من المقربين لرئيس الولايات المتحدة. فى المناقشات الأخيرة فى الولايات المتحدة حول تعاطف المسئولين الأوكرانيين مع هيلارى كلينتون فى عام 2016، نادرا ما تطرح قضية مانافورت. لكنه يوضح كيف أن الأوكرانيين المنتقدين لروسيا تحركوا نحو دعم كلينتون التى كان ينظر إليها على أنها أكثر دعما لقضيتهم. ضمت روسيا شبه جزيرة القرم فى عام 2014 وكانت تدعم الانفصاليين الموالين لروسيا فى شرق أوكرانيا. كان الحصول على الدعم من الإدارة الأمريكية الجديدة هو مفتاح أوكرانيا.
فضيحة أوكرانيا لها آثار واسعة النطاق على السياسة الأمريكية فى العالم وفى الشرق الأوسط أيضًا. فإذا كانت الحكومات الأجنبية، أو الأحزاب السياسية فى الخارج، تعمل مباشرة مع الأمريكيين الذين ينتهى بهم الأمر شاغلين مناصب فى الإدارة الأمريكية، فإن ذلك يثير تساؤلات حول قدرة هذه الأحزاب أو الحكومات على إدارة السياسة الخارجية. كما أنه من غير الواضح السبب وراء سعى الكثير ممن خدموا فى المناصب الأمريكية الحكومية رفيعة المستوى للحصول على رواتب من دول أجنبية عن طريق قيامهم بالضغط لتحقيق مصالح هذه الدول أو باستخدام طرق أخرى. المشكلة أعمق من مجرد وجود بلدان، سواء روسيا أو تركيا أو قطر أو غيرها، تحاول التأثير على سياسة الولايات المتحدة.
من يستخدم من فى هذه السيناريوهات؟
تتدخل الولايات المتحدة أيضًا فى سياسات الدول الأجنبية بعدة طرق مختلفة، ليس فقط من خلال دعم الأحزاب السياسية المحلية، من ضمنها تمويل المبادرات فى الخارج المرتبطة بالمجتمع المدنى أو الجامعات على سبيل المثال. لكن فضيحة أوكرانيا تكشف وجهين لهذه المسألة.. فمن جانب سعت الولايات المتحدة إلى دعم الأوكرانيين الذين عارضوا روسيا، وعلى الجانب الآخر عمل الأوكرانيون مع أعضاء داخل الحكومة الأمريكية وقدموا لهم الدعم.
لقد غير ترامب من السياسات الأمريكية التى لطالما كانت مستقرة بشأن القدس، ومرتفعات الجولان، والضفة الغربية والعلاقات مع الفلسطينيين. ومع ذلك، فقد وضع هذا إسرائيل فى موقف صعب لأن العديد من منتقدى ترامب ينظرون الآن إلى إسرائيل على أنها «قضية ترامب». وهذا يعنى أن معارضة ترامب تعنى معارضة إسرائيل. كان العديد من المرشحين الديمقراطيين ــ مثل إليزابيث وارين وبيرنى ساندرز ــ ينتقدون إسرائيل بشدة، معظم الانتقادات كانت بسبب سياسة ترامب. وقد يؤثر هذا على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، وكذلك الدعم المالى للبرامج العسكرية الإسرائيلية الرئيسية التى تعمل فيها إسرائيل عن كثب مع الولايات المتحدة. ليس من الواضح تمامًا ما إذا كان هذا هو الحال، لكن إسرائيل تشكل على نحو متزايد قضية خلافية بين بعض الديمقراطيين، بينما كانت فى الماضى تحظى بدعم شبه كامل من الحزبين.
التعاون الأمريكى الإسرائيلى، مثل أوكرانيا، أعمق من مجرد دعم الولايات المتحدة لإسرائيل... فى ظل حكم أوباما، كان يتم توجيه الكثير من الانتقادات إلى نتنياهو. اتُهم نتنياهو بدعم المرشح الرئاسى الأمريكى ميت رومنى فى عام 2012. واتُهمت إدارة أوباما بدعم منظمة غير حكومية إسرائيلية عارضت نتنياهو فى انتخابات 2015. وزاد المتبرعون السياسيون فى الولايات المتحدة المرتبطون بالسياسة الإسرائيلية اليمينية الوضع سوءا، حيث ينظر إليهم على أنهم يؤثرون فى السياسة الإسرائيلية والأمريكية.. قد يعنى هذا تمويل وسائل الإعلام فى إسرائيل ثم تمويل المرشحين الجمهوريين فى الولايات المتحدة.
ولكن هناك قضايا أكبر على المحك. كلما اعتقدت الحكومات الأجنبية أن أفضل طريقة للتأثير على السياسة الأمريكية هى السعى للتآمر مع حزب سياسى أو آخر، كلما تغيرت السياسة الأمريكية كل أربع أو ثمانى سنوات مع كل إدارة جديدة وستفقد الولايات المتحدة ثقة الدول الأجنبية فى سياساتها الخارجية. هذا سيخلق فرصا للدول الأجنبية للعب دور أكبر فى السياسة الداخلية للولايات المتحدة. سيؤدى ذلك أيضًا إلى تغذية العديد من الصراعات فى الخارج واستخدام الحوافز المالية للتأثير والولوج إلى قنوات صنع القرار فى واشنطن.
هذا له انعكاسات على إسرائيل أيضًا، لأن إسرائيل بحاجة إلى أصدقاء وحلفاء فى الشرق الأوسط. عندما يكون هناك ارتباط بين الدعم السياسى لحزب فى الولايات المتحدة وحزب آخر فى الخارج، وتبدأ تلك العلاقة فى جمع المزيد من الفواعل المرتبطين ببلدان وأحزاب أخرى، فإنها تهدد عملية صنع السياسة الأمريكية بأكملها.
نقلا عن صحيفة الشروق
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022