لا تزال الخلافات داخل أوروبا تتواصل بشأن استيراد المزيد من الغاز الطبيعي من روسيا عبر ممرات بديلة لخطوط الغاز تمر عبر أوكرانيا، إذ بينما ترى كل من ألمانيا وفرنسا ضرورة تحسين العلاقات مع موسكو، وتجاوز خلافات الأخيرة مع كييف، تميل بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى عدم استيراد المزيد من الغاز، خوفاً من الابتزاز الروسي لدول المجموعة، واستخدام الغاز كسلاح سياسي في المستقبل.
وكانت هذه الخلافات سبباً رئيسياً في فشل جولات المشاورات الثلاثية بشأن نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا، في 17 يوليو/ تموز 2018، و19 سبتمبر/ أيلول، و21 يناير/ كانون الثاني من 2019، وآخرها تلك التي عقدت مساء أمس الإثنين، في بروكسل، وفشلت هي الأخرى.
وينتهي العقد الحالي لنقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا، المبرم قبل 10 سنوات، في نهاية العام الجاري. وهو العقد الذي تصدر روسيا بموجبه الغاز لعدة دول أوروبية مروراً بأوكرانيا.
وحسب الأرقام الأخيرة التي نشرتها وزارة الطاقة الروسية، ونقلتها وكالة "سبوتنيك" الروسية، تصدر شركة "غازبروم" 200 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد الأوروبي، حوالى 66 مليار متر مكعب منها عبر أوكرانيا.
ووفق تقرير لمعهد "أتلانتيك كاونسل"، صدر الأسبوع الماضي، فإنّ أوكرانيا تتخوف من خسارة الدخل المالي الذي تحققه من مرور الغاز الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا، من خلال الرسوم التي تفرضها على شركة "غازبروم". ولكن في المقابل، فإنّ دول وسط أوروبا، وعلى رأسها ألمانيا التي تحولت من توليد الكهرباء بالطاقة الذرية إلى مصادر آمنة ونظيفة، تتخوّف من انقطاع إمداداتها من الغاز الروسي في الشتاء، بسبب التوتر السياسي بين كييف وموسكو.
وبالتالي عمدت ألمانيا إلى التعاقد على بناء خط "نوردستريم 2" الذي يمر عبر بحر البلطيق ويمر من روسيا إلى ألمانيا. ومن المتوقع أن ينقل هذا الخط حوالى 55 مليار متر مكعب، ليضاعف إمدادات الغاز الروسي المباشرة إلى ألمانيا إلى 110 مليارات متر مكعب.
وكان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قد أعلن، مساء أمس الإثنين، بعد فشل مفاوضاته في بروكسل، عن إجراء جولة جديدة من المشاورات الثلاثية بشأن استمرار ضخ الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا، نهاية الشهر المقبل.
وقال نوفاك، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية، وأوردتها وكالة "الأناضول"، إنّ أوكرانيا مستعدة للاستمرار في توريد الغاز الروسي عبر أراضيها مباشرة إلى الاتحاد الأوروبي، والذي ينتهي التعاقد بشأنه مطلع 2020. وأضاف "ناقشنا اليوم أيضاً قضايا إمدادات الغاز لأوكرانيا. نرى استعداداً مباشراً لدى شركائنا بشأن استمرار إمدادات الغاز، وستتم مناقشة الكميات في وقت لاحق".
ومن العراقيل الأخرى التي تواجه خطوط الغاز الروسي الجديدة إلى أوروبا، لا سيما خطي "نورد ستريم 2" و"تركيش نورد ستريم" المخصص لتصدير الغاز من تركيا إلى أوروبا، معارضة واشنطن الصارخة لزيادة إمدادات الغاز الروسي.
من العراقيل الأخرى التي تواجه خطوط الغاز الروسي الجديدة إلى أوروبا، معارضة واشنطن الصارخة
وكان وزير الطاقة الأميركي المستقيل ريك بيري، قد قال من العاصمة الليتوانية فيلنيوس، خلال الشهر الجاري، إنّ خط أنابيب "نورد ستريم 2" للغاز الذي سيتم إنجازه قريباً، "سيعزز نفوذ موسكو على سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية".
وحذر بيري، خلال زيارة إلى ليتوانيا لتشجيع العلاقات بين الولايات المتحدة ودول أوروبا الشرقية في مجال الطاقة، من أنّ خط الأنابيب هذا "سيسدد ضربة كبرى لتنوع وأمن الطاقة في أوروبا".
وقال بيري، خلال منتدى حول الطاقة، إنّ "نورد ستريم 2 سيعزز نفوذ روسيا في سياسة أوروبا الخارجية، ويجعل أوروبا أكثر عرضة لانقطاع الإمدادات".
ويكلف خط "نورد ستريم 2"، حوالى 10 مليارات يورو، وسيسمح بمضاعفة إمدادات الغاز الروسي لألمانيا، وتخشى أوكرانيا وبولندا ودول البلطيق من أن يعزز تبعية الاتحاد الأوروبي لروسيا، وأن يشكل أداة تستخدمها روسيا لممارسة ضغوط سياسية.
وقال بيري إنّ "نورد ستريم 2" الذي يعبر في قعر بحر البلطيق وخط أنابيب "توركيش ستريم" الذي سينقل الغاز الروسي إلى تركيا عبر البحر الأسود، "سيسمحان لموسكو بوقف نقل الغاز عبر أوكرانيا في نهاية العقد الحالي". وأضاف: "المشروع سيُدخل شريان غاز أحادي المصدر في عمق أوروبا، ويضرب الاستقرار والأمن الأوروبيين في الصميم".
وأكد أنّ الولايات المتحدة "مستعدة وراغبة وقادرة" على تعزيز أمن أوروبا على صعيد الطاقة، بتوفير مصادر بديلة لها، مثل الغاز الطبيعي المسال والتكنولوجيات النووية المدنية.
ولكن خبراء غاز أوروبيين يرون أنّ المعارضة الأميركية لمشاريع أنابيب الغاز الجديدة تنبع من استراتيجية أميركا الباحثة عن أسواق لتصدير الغاز الصخري المسال. ويبدو أنّ أوروبا هي الأقرب والأقل كلفة من حيث النقل مقارنة بآسيا.
وفي هذا الصدد، قال الأستاذ في جامعة فيلنيوس، راموناس فيلبيسوسكاس، إنّ الانتقادات لـ"نورد ستريم 2" تندرج ضمن حملة تسويق تخوضها الولايات المتحدة في أوروبا لبيع غازها.
ويرى فيلبيسوسكاس، بحسب ما نقلته وكالة "فرانس برس"، أنّ "الهدف التجاري هو الدافع الرئيسي خلف الانتقادات".
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
العربي الجديد
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022